العلّامة الأمين: «الفن» في الإسلام هو من أشكال «الإبداع الإنساني»

السيد محمد حسن الامين
ردا على جريمة تدمير الآثار العراقية التي قام بها تنظيم داعش في العراق، وبعد استنكاره لهذا العمل الهمجي الذي استهدف جزءا عزيزا من التراث الانساني، خصّ السيد محمد حسن الأمين موقع "جنوبية" بحديث فنّد فيه مزاعم هؤلاء المتطرفين الذين يقولون أن الاسلام يوصي بهدم التماثيل التراثيّة ومعلنا أن الفنون جميعها هي "شكل من أشكال الإبداع الإنساني".

أبدى العلامة والمفكّر الإسلامي السيد محمد حسن الأمين استنكاره ودهشته لما حدث خلال الإسبوعين الماضيين في العراق من تدمير عشوائي للآثار التراثية في الموصل ومدينة نمرود وغيرهما على أيدي متطرفين مسلمين بحجّة انها تحتوي على تماثيل هي أصنام يجب أن تحطّم “كما أمر رسول الله” على حدّ تعبيرهم، فقال السيّد الأمين:

“لقد أثارت هذه الظاهرة المستهجنة المتمثلة بتحطيم التماثيل والمجسمات الأثرية القديمة والتي تنتمي إلى حضارات سابقة على الإسلام، أثارت دهشة العالم بأسره لما نعرفه من تقدير لهذه المعالم الأثرية والتي تعكس بصورة أو بأخرى كثيراً من الحقائق والرؤى لتاريخ الشعوب وحتى لدياناتها الأمر الذي يؤدي إلى محو مصدر أساسي من مصادر التاريخ الذي يعتمد استقراؤه ومعرفته عن طريق الحفريات التي يعثر فيها الباحثون على الكثير من المجسمات التي تلقي الضوء على المراحل التاريخية المنتمية إليها. وبالتالي فإن هذه الأشكال والتماثيل والصور هي مُظهر حيوي من مظاهر الفن القديم الذي يحمل سمات التعبير الجمالي والإنساني والمعرفي، ولا يمكن اعتبارها أصناماً مكرّسة للعبادة كما كان عليه الأمر في العصر الجاهلي الذي أقيمت فيه رموز مادية هي عبارة عن تماثيل ليست ذات طابع فنّي رفيع، بل كانت مجرّد رمز للعبادة التي كانت تمثل الشرك بالله سبحان وتعالى”.

وفي مقاربة فقهيّة جريئة ومتميّزة اعتبر السيّد الأمين “أن الفنّ هو شكل من أشكال الإبداع الإنساني موضحا: “إن الله سبحانه وتعالى هو بديع السماوات والأرض” والمضمون الواضح لهذه الآية القرآنية يوحي أن الكون هو عملية إبداع أنجزه الله تعالى، ولمّا كان الإنسان مطالباً بالنظر في الأرض والكون والسماوات وبدائع خلق الله سبحانه وتعالى، كان من الطبيعي أن يجنح إلى إنجاز أشكال وصور من الإبداع المتعدّد والمتنوّع، مجسّداً بذلك محاكاة هذا الإبداع الإلهي ومستلهماً منه الأمر، وهذا ينطبق على جميع الفنون شرط أن لا تكون بحسب رأينا من الفنون الهابطة التي تتحرّى مخاطبة الغرائز البشرية، سواء كان ذلك في الرسم أو النحت والغناء أو الموسيقى”.

وشرح السيّد الأمين رأيه الفقهي المتقدّم هذا قائلا: “فإذا قال قائل أن الفقهاء من السلف الصالح قد حرّموا الموسيقى والغناء مثلاً، فإن هذا التحريم كان ينصبّ على مجالس الغناء التي نشأت في مرحلة من تاريخ الإسلام وخاصة في العصر العباسي وهي مرتبطة بمجالس المجون والخلاعة وإثارة الشهاوات ولم يك فيها الفن -أي الموسيقى والغناء – فناً هادفاً للارتقاء والسمو بالحسّ الجمالي والذوق الرفيع وتقريب الطبيعة الإنسانية من معرفة هذا المكون البديع، علماً أن الفن الراقي هو في نظرنا وسيلة من وسائل الرؤية النافذة لمظاهر الإبداع في الكون والحياة والطبيعة، وهذا ما يدعونا إلى إعادة النظر في مسائل الفقه التي تحرّم بشكل مطلق جميع هذه الفنون. فالمرجع الراحل السيد محمد حسين كاشف الغطاء حرّم مجالس الغناء التي تشتمل على طرب يحتوي “لهو ومجون”.

وأوضح السيّد الأمين أن الغناء كان يسمّى “سماع”، والسماع كان موجوداً للإنشاد الشعري وكان من المألوف ومن المتعارف عليه أن الشاعر لا يقرأ قصيدته وإنما ينشدها إنشاداً. وقد أنشد زهير بن أبي سلمى قصيدته المشهورة في مدح الرسول وقام فيها الرسول بإلباسه “البردة” أي بردته، وتبدأ بمطلع غزلي وأبيات غزلية كثيرة: بانَتْ سُعادُ فَقَلْبي اليَوْمَ مَتْبولُ/ مُتَيَّمٌ إثْرَها لم يُفْدَ مَكْبولُ/ وَمَا سُعَادُ غَداةَ البَيْن إِذْ رَحَلوا/ إِلاّ أَغَنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ. وقوله تعالى “رتل القرآن ترتيلاً”، أي الترجيع بصوت جميل، كما يوجد أحاديث نبوية كثيرة في امتداح الصوت الجميل بوصفه موهبة من المواهب التي خلقها الله سبحانه وتعالى وخص بها بعض الناس الذين يتمتعون بصوت جميل”.

وخلص العلّامة الأمين الى القول أخيرا ” أن تحريم التماثيل والرسوم في عصرنا الراهن لدى بعض الفقهاء، هو من جهة، شكل من أشكال الجمود على النصوص الفقهيّة، ” فلا أدري ما الفرق بين أن تصوّر شخصاً عبر آلة التصوير المعروفة وبين أن ترسمه بالريشة والقلم.ومن جهة أخرى، فإن هذه الآراء لم تلتفت بصورة دقيقة إلى مقاصد الشريعة الإسلامية عندما حرّمت صنع التماثيل واقتناءها، فيوم ذاك، لم يكن الأمر متعلقاً بطبيعة الفنّ بذاته، بل كان متجهاً إلى مقاصد هذا الفن التي يدخل في دائرة التحريم، بسبب كونه تكريساً لوجود الأصنام ولاحترامها، واعتبارها الوسيلة الموصلة إلى الله تعالى، فيما نرى نحن أن الإبداع الأصيل وغير الهابط في كل الفنون لا يمكن إدراجه تحت عنوان إقامة الأصنام المعبودة، وإن كنّا نرى في بعض الفنون التي يدعي البعض أنها فنون رفيعة كفنّ الرقص الإباحي مثلاً، لا نرى فيه فنّاً رفيعاً بغض النظر عن تطوّر هذا الفن وتعدّد مدارسه من شرقي أو غربي، وذلك لأنه من يعتمد بصورة أساسية على صور فاضحة من صور التبرّج والعري والحركات التي كثيراً ما تتجه إلى إثارة الغرائز، وهذا ما يحرمه الإسلام في نظرنا دون سائر الفنون الأخرى التي تصبو في حالة رقيها وسموّها إلى تهذيب الطبائع البشريّة وتعزيز الذوق الفنّي الهادف، فيساعد ذلك في رؤية أعمق لمظاهر الجمال والإبداع في هذا الوجود الذي خلقه الله سبحانه وتعالى.”

السابق
بالفيديو: ميشال اوباما ترقص على انغام «Uptown Funk»
التالي
هل ينفصل براد بيت وأنجلينا جولي؟