العمر القصير لحكومة التخبط اليميني في إسرائيل

نتنياهو ينضج حكومته «هآرتس»

من المقرر أن يصل رئيس الحكومة الإسرائيلية المكلف، بنيامين نتنياهو اليوم إلى مقر الرئيس، رؤوفين ريفلين، طالبا التمديد لمهمته بتشكيل الحكومة. ومعروف أن القانون الإسرائيلي يمنح مهلة أربعة أسابيع للرئيس المكلف لتشكيل حكومته وإذا عجز عن ذلك يطلب مهلة إضافية لأسبوعين آخرين. ويشكل اتصال ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية بالرئاسة الإسرائيلية لترتيب لقاء طلب التمديد أول برهان على فشل نتنياهو في تحقيق وعده بتشكيل الحكومة خلال المهلة الأولى.
ومع ذلك ورغم انقضاء المهلة الأولى تقريبا لا تظهر في الأفق معالم الحكومة الإسرائيلية المقبلة والتي لا تزال موضع تخمينات. ورغم أن كل الحملة الانتخابية لليكود انطلقت من فكرة دع اليمين يشكل الحكومة المقبلة فإن الحكومة اليمينية الضيقة صارت مستحيلة بفعل نتائج الانتخابات. فأحزاب اليمين الديني والقومي لم تنل إلا 57 مقعدا، أي أقل بأربعة مقاعد عن العدد المطلوب لتوفير الأغلبية. ولهذا السبب كان إصرار نتنياهو على تلبية شروط حزب «كلنا» بزعامة موشي كحلون والذي خاض الانتخابات وفق برنامج وسط سياسي وربما يسار اجتماعي.
فمن دون كحلون والمقاعد العشرة التي فاز بها لا أمل لنتنياهو بتشكيل حكومة بقيادة اليمين وبأغلبية يمينية. كما أن المصاعب التي واجهها نتنياهو في حكومته السابقة مع جناحي اليمين القومي، حزب البيت اليهودي بزعامة نفتالي بينت وحزب إسرائيل بيتنا بزعامة أفيغدور ليبرمان، قادته هذه المرة للتصالح مع اليمين الديني الحريدي. ولذلك عمد طاقم المفاوضات في الليكود إلى إبداء مرونة في التعاطي مع مطالب الحزبين الحريديين، شاس ويهدوت هتوراه.
وبدا أن مشكلة نتنياهو الجوهرية تتعلق، ولا تزال، بشريكيه القوميين، بينت وليبرمان. وبديهي أن الأمر لا يخلو من قدر كبير من المنافسة قامت طوال الوقت على قاعدة الرغبة في تزعم اليمين. ومعروف أن ليبرمان وبينت تطلعا، ولا يزالان، إلى محاولة كسب الأصوات والمقاعد بغرض احتلال زعامة اليمين من الليكود ورئاسة الحكومة من نتنياهو. وكانا طوال الولاية السابقة ينطلقان من هذه الرغبة في تعاملهما مع الليكود ونتنياهو، ما خلق قدرا كبيرا من النزاع والشقاق بينهم.
وأظهرت نتائج الانتخابات أن جهد البيت اليهودي وإسرائيل بيتنا ضد الليكود ونتنياهو، قبل وأثناء المعركة الانتخابية، ضاع سدى. فقد نال الليكود ونتنياهو 30 مقعدا على حساب هذين الحزبين تحديدا اللذين تراجعا من 12 إلى 8 مقاعد للأول ومن 10 إلى 6 مقاعد للثاني. لكن تراجع قوة الحزبين في الكنيست لم يقلل شهيتهما للمناصب الوزارية ولا النفوذ. وصار كل منهما يطلب لنفسه إما الحفاظ على وضعيته التي كانت أو المطالبة بأكثر من ذلك كتعويض عن الخسارة. ولم يقل مطلب هذين الحزبين عن نيل كل منهما إما وزارة الدفاع أو الخارجية فضلا عن مطالب أخرى.
وبديهي أن هذه المطالب اصطدمت بسعي قادة الليكود، الذين ازدادت شهيتهم للمناصب بعد فوزهم الكبير في الانتخابات، لتحسين مواقعهم في الحكومة. فقادة الليكود لم يعودوا قادرين على الصمت إزاء احتمال تسرب المناصب العليا والهامة، والتي تنطوي على نفوذ وأموال كثيرة، إلى الآخرين. ولذلك ازدادت المفاوضات، خصوصا مع البيت اليهودي وإسرائيل بيتنا تعقيدا.
ورغم ما يشاع عن حدوث تقدم في المفاوضات مع هــــذين الحزبين بعد اضطرار نتنياهو إلى عقد سلسلة اجتماعات مع كل من نفتالي بينت وأفيغدور ليبرمان إلا أن الأمور تراوح مكانها أو أن التقدم لم يكن كبيرا. وهذا هو المعــــنى الحقيقي لطلب تمديد المهلة. ومع ذلك كان هناك في الليكود من أمل النجاح في إعلان أي انجاز على شكـــل اتفاق ائتلافي أولي مع أي من الأحزاب الشــــريكة في المفاوضات. وكان التقدير أن ينجح نتنياهو على الأقل في إبرام اتفاقات مع كحلون وشاس ويهدوت هتوراه.
وفي نظر كثيرين فإن إعلان اتفاق هذه القوى الأربع يمنح نتنياهو نواة من 53 عضو كنيست يمكنها أن تشكل إحراجا للبيت اليهودي وإسرائيل بيتنا. وبكلمات أخرى فإن الإعلان عن اتفاق هذه القوى يضع نتنياهو أمام خيارين كل منهما يضغط أكثر من الآخر على بينت وليبرمان بوصفهما قادة في معسكر اليمين. فإما أن يضطرا للدخول إلى الحكومة بشروط نتنياهو أو القبول بها كحكومة أقلية من خارجها أو اسقاطها إذا عُرضت لنيل الثقة. ومعروف أنه إذا سقطت الحكومة عند نيل الثقة فإما أن يكلف رئيس حكومة آخر أو تتم الدعوة لانتخابات جديدة.
وفي نظر الجمهور الإسرائيلي خصوصا في اليمين سوف تتجه أصابع الاتهام للبيت اليهودي وإسرائيل بيتنا بأنهما أسقطا حكم اليمين وقادا إلى زعزعة الحلبة السياسية. ولذلك فإن هذا السيناريو المتطرف، وإن كان قائما يبدو مستبعدا، ما يقود عمليا إلى واحد من خيارين: إما حكومة يمين بوجود البيت اليهودي وإسرائيل بيتنا فيها أو دعمها من خارجها أولا، أو بالعودة إلى خيار حكومة الوحدة مع المعسكر الصهيوني أو حتى فقط مع حزب العمل.
وهكذا، حتى اللحظات الأخيرة من مهلة التكليف الأولى، تستمر المناورات والألاعيب التي تثبت أن شيئا لا يتغير في الحلبة السياسية الإسرائيلية. فالأحزاب، على طبيعتها تتطلع لتحقيق مصالحها، والجمهور الإسرائيلي لا يستشعر، على الأقل وفق نتائج الانتخابات، أي حاجة للتغيير. ولكن في كل الأحوال، إذا تشكلت حكومة اليـــمين أو إذا تم اللجــوء لحكومة الوحدة فيبدو أن عمر الحكومة لن يطول.
(تقديم وترجمة حلمي موسى-السفير)

السابق
إليكم أفضل جزيرة في العالم للعام 2015
التالي
كيف أساعد طفلي كي يحادث الناس بطريقة جيدة؟