صوت نتنياهو يعبر فوق البيت الأبيض.. ولا يصل إلى جنيف

برغم المسافة القصيرة الفاصلة التي لا تتعدى مربعاً سكنياً واحداً، بين مكان إقامة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فندق «ويللردز» والبيت الأبيض، وبرغم الرسائل العديدة التي وجهها نتنياهو في خطابه في مؤتمر «إيباك» إلى الداخل الأميركي كما إلى ناخبيه الإسرائيليين، خصوصاً أنه اختار توقيت الخطاب في الصباح ليُسمع في إسرائيل بسبب فارق التوقيت، إلا أن حرارة الخطاب يبدو أنها لم تستطع أن تُذيب الجليد القائم مع الرئيس الأميركي باراك أوباما.

نتنياهو الذي تحدث أمام 16 ألف مشارك في المؤتمر في كلمة سيكرر مضمونها اليوم في الكونغرس مع إضافة تحذيرات جديدة حول الخطر الوجودي الذي تمثله إيران، قدم خطاباً استعراضياً مسرحياً مستعيناً بالصور التي تم نشرها في القاعة حول المواقع التي تسيطر عليها إيران في منطقة الشرق الأوسط، والتي يتم فيها التدريب، كما قال لـ «الإرهابيين والأعمال الإرهابية»، والتي تتمدد من دون سلاح نووي فكيف إذا حصلت عليه.
كلام نتنياهو جاء بعد كلمة سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سامنتا باور التي اختارها أوباما لتمثيله في المؤتمر. وهي حاولت التخفيف من حدة التوتر في العلاقة الأميركية الإسرائيلية وتطمين الإسرائيليين بقولها إن «الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بالحصول على سلاح نووي، وإستراتيجية الحفاظ على أمن إسرائيل التي تعتمدها واشنطن تتخطى السياسة»، وقد حصلت على تصفيق واسع من المشاركين الذين وقفوا لتحيتها، خاصة في بداية كلامها عندما قدمت عرضاً إنسانياً لما تعرض له اليهود تاريخياً، والدعوة إلى وقف ذلك.
كلام باور لم يلق شكراً من نتنياهو، خصوصاً أنه وزع شكره على الجميع، إلا أنه بهذا تجنب شكر الرئيس أوباما، برغم قوله إن خطابه «لن يتضمن التقليل من احترام أوباما وموقعه، فأنا أقدِّر ما فعله لإسرائيل».
خطاب نتنياهو الانتخابي ركز على مسألتين. الأولى تتعلق بمحاولة القول إن إسرائيل لن تكون مصدر انقسام في الداخل الأميركي بين الجمهوريين والديموقراطيين بل مصدر وحدة، وهو ما تناقضه استطلاعات الأميركيين حول خطابه في الكونغرس.
رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي بعث بتغريدة شكر إلى جيب دبليو بوش الجمهوري، ومن بين الأسماء المرشحة للرئاسة في العام 2016 يشكره فيها على دعمه خطابه في الكونغرس، وردَّ عليه بوش التحية بتغريدة مماثلة، كرر مرة جديدة وقوفه إلى جانب الحزب الجمهوري كما فعل سابقاً عندما دعم المرشح ميت رومني في مواجهة أوباما.
أما الموضوع الثاني الذي سيتناوله بتوسع في خطابه اليوم، فهو إيران التي اعتبر أنها تشكل تهديداً مشتركاً لإسرائيل والولايات المتحدة، معتبراً أن إسرائيل قوية، من دون أن ينسى تمرير رسالة عن إنسانية إسرائيل التي «تداوي ضحايا (الرئيس السوري بشار) الأسد في الجولان»، ليعيد التأكيد أن الولايات المتحدة وإسرائيل «عائلة واحدة».
هذا الكلام لم يقنع الديموقراطيين أو المقربين من البيت الأبيض في تغيير موقفهم، برغم محاولة إبعاد مسألة العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة عن التوتر القائم بين نتنياهو وإدارة أوباما. كما أن الخلفية المعلنة بالتحذير من اتفاق سيئ مع إيران حول برنامجها النووي، سبق وأوضحها وزير الخارجية جون كيري بضمان الاتفاق لأمن إسرائيل أولاً. إلا أن العديد من المراقبين لا يشاركون كيري موقفه، كما قال نائب رئيس معهد «ويلسون» آرون ميللر، الذي لا يشارك أيضاً نتنياهو في موقفه، ويعتبر العلاقات بين الشريكين الأسوأ اليوم منذ السبعينيات، مستدركاً: «لا يوجد اتفاق جيد مع إيران».
في المقابل، انقسمت الآراء حول الخطاب داخل الكونغرس، برغم أن المقاطعة رمزية، كونها جاءت أقل من 6 في المئة من الأعضاء البالغين 535 عضواً، إلا أن أحد المقاطعين المستقلين، السيناتور اليهودي بيرني ساندرز، قال إن غيابه عن الخطاب لسببين، الأول أن الدستور يقول إن الرئيس هو القائد لهذا البلد ولسياسته الخارجية، والثاني أنه لا يمكن دعوة زعيم قبل أسبوعين من انتخابه ليستعمل الكونغرس منبراً له.
وحول مسؤولية رئيس مجلس النواب جون بوينر الذي دعاه، يقول ساندرز إن «نتنياهو محنك، وكان عليه أن يتصل بالبيت الأبيض ويقول لأوباما إن بوينر دعاني فكيف سنتعامل مع ذلك؟ لكنه لم يفعل».
من جهته، قال ديفيد بولوك، من «معهد واشنطن»، لـ «السفير» إنه «من الواضح أن التوتر سيستمر بين نتنياهو وأوباما ولكن كلاهما يعرف أن عليه التعامل مع الآخر والأبواب ستبقى مفتوحة بين الاثنين، وأعتقد أن الموضوع هو الانتخابات الإسرائيلية والصراع الداخلي الأميركي بين الجمهوريين والديموقراطيين أكثر منه إيران، ونتنياهو سجل نقطة كما فعل بوينر، وبعد أسابيع سنرى أن ما حدث ليس سوى مسرح أكثر منه إستراتيجية جدية».
هذا الضجيج الذي أحدثه نتنياهو على مقربة من البيت الأبيض ستزول مفاعيله إذا لم يستطع إقناع الكونغرس الذي استعان به على أوباما باستخدام موقعه في إحداث تغيير.
والعاصفة التي تُحدثها خطابات نتنياهو، والمترافقة مع سلسلة من الإعلانات في وسائل الإعلام الأميركية من المؤيدين لسياسة إسرائيل حول مقاطعة الخطاب ووجود إسرائيل المهدد، والتي تقابلها إعلانات مماثلة للمناهضين، مثل حركة «جي ستريت» التي طالبت في رسائل نصية أرسلتها لأعضاء الكونغرس بعدم الحضور، سوف تهدأ بعد نهاية الخطاب، خاصة إذا لم يستطع رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يُسمع صوته في جنيف، لا سيما مع كلام كيري عن تقدم قد تحقق في الاتفاق، ويعدِّل أو يستطيع أن يغير في مضمون اتفاق الإطار أو على الأقل تأخير التوقيع عليه، وهو المطلب الذي نقله الصحافيون الذين رافقوه على طائرته إلى واشنطن.

(السفير)

 

السابق
نتنياهو جيد للجمهوريين
التالي
أخطر تهديد لأميركا منذ 45 عاماً