هنا أخطأ الوزير وائل أبو فاعور (1)

كثرت التساؤلات حول سلوك وزير الصحة وائل ابو فاعور واذا ما كانت حملته الغذائية تسيء إلى المردود المالي للمؤسسات والاقتصاد. فما هي سلبيات وايجابيات سلوك الوزير؟

لم يفاجئني مقال الأستاذ نزار صاغية في المفكرة القانونية “ماذا تعلمنا تجربة انخراط وزير في الدفاع عن حق الناس بغذاء سليم؟ التخاطب الحقوقي كنقطة انطلاق على خريطة بناء الدولة في لبنان”، وهو يقدم قراءة إيجابية لما قام وما زال يقوم به الوزير وائل أبو فاعور حول كشف المخالفات في ما يتعلق بسلامة الغذاء.
مقال قرأته أكثر من مرة لأهميته، وليس بهدف مقارعته طبعاً، بل لأنه يحلل سلوك وزير الصحة العامة في فضح الفساد الغذائي فيخلص المقال إلى استنتاج عام أساسي ومهم خاصة من الناحية القانونية وهو أن:
– التشهير يصبح واجباً توخياً للمصلحة العامة

يقول الأستاذ صاغية بأن أبو فاعور “بدا وكأنه يستعيض عن واجب الدولة في حماية المواطنين بأقل ما يمكنها فعله وهو تنبيههم إزاء المخاطر التي تتهددهم”.
ولقد اشار ابو فاعور إلى أنه سينتقل من مرحلة التشهير الى مرحلة اتخاذ تدابير عملية بإغلاق مؤسسات وإحالة مخالفاتها الى النيابات العامة ولقد علل أبو فاعور مرحلة التشهير بكونها “نداء للمواطنين بتأييده ودعمه ليتمكن من القيام بوظائف ربما يستحيل القيام بها من دون هذا التأييد. فإذا زاد التأييد، زادت إمكانات الوزير، ما يعكس تحسساً عاماً لأهمية الحق المدعى انتهاكه، بل تغليباً لحق الغذاء على مجمل المصالح التي يتم الإضرار بها من جراء هذه السياسة”.
لا شك أن ما قام به وزير الصحة شجع وزارء آخرين على القيام بخطوات مماثلة كوزير الزراعة ووزير المال خاصة بعد أن حظي أبو فاعور بردود فعل إيجابية منقطعة النظير كأن يعتلي الشاشات في مؤتمرات صحافية رنانة وحلوله كضيف على العديد من البرامج الحوارية الأساسية في لبنان. وفي المقلب الآخر استوجب سلوكه في بعض الأحيان انتقادات حول المنهجية، والدقة، والمصداقية، وصولاً إلى اتهامه بالانتقائية “الحزبية” إن لم نقل الطائفية، وانتهاءً بالتعدي على صلاحيات وزارات أخرى، وحكماً التأثير السلبي على المدخول القومي الناجم عن سياحة “الأكل” في لبنان…
بطل قومي من ناحية ومن ناحية أخرى مهدد الدخل القومي.
وما الضير في كل ذلك ما دام الحقوقيون يرون في سلوكه أحقية الصالح العام والشعب بمجمله مؤيد؟
للإجابة على هذا السؤال لابد من التوقف عند بعض النقاط:
1 – دور الوزير وصلاحياته!
الوزير، في العرف العام، قادر على اتخاذ إجراءات والقيام بإصلاحات وتنفيذ خطوات بصفته صاحب الصلاحية الإجرائية الأعلى ضمن وزارته. طبعاً ندرك هنا مشكلة البيروقراطية والتبلد الحاصل بين موظفي القطاع الحكومي ناهيك عن المحاصصة وصولاً إلى الفساد. وغالباً ما تكون الوزارة محسوبة على جهة سياسية\طائفية معينة بغض النظر عن الانتماء السياسي\الطائفي لوزيرها وفي أحيان قد تكون أكثرية العاملين وربما المدير العام على خلاف سياسي مع الوزير. وهذا كله يحد من قدرة الوزير على اتخاذ تدابير إصلاحية. (علماً بأنه ليس واقع حال وزارة الصحة العامة) رغم كل ذلك، يبقى للوزير هامش للتحرك يبدأ أولاً بمسارات الوقاية، من المصدر مروراً بالتدريب وانتهاءً بإجراءات الحفظ وآليات المراقبة والمحاسبة.
وهنا لا بد من السؤال عن أبسط ما يكون كالأدلة التدريبية وورش عمل للعاملين في القطاع الغذائي وتوعية العامة على شروط السلامة الغذائية. فمصدر اللحوم والدجاج والأسماك في أغلب الأحيان واحد للمطاعم والمخازن الكبرى وبالتالي لعامة الناس.
فلنقبل جدلاً أنه كان لا بد من الخبطة الإعلامية لإيقاظ الوعي العام وها هو قد استيقظ … فماذا بعد؟
هل يكتفي الوزير بإحالات غير واضحة إلى القضاء، تسكير مسالخ، إقفال مطاعم، السماح بأكل الفخذ المطابق وعدم أكل الصدر غير المطابق؟ أم يؤسس لعملانية ممنهجة لا يحدها تقاطع قانون سلامة الغذاء الذي تتناتفه الصلاحيات ومازال أسير المجلس النيابي.
2- الخلط بين العمل الحكومي والعمل المدني
يبدأ الوزير من تاريخ مبادرات عدد من حركات المجتمع المدني في العمل على “الرصد” دون التمكن (أحياناً) من إحداث تغييرات مستدامة وهو بذلك، ورغم انتصاراته المرحلية المشهود لها، فشل لأنه أولاً أساء استخدام الموارد كما أن تحركات مماثلة تقلل الثقة بفعالية العمل المدني وهي خاصة تحبط العامة عند الحاجة إلى حملات تأييد “جماهرية”.
إلا أن حملة وزير الصحة بعثت الروح مجدداً في اتحاد المقعدين اللبناني حيث قام الأخير بتنظيم حملة رصد ووضع إشارات على الأماكن “المطابقة” أي الصديقة للإعاقة خاصة الحركية منها وتلك “غير المطابقة”. وهنا يسجل للوزير ابتكاره مصطلحا بات عنواناً ترويجياً للكثير من البرامج الانتقادية الساخرة وصولاً لحملات الرصد. وربما هو بذلك قد سجل نجاحاً سبق فيه العمل المدني الذي يتخبط في شعارات حملاته. فحملة “مطابق” تخطت بأشواط (وربما على مستوى الابتكار) حملة “بالعنف… ما حدا بيطلع راس”.

ولكن…ما الخطأ في ذلك؟ (يتبع غداً)

السابق
المسؤولون بين شتم الفساد وممارسته
التالي
بالصورة: مسابقة ملكة الجمال في السعودية