لبنان..ما بعد بعد تفاهم لوزان

تسرع حزب الله في الترحيب بالتفاهم النووي بين ايران والدول الست الكبرى، الذي تم التوصل اليه الاسبوع الماضي في لوزان، وأُعلن عنه بلغتين وصياغتين مختلفتين كلياً، لا تبدو اي ترجمة لبنانية لهما مطمئنة، لا بالنسبة الى خصوم طهران ولا طبعا حلفائها، لا سيما في الفترة الحرجة الفاصلة عن موعد تحويله الى اتفاق نهائي في 30 حزيران يونيو المقبل.

في حديثه الاخير مع صحيفة “نيويورك تايمز” الاميركية، المنشور قبل يومين، شدد الرئيس الاميركي باراك اوباما اكثر من مرة على ان الاتفاق النهائي مع ايران لم ينجز، وأوحى مراراً وتكراراً ان مثل هذا الاتفاق ما زال بعيدا، ومحكوماً بالكثير من العوامل الحاسمة، بينها انجاز التفاصيل التقنية المعقدة، واختبار سلوك ايران النووي، والسياسي ايضا، تجاه حلفاء اميركا واصدقائها، الاسرائيليين والعرب.. وان كان قد ميّز بطريقة مثيرة بين مخاوف كل منهما من الخطر الايراني. لم يكن اوباما وحده الذي تحدث عن تلك المهلة الحساسة للتوصل الى اتفاق، والمحددة في نهاية شهر حزيران يونيو المقبل، بشكل أثار الانطباع في الوسط السياسي والاعلامي الاميركي بان تفاهم لوزان الذي سبق ان أسبغ عليه صفة “التاريخي” لم يكن اكثر من اعلان نوايا عامة، لا يختلف عن اعلانات سابقة سوى في كونه هذه المرة يحظى بدعم صريح ومباشر من المرشد الايراني علي خامنئي،عبر عنه بوضوح في رسائله الاخيرة الى الرئيس الاميركي.

المرشد نفسه ما زال صامتاً، منذ الاعلان عن التفاهم، والكلام الذي قاله علناً رجاله في الحرس الثوري وفي مجلس الشورى وفي السلطة القضائية، لا يحسم الجدل حول ماهية التفاهم وشروطه، لكنه يضعه على جدول أعمال النقاش الداخلي الذي يدور الان حول اداء الفريق الايراني المفاوض وموقف الرئيس حسن روحاني، بدل أن يعتبر قراراً او توجيهاً صادراً من خامنئي الى مؤسسات السلطة الايرانية. وهو بالمناسبة ليس دليل ضعف المرشد، بقدر ما هو دليل ضعف التفاهم مع واشنطن.

لم يستخدم أوباما في المقابلة مع “نيويورك تايمز” صفة “التاريخي”، ولم يصدر عن طهران مثل هذا التوصيف أبداً . التراجع المتبادل لا يعبر فقط عن ميل لضبط مشاعر الحماسة التي أفرط الجانبان في التعبير عنه لحظة الاعلان عن التفاهم في لوزان. ثمة واقعية فرضت نفسها على البلدين اللذين شعرا بان الموجة الايجابية التي أثارها التفاهم تواجه تحديات جدية من الداخل الاميركي والايراني ومن حلفاء كل منهما ، يمكن ان تعطل نية المصالحة التي يبديانها بجدية لم يسبق لها مثيل.

اذا كان من خلاصة للاسبوع الاول من تفاهم لوزان فهي ان البلدين دخلا في امتحان أخير لنواياهما وسلوكياتهما ولقدرة كل منهما على تسويق الصفقة النووية لدى جمهورهما ومؤسساتهما ولدى شركائهما ايضاً. التعديلات واردة على النص المزدوج والملتبس للتفاهم نفسه. وقد سرب الاسرائيليون لصحيفة”نيويورك تايمز” بالذات لائحة بمطالبهم او بالاضافات الست التي يودون زيادتها على النص المتداول. كما رد العرب باعلان عزمهم توسيع المواجهة مع ايران على مختلف الجبهات اليمنية والسورية والعراقية، بل وحتى الايرانية الداخلية.

الرهان كبير جدا، الى حد انه يحتمل التنبوء باضطراب إضافي في هذه البقعة من العالم الاسلامي. لا شيء يدل على كذب أوباما او خامنئي. لكن صدق الرئيس الاميركي في اعتماد السيناريو الكوبي لتفادي الكابوس الكوري الشمالي مع ايران، وصدق المرشد الايراني في الصلح مع اميركا تجاوباً مع الواقع الايراني والاقليمي، يمكن ان يشكل حافزاً جديداً لجنون رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يمكن ان يقرر في اي لحظة من الان وحتى الثلاثين من حزيران يوينو المقبل توجيه صفعة جديدة الى اوباما لكي يخضع ادارته لاختبار تعلقها بدولة اسرائيل وأمنها. وفي هذه الحالة، لن يكون حزب الله، بصفته الذراع الايراني الاقوى والاهم في الخارج، سوى مقياس دقيق لمعرفة هوية المنتصر والمنهزم الفعلي في التفاهم النووي، ولإدخال التعديلات المطلوبة على النص، الذي يفترض ان يكون مآله النهائي البحث في اعادة فتح السفارة الاميركية في طهران.. وهو الهاجس الاخير للحزب، ولكل من بنى روابط خاصة مع طهران على مدى الاعوام ال36 الماضية.

(المدن)

السابق
أهالي سائقين محتجزين تبلغوا إطلاقهم وهم في درعا
التالي
هل أصبح العسكريون المخطوفون في الرقة؟