فوضى خلاقة في اليمن

ينبغي الانتباه إلى حقيقة لعب تيار الإسلامي السياسي والإخوان المسلمين تحديداً، عبر حزب التجمع اليمني الإصلاح دوراً مهماً جداً في إنجاح الثورة نفسها، كما في الخطوات السياسية التوافقية المنبثقة عنها، بما في ذلك المبادرة الخليجية.

بداية، وعند مقاربة الأوضاع في أي من بلاد الثورات العربية، لا بد من الإشارة إلى القاعدة أو الحقيقة المتمثلة بكون أنظمة الاستبداد البوليسة تركت وراءها أرض ودول مدمرة، كما هو الحال في النموذجين المصري والتونسي. أرض ودول مدمرة ومحروقة، كما هو الحال في النموذجين الليبي والسوري، بينما كان الوضع اليمني بين بين، أي أرض مدمرة، ولكن غير محروقة بالكامل مع الانتباه إلى أن الدولة نفسه كانت في طريقها للتحول إلى دولة فاشلة في السنوات الأخيرة من عهد الشاويش علي عبد الله صالح بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، وتقلص المساعدات المالية العربية والدولية لليمن.

ثمة معطى مهم آخر لا بد من أخذه بعين الاعتبار، وهو عجز المبادرة الخليجية أو قصورها بالأحرى عن التعاطى مع جذر المشكلة المتمثل بالرئيس السابق – وعائلته، والأزلام المزروعين في مختلف المؤسسات الأمنية والعسكرية. وكان أي حل منطقي أو واقعي يقتضي إما محاسبتهم أو إبعادهم لعشر سنوات على الأقل من أجل خلق بيئة مناسبة لإنجاح المبادرة المعقولة والمقبولة في معظم بنودها.

ومع ذلك فقد بدأت الأمور أو سيروة الإصلاح  بعد الثورة بشكل معقول في البلد الذي بات سعيداً مع استقالة أو إجبار الرئيس صالح على الاستقالة، ثم انتخاب الرئيس السابق أيضاً عبد ربه منصور هادي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سالم باسندوة وهو شخصية نزيهة ومجربة ومن ثم انطلاق أعمال المؤتمر الوطني لمناقشة أزمات البلد، ووضع الحلول لها غير أن وجود علي صالح في رئاسة حزب المؤتمر المشارك في الحكومة، وصاحب الأغلبية في البرلمان، واستمرار أبناء عائلته وأزلامه في مؤسسات الدولة المختلفة، خاصة العسكرية والأمنية، أعاق عملية الإصلاح، ووضع العصي في دواليبها، ومع ذلك وبتدخل من مجلس الأمن وموقف خليجي داعم للمبادرة لو نظرياً، تم تحييد صالح جزئياً، وخرج المؤتمر الوطني بوثيقة توافقية وضعت حلول وطنية منطقية لكافة أزمات البلد من النظام السياسي إلى التوزيع العادل للثروة بين الأقاليم المختلفة، وضمان مشاركة متساوية لفئات ومكونات المجتمع في السلطة كما في القرار السياسي العام.

إلى ذلك ينبغي الانتباه إلى حقيقة لعب تيار الإسلامي السياسي والإخوان المسلمين تحديداً، عبر حزب التجمع اليمني الإصلاح دوراً مهماً جداً في إنجاح الثورة نفسها، كما في الخطوات السياسية التوافقية المنبثقة عنها، بما في ذلك المبادرة الخليجية، ولم يستأثر الإصلاح بالسلطة، ولم يكن بصدد ذلك أصلاً. ولم يكن في الواجهة وحده كما كان الحال في دول الثورات الأخرى، وإنما كان وما زال جزء من جبهة عريضة تضم ألوان الطيف السياسي اليمني المختلفة.

رغم تعثر المبادرة الخليجية إلا أن عربتها ظلت على السكة دائماً، غير أن كل شيء تغير مع نجاح الانقلاب العسكري في مصر علما ان المطلب الاساس لتظاهرات  30 يونيو كان اجراء انتخابات رئاسية مبكرة  وهو ما عجز الاخوان للاسف عن فهمه والتعاطى معه بشكل ايجابى وخوض معادلة رابح –رابح عبر الانتخابات اى اما  الفوز او  التحلل من اعباء السلطة عبر الباب الديموقراطى والوطنى الكبير، وعموما لا يمكن  فهم ما جرى في اليمن – وحتى دول عربية أخرى – بعد ذلك دون فهم واستيعاب ما جرى في أرض الكنانة.

اثر النجاح الكبير المفاجىء وغير المتوقع في مصر انفتحت شهية عرابي الثورة المضادة، وبات تدخلهم مفضوح وغير مستتر، ووصل الأمر ليس فقط إلى حد إرسال السلاح إلى ليبيا، وإنما حتى إلى حد إرسال طائرات لمساعدة الجنرال حفتر في الحرب المجنونة والعبثية مع  خصومه الإسلاميين. أما الفشل أو الاستثناء التونسي، فعائد أساساً لتنبه حركة النهضة والمعتدلين من اليساريين والعلمانيين، وتقديم كل التنازلات المطلوبة لحماية السلم الأهلي وتجنيب البلد المصير المصري أو الليبي.

إضافة إلى مصر كان النجاح الكبير للثورة المضادة في اليمن، وتخلت العواصم الخليجية عن مبادرتها شكلاً ومضموناً، وجرى تشجيع والرئيس السابق وأزلامه في الجيش والأمن على التحالف مع الحوثيين في دمج النموذجي السيسي وحفتر، وكان الهدف أو الأهداف واضحة لضرب عدة عصافير بحجر واضح  شيطنة الثورة إقصاء الإخوان والتيار الإسلامي من المشهد السياسي، وإغراق الحوثيين وحلفائهم واستنزافهم لسنوات، وربما لعقود في المستنقع الداخلي مع تشجيعهم على ارتكاب الأخطاء، وحتى الجرائم لتقليب الناس ضدهم، وتسهل تشكيل التحالفات ضدهم متى شاءت العواصم المعنية ذلك.

أصحاب وعرابي هذا النموذج العربي أو البدوي من الفوضى الخلاقة لا يلقون بال أو اهتمام للتنظيرات، وحتى للتبجحات عن هيمنة الحوثيين، وانتشار النفوذ أو التأثير الإيراني في هذه المنطقة الجغرافية الحساسة من الجزيرة  العربية وحتى من العالم المجاورة، والمطلة على بحر العرب وباب المندب، وهم يفهمون أن اللاعب الرئيس في اليمن هو علي عبد الله صالح وعائلته وأزلامه، وأن بإمكانه أو بإمكانهم قلب الطاولة على الحوثيين، وقتما شاءوا، والأهم من ذلك أنهم مقتنعون أن البلد الذي كان سعيداً تحول فعلاً إلى دولة فاشلة على حافة الانهيار والتشظي، وأنه سيشغل نفسه لسنوات وربما لعقود طويلة.

ربما يؤدي التغيير في السعودية إلى الإقلاع عن سياسة دعم الثورات المضادة في العالم العربي، خاصة بعد إقالة عرابى. هذه السياسة أي خالد التويجرى وبندر بن سلطان دقائق قليلة فقط بعد تولي الملك الجديد مهام منصبه، وربما تنشغل المملكة بشؤونها لسنوات طويلة وتراقب عن بعد العالم العربي أو حواضره الكبرى، وهي تحترق – بفعل الاستبداد أساساً – وربما تنحاز القيادة الجديدة إلى الفكرة التاريخية القائلة: إن إضعاف اليمن يمثل مصلحة سعودية خالصة، إلا أن كل ذلك لن يغير من الواقع اليمني المؤسف. فالمبادرة الخليجية ميتة سريرياً ولا أحد مهتم بإحيائها أو تحديثها، وسيستمر الحراك السلمي الشبابي والتجاذبات أو الاصطفافات السياسية، وغير السياسية إلا أن الحسم يبدو بعيداً، وهو مرتبط بالحسم في الحواضر العربية الكبرى والقاهرة تحديداً، وهذا الأمر للأسف أيضاً غير متوقع على المدى المنظور وحتى المتوسط.

· كاتب فلسطيني

السابق
هزيمة الغزاة في حلب: بداية تجميد القتال أم تجديده؟!
التالي
رئيس اليمن المستقيل غادر صنعاء