صوبيات مرجعيون تحارب الصقيع والانقراض

هي غرفة أشبه بمتحف حديد منسي منذ مئات السنين، تتبعثر في أرجائها مسامير يغطيها الصدأ والغبار بإحكام. تحتلها قطع حديدية من مختلف الأحجام مع آلة لحام كبيرة. وتتمركز فيها سيارة غطّى الغبار لونها، وأخفت الأعوام تفاصيلها وعمرها.

تشكل تلك الغرفة معمل الحداد أبو حنا، أحد الحدادين المتخصصين في صناعة وتصليح الصوبيات على اختلاف أنواعها وأحجامها، منذ نحو أربعين عاماً في بلدة جديدة مرجعيون.
مع اشتداد العواصف واختلاف أسمائها وقوتها، تبقى الصوبيا ضيفة الشرف التي تتربع على عرش المدافئ في كل بيوت القضاء. شتاء القرى يشتهر بقساوته، ليس فقط بسبب علوها عن سطح البحر، الذي يتراوح بين 500 و850 متراً، بل كذلك بسبب ثلوج جبل الشيخ التي تلف المنطقة، ما يزيد المناخ برودة، ويجعل المدافئ حاجة ملحة لكل عائلة.
مع انتشار أنواع مختلفة من المدافئ الحديثة في الأسواق لم يستغنِ سكان قرى مرجعيون عن الصوبيات في منازلهم نظراً لما تؤمنه من لمة للعائلة، يؤكد أبو حنا.
يذكر أبو حنا أن اختياره مهنة الحدادة كان في وقت ازدهار جديدة مرجعيون في مجال الصناعات الحرفية، أي منذ نحو الخمسة والثلاثين عاماً، حيث كانت مهنة الحدادة من أرقى المهن وأكثرها دخلاً في حين كانت “مرجعيون عامرة”. وقتها كان الشباب يتسابقون للعمل مع المعلم فيليب لتعلم الحدادة، أما اليوم فلم يبق من هؤلاء الحدادين الذين تفرغوا للصناعة إلا عدد قليل. “المهنة ضعفت كثيراً بسبب فتح الطرق باتجاه النبطية، بعد العام ألفين، كذلك مع الاستيراد المتزايد للصوبيات من دول الجوار والخارج بأسعار زهيدة. المهنة تشارف اليوم على الانقراض”، وفق أبو حنا.
يرفض أبو حنا أن يساعده أولاده في الحدادة، كما يرفض تعليمهم المصلحة، مبرراً ذلك بأن “الأيام تغيرت والمضاربة والبضاعة المغشوشة لم تتركا للحدادين مكاناً في سوق العمل، عدا أنها مهنة متعبة ومكلفة، وتعرض حياة من يمتهنها للخطر من دون العودة بمردود كاف لصاحبها خاصة”. ويذكر أبو حنا أنه فقد أصبعين من أصابعه.
ينكب أبو حنا على العمل في محله الخاص الواقع في بلدة جديدة مرجعيون يومياً من الصباح الباكر حتى المساء، خصوصاً في موسم الشغل الذي حصره في الأشهر الثلاثة التي تربط الخريف بالشتاء، أي حين تستعد العائلات لوضع الصوبيات في المنازل.
ويرتكز عمله في السنوات الأخيرة على صيانة الصوبيات وتصليح قطعها، خاصة بيت النار، لا على صنعها، إذ بات نادراً شراء صوبية من محل الحدادين بالرغم من متانتها وصلابة حديدها وقدرتها على التدفئة لرخص أسعار البضاعة الموجودة في الأسواق بغض النظر عن هشاشة حديدها وسوء نوعية القطع الوجودة فيها.
ويذكر أبو حنا أنه اقتصر بيعه على أربع أو خمس صوبيات سنوياً، بعدما كان يصل البيع إلى نحو ثمانين صوبية في مطلع كل شتاء. ومن خبرته في التصليح والبيع يقول أبو حنا إن كل عائلة من قرى مرجعيون تقتني في منزلها على الأقل صوبية واحدة وفي الأغلب اثنتين نظراً لبرودة الطقس في المنطقة، وإجمالاً يتجه السكان إلى شراء صوبيات تعمل على الحطب لسببين: الأول انها أقوى وتعطي دفئاً أكثر، والثاني لسهولة وجود الحطب في القرى نظراً لأن منطقة مرجعيون هي منطقة زراعية مليئة بالأشجار، ومن السهل إيجاد الخشب فيها. ومع انخفاض اسعار المحروقات انخفاضا ملحوظا، بات التوجه إلى اقتناء صوبيات تعمل على المازوت لا يقل عن التوجه لاقتناء صوبيات الحطب.

(السفير)

السابق
بالفيديو: «سي إن إن» تضع صورة «بوتين» بدلاً من إرهابي «داعش»
التالي
بدء محادثات صعبة بين لافروف وكيري في جنيف حول الازمة الاوكرانية