فعلا… اللامركزية: أفضل مشروع لمواجهة المذهبية

اللامركزية لا تُدخل الأديان في عمق الحكم، ولا تعترف بأحقية أي فئة على غيرها من حيث الخلفية المذهبية التي تتبع لها، ولا تقبل بأي محاصصة مذهبية سواء في عملية إنتخاب المجالس التي ترأس القضاء، أو حتى في عملية توزيع المهام التقنية والإدارية في كل القضاء

بناء الدولة العصرية يحتاج إلى التجانس بين مختلف أطيافها بهدف تقديم صورة واضحة عن الغدِّ الذي ينتظره كل فرد من أفرادها. وعندما يتم الحديث عن التجانس ضمن العائلة اللبنانية، يجب التركيز على التعايش “الإسلامي-المسيحي” بكل أطيافه وجوانبه، أو ما يسمى في القاموس السياسي اللبناني ب”العيش المشترك”.

إنطلاقًا من هذا التعريف المُقتضب، سينظر كل فردٍ إلى مبتغاه من الزاوية التي يراها مناسبة، فسيرى بعضهم الحل الجذري من خلال فرضية فك الإرتباط بين مكونات هذا المجتمع للوصول إلى نوعٍ من التجانس، من خلال تفكيك هذه المكونات عن بعضها عبر رسم جغرافيا جديدة للخريطة اللبنانية، تجعل من الداخل بُقعًا مشتتة تختلف بحجمها الجغرافي بحسب النسبة الموجودة من كل طائفة ضمن البقعة الجغرافية الأُم، وهنا سيكون الحديث عن محافظات تسكنها كونتونات تتميَّز بصبغة “ربانية” مختلفة عن المنطقة المحاذية لها.

هذه الرؤية يملكها كل من يعتبر أن التجربة اللبنانية فشلت وباتت في النسيان، وأنَّ فكّ الإرتباط هو الحلّ. أما الرؤية الثانية لتحقيق التجانس الحقيقي بهدف الوصول إلى الدولة العصرية تأتي من خلال طرح مشروع تنافسي يتصارع من خلاله الجميع على بناء الدولة. هنا يكمن الحديث عن اللامركزية الموسعة والتي تشكلُ الحلّ الأنسب لهذا التجانس من خلال الرؤية العلمية التي تستطيع تقديمها في هذا المجال. إنطلاقًا من هذا الواقع، يأتي السؤال حول قدرة اللامركزية بالوصول إلى تحقيق هذا العيش المشترك!

اللامركزية لا تُدخل الأديان في عمق الحكم، ولا تعترف بأحقية أي فئة على غيرها من حيث الخلفية المذهبية التي تتبع لها، ولا تقبل بأي محاصصة مذهبية سواء في عملية إنتخاب المجالس التي ترأس القضاء، أو حتى في عملية توزيع المهام التقنية والإدارية في كل القضاء. من هنا يأتي الحديث عن نموذج من التعايش يفرض نفسه على المجتمع وهو محكوم بالقدرة على الإنتاج. هذا النموذج المستحدث لا هوية مذهبية له، تحكمه الإنتاجية كما يحكمه التنافس وإثبات النفس في تقديم الأفضل للشعب، من مال الشعب، لرفع وتحسين مستوى الحياة عند الشعب.

تساهم اللامركزية من خلال مجالس الأقضية المنتخبة بفرض مبدأ الجلوس معًا كلٍ بحسب ما يُمَثِّل في بيئته بدون فكّ الإرتباط بين هذه المجموعات، مع الحفاظ على حقوق كل مجموعة وكل فئة من الفئات مع فصلها كليًا عن عمل مجلس القضاء الذي يلتزم عدم المساس بحقوق أي فئة من هذه الفئات التي يحميها الدستور من خلال بنوده وسلطته الرقابية المتمثلة بمجلس الشيوخ. من هنا وبالإضافة إلى جميع الملحقات الدستورية التي تحمي حقوق المجموعات الروحية وتحافظ لها على مكتسابتها، أصبح على الجميع العمل للمطالبة بتطبيق اللامركزية الموسعة وتحقيق مكاسبها التي أصبح لبنان بحاجة مُلِحة لها للخروج من أزماته المتكررة.

السابق
مقتل لبناني من مناصري الشيخ الأسير في سوريا
التالي
من هم «الآشوريون» الذين استهدفهم داعش؟