بري يتفهم التمديد لـ«الأمنيين».. وعون إلى التصعيد

حتى ليل أمس، كان المناخ في داخل المبنى “دال” لا يزال مشحونا، وسط معلومات أفادت بأن الموقوفين الإسلاميين طلبوا إعادة منحهم بعض الامتيازات السابقة، ومن بينها أجهزة الهاتف والتلفزيون، وأعطوا المعنيين مهلة زمنية محددة لتلبية مطالبهم.

لكن وزير الداخلية نهاد المشنوق أكد لـ “السفير”، ليل أمس، أن الوضع في السجن تحت السيطرة وانه لن يسمح بإعادة إحياء “الإمارة” فيه “مهما كلف الأمر”، وأشار إلى أن الموقوفين سيحصلون على ما يسمح به القانون، وغير ذلك ليس واردا على الإطلاق.

أما خارج السجن، فإن الأمور ليست أفضل حالا، مع تفاقم تداعيات الشغور الرئاسي، وعوارضه المتنقلة التي باتت تهدد “الجسم الأمني”، في ظل الخلاف حول كيفية التعامل مع استحقاق انتهاء خدمة كل من المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص وقائد الجيش العماد جان قهوجي في الأشهر المقبلة.
وبينما يرفض العماد ميشال عون خيار التمديد للقادة الأمنيين، ويستعد للتصعيد سياسيا بدءا من غد (اجتماع تكتل التغيير)، تتوزع مواقف الأطراف الأخرى بين تأييد التمديد التلقائي، وتأييده في حال إخفاق محاولات التوافق على تعيين البديل، كما هو موقف الرئيس نبيه بري.
وفيما تفيد المعلومات ان عون كان قد تبلغ من الرئيس سعد الحريري الذي استقبله في “بيت الوسط”، خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان، انه لا يعارض تعيين العميد شامل روكز قائدا للجيش، تكشف أوساط مطلعة عن أن الحريري عاد وأكد لبري لاحقا انه يؤيد خيار التمديد!
خفايا “روميه”
أبرزت “انتفاضة روميه” الجديدة، ان الجمر لا يزال تحت الرماد في هذا السجن المركزي الذي يختزل حكاية الجمهورية، وأن المبنى “دال” تحوّل، أو يكاد، إلى فرع للإمارة السابقة في المبنى “ب”.
لم يتردد اليمني سليم صالح “أبو التراب”، أخطر موقوفي “فتح الإسلام”، في استفزاز عسكريي روميه حين صارحهم بالقول “7 ملايين دولار (كلفة ترميم المبنى) طيّرناها بـ14 دقيقة”.
وفي عزّ المفاوضات التي خاضها خالد يوسف (المعروف بـ “أبي الوليد”) مع رئيس القوة الضاربة المقدّم خالد عليوان والعميد منير شعبان، ومن خلالهما مع وزير الداخلية نهاد المشنوق ورئيس فرع المعلومات العميد عماد عثمان، استطاع “ابو الوليد” ان يجري اتصالا بالنائب وليد جنبلاط!
وسيلة الاتصال كانت من خلال الاستيلاء على هاتف الطبيب الذي تمّ احتجازه (طبيب مدني متعاقد مع المركز الطبي) مع ممرضيّن و12 عسكريا خلال التمرد، فيما أتاح تعطيل أجهزة التشويش في سجن روميه (لكي يتسنّى للضباط إجراء الاتصالات اللازمة مع الخارج) إتمام المكالمة بارتياح.
يوسف هدّد محدّثه من الجانب الجنبلاطي بإلحاق الاذى بالعسكريّين الدرزيّين اللذيّن كانا من ضمن المحتجزين إذا لم تتراجع القوى الامنية عن قرار اقتحام الطوابق واستعادة الرهائن. لم يكتف خالد يوسف بذلك، بل تسنّى له أيضا التواصل مع مفاوضيه عبر “الرباعي” (هاتف عسكري).

وإذا كان كثيرون قد ظنوا ان شوكة الموقوفين الاسلاميين بتهم إرهابية انكسرت بمجرد نقلهم من المبنى “ب” الى “دال” المرمّم حديثا، فإن كل المؤشرات التي تراكمت بعد اتمام عملية انتقالهم كانت تدلّ على ان من كان حاكما بأمره في “الامارة ب” لن يسكت على سياسة العزل.
ماذا كانت النتيجة؟
باتت أكثرية الغرف الـ180 في المبنى “دال”، والموزّعة على ثلاثة طوابق، من دون أبواب ولا مفصّلات. لا كاميرات مراقبة، بعد تكسيرها، باستثناء تلك في باحة السجن الخارجية. وعملية الشغب التي تمّ ضبطها بأقل الخسائر الممكنة أتاحت استيلاء السجناء الاسلاميين على “عدّة شغل” من الادوات الحادة قد تعزّز وضعيتهم في اي تمرد ثان محتمل.
ويبدو ان التحقيق العدلي الذي بوشر به، قد ضل طريقه، حتى اللحظة. فالتركيز يتمّ على سبب عدم وجود ثلاثة ضباط مولجين بأمن طوابق المبنى الثلاثة خلال حصول التمرّد، فيما المسألة كلها تكمن في استكشاف اسباب تمكّن السجناء من فكّ الابواب خلال نصف ساعة واحتجاز العسكر الـ12 والطبيبين وممرضتين، وحصول التمرد بالتزامن مع وقت النزهة (4 عسكريين فقط يرافقون كل 100 سجين الى النزهة لمدة نصف ساعة) والاستحمام (عسكريان يواكبان ثمانية سجناء نحو غرف الاستحمام بمجرد دخولهم الى الحمام يواكب عسكريان آخران مجموعة أخرى من ثمانية سجناء ينتظرون دورهم خارج الحمام)، ومساءلة المتعهد حول نوعية عمله في المبنى الذي بدا غير مطابق إطلاقا لمواصفات سجن يضمّ أهم مطلوبين بتهم إرهابية، ولماذا لم ترصد غرفة المراقبة والعمليات في سجن روميه منذ اللحظة الاولى حركة التمرّد؟
وثمّة بين عسكريّي روميه من يشكو من سوء إدارة يشكّل جزءا من أسباب فضيحة التمرّد الحاصل بعد أربعة اشهر من القضاء على “اسطورة روميه”. فماذا يعني ان يتعرض عسكريّ للضرب والاهانة من جانب السجناء، وكاميرات المراقبة شاهدة على هذا الامر، ويكتفى بوضع المعتدي في السجن الانفرادي؟
المشنوق: لا عودة للوراء
في هذا السياق، قال الوزير المشنوق لـ “السفير” ان بعض الموقوفين يعتقدون ان بالامكان إعادة الوضع في سجن روميه الى ما كان عليه، لكن ذلك لن يحصل.

وشدد على ان كل الاجراءات اللازمة ستتخذ لمنع تحويل المبنى “دال” الى إمارة جديدة، “مهما كان الثمن”.
وأشار الى انه يتفهم الشكوى من الاكتظاظ داخل المبنى “دال” الذي يتسع لـ400 شخص حداً أقصى بينما يحوي حاليا قرابة 1100، مؤكدا ان المساجين سيُنقلون مجددا الى المبنى “ب” بعد قرابة 15 يوما، مع الانتهاء من أعمال الترميم والتأهيل، حيث سيتم توزيعهم توزيعا طبيعيا.
وأشار الى ان تحقيقا عسكريا بدأ في ملابسات ما حدث بإشراف العميد جوزف كلاس، لتحديد مكامن القصور والتقصير.
بري: روميه والتعيينات الامنية
وفي السياق، اعتبر الرئيس بري امام زواره، أمس، ان الاحداث التي وقعت في روميه تثير الريبة، وتطرح العديد من علامات الاستفهام، معربا عن اعتقاده ان ما جرى ينطوي على خلفيات تتجاوز الظاهر والمعلن. ودعا الى التدقيق في حقيقة ما حدث وأبعاده، “لانه ليس طبيعيا ان يسيطر السجناء على المبنى “دال” بهذه الطريقة، ويحتجزوا العديد من العسكريين لبعض الوقت”.
على صعيد آخر، أكد بري انه لا يزال عند موقفه من ملف القادة الامنيين، وهو انه مع التعيين أولا وثانيا وثالثا إذا حصل توافق عليه، “أما إذا تعذر ذلك، فأنا أقول على راس السطح بأنني أؤيد التمديد للمدير العام لقوى الامن الداخلي وقائد الجيش، لان التمديد أفضل بكثير من الفراغ، انسجاما مع مبدأ استمرارية المؤسسات، فكيف إذا كان الامر يتعلق بمؤسستي قوى الامن والجيش اللتين لا تحتملان في هذه المرحلة الحساسة أي فراغ قيادي”.
وأوضح بري انه أبلغ العماد ميشال عون بهذا الموقف، وصارحه بحيثياته، عندما استقبله في عين التينة قبل فترة، مشيرا الى ان علاقته بعون تقوم على الصراحة، “وأنا شرحت له رأيي منذ البداية”.
وشدد بري على ان العميد شامل روكز صاحب كفاءة، ويستحق ان يكون قائدا للجيش، ولكن في حال عدم حصول اتفاق في مجلس الوزراء على تعيينه، فماذا نفعل.. هل نذهب الى الفراغ؟
ولفت الانتباه الى انه حيث يحصل توافق سياسي، تتم التعيينات، كما جرى في لجنة الرقابة على المصارف والامانة العامة لمجلس الوزراء، أما حيث لا تفاهم فإن الخيار الاضطراري يكون إما التمديد وإما التعيين المؤقت بالتكليف، وفق ما يحصل في بعض المؤسسات والمصالح العامة.

(السفير)

السابق
لبنان يتسلّم اليوم سلاحاً من الهِبة السعودية تبايُنات سياسيّة تُطيّر الموازنة والسلسلة غداً
التالي
السعوديّة تُواصل غاراتها على اليمن إيران : الحرب البريّـة تقرّر المصير