14شباط: يوم للكراهية والحبّ… يومٌ لبنانيٌ بامتياز

لبنان المنقسم منذ نشأته لا يحتاج إلى المزيد من أسباب التفرقة والتشتت. وعلى اللبنانيين الاجتهاد لإيجاد قواسم مشتركة ونقاط التقاء ومساحات توحيدية، وإلا فإن لبنان سيبقى الحلقة الأضعف بالمنطقة التي تحمل كل بذور الانشقاق. وبالتالي لا يمكن أن يصمد طويلا تحت مظلة قرار دولي او إقليمي يمنع النيران من الوصول اليه، هذا إن توفرت الإرادة السياسية للحفاظ على الوطن، وعليه يجب تحويل يوم 14 شباط الى يوم حبّ حقيقي بين اللبنانيين وإلا..

كأنه ينقص اللبنانيين المزيد من الموضوعات الخلافية، وهم المقسومين على انفسهم وعلى كل شيء تقريبا، فلا الجغرافيا موحدة ولا التاريخ ولا الهوية وقبل هذا وذاك لا دين يوحدهم ولا دنيا. ويكتمل “النقل بالزعرور” كما يقول المثل اذ شاء القدر او ربما شاء احدهم لا اعرف، ان يتحول يوم 14 شباط الى “تقّيْلة فوق القرق اللبناني”.

فاذا ما أدار احدنا تلفزيون المستقبل التابع للتيار الأزرق بامتدادته السنية وصبغته السياسية يجده مشغولا منذ يومين بذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري. ضخّ التلفزيون على مشاهديه كل ما يتعلق بالحادثة الجريمة من تفاصيل ومشاهد، وبالطبع يوم الاستشهاد حتما سيكون يوما تلفزيونيا طويلا لنقل الاحتفال المرتبط بالواقعة وما قبلها وما بعدها، وكأنه ليس في مثل هذا اليوم من حدث آخر يستوجب الذكر.

وفي المقلب الآخر للوطن وتلفزيون هذا المقلب الرسمي أي قناة المنار، فهذا اليوم هو فقط يوم عماد مغنية والقادة عباس الموسوي وراغب حرب، ولا أثر لأي خبر آخر، ويجد مشاهد المنار في هذا اليوم أيضا كل المشاهد المرتبطة باغتيال مغنية وما سبقها من بطولات تسجل للرجل وما لحق حادثة الاغتيال من وعود بالرد والانتقام  لم يأتِ زمانه ومكانه المناسبان بعد.

هكذا ينقسم في مثل هذا اليوم من كل عام اللبنانيون بين مشهدين منفصلين لا علاقة البتة لأحدهما بالآخر، فلا مقاومة عباس الموسوي وراغب حرب حررت لبنان من رجس الاحتلال الإسرائيلي ولا تضحياتهما  لها قيمة عند الأول، وكذلك فلا الاعمار والانجازات الكبرى للرئيس الحريري  لها معنى عند الثاني، ولا جهوده الجبارة في انقاذ البلد من تحت ركام الحرب الاهلية لها أي قيمة تذكر.

كل هذا الضخ الإعلامي الذي يكتنزه يوم 14 شباط وما يحمله ضمنا من أجواء انقسام حادة كفيلة ان تستمر مع المشاهد حتى العام الأتي، انما يأتي هذا المرة في أجواء الحوار القائم بين طرفي المشكلة، والأنكى من ذلك أن الحوار والمتحاورين حفظهم الله يدّعون ان الهدف الأول والاهم عندهم هو تنفيس الاحتقان المذهبي االموجود في الشارعين.

والجدير ذكره أيضا في هذا السياق انّ هذا اليوم عينه هو يوم القديس فالتين، ويسمى “عيد العشاق”، فيحتفل اللبنانيون على مستوى الأفراد ليعبّر المحبون عن حبهم لبعضهم البعض ضمن الدائرة الشخصية، دون أن يتحول هذا اليوم الى يوم حبّ عام. وهنا يكمن الابداع اللبناني والسمة اللبنانية، إذ نخلق، بقدرة إعجازية، من هذا اليوم عينه، يوم حبّ وعشق، ويوم انقسام وكراهية، وبذلك يكون يوما لبنانيا بامتياز.

 

 

السابق
أول مولود مصري باسم «معاذ الكساسبة»
التالي
بري يلتقي سلام في هذه الاثناء