أيهما أكثر إجراماً.. داعش أو الأنظمة الاستبدادية؟

يبدو أن سياسة الإفناء السياسي التي اعتمدتها الأنظمة الاستبدادية في المنطقة العربية وسدت الآفاق أمام أي بديل ديقراطي، لم تجد أمامها إلا بديلاً متطرفاً يرتكب الجرائم نفسها بحق الشعوب وإن بأساليب مختلفة.

في نهاية ثمانينات القرن الماضي، أعطت الجماهير الجزائرية أصواتها عبر صناديق الاقتراع للتيارات الإسلامية، فانقلب عليها العسكر، ودخلت الجزائر في حرب أهلية مديدة سلطت الأضواء على المجازر التي ارتكبتها المجموعات الإسلامية المتطرفة وخصوصاً في الأرياف، إنها أفعال مجرمة، لكنها ردة فعل مرفوضة لفعل قام به النظام طوال سنوات عديدة، في تدجين عقول الناس وسلبهم حريتهم وحقهم حتى في التفكير.

وفي الأسبوع الماضي ذهل الناس أمام صدمة إحراق داعش للطيار الأردني معاذ الكساسبة. إنها جريمة موصوفة، إنها فتح في عالم القتل والإجرام تعيدنا إلى القرون الوسطى الأوروبية حيث كان يحرق من تثبت عليه تهمة ما. لكن السؤال؟ هل إحراق الطيار، وهي جريمة مرفوضة أكثر إجراماً من رمي البراميل المفتجرة على المدنيين في البلدان والمدن السورية؟ ألا يتساوى الذبح الداعشي مع عمليات الاغتيالات والتفجيرات التي تجري هنا وهناك بفعل الممسك بالأنظمة ويستخدم القوانين؟

ذُهل الناس أمام صورة إحراق داعش للطيار الأردني

رداً على عملية الإحراق، ماذا فعل النظام الأردني؟ سارع لشنق اثنين من المتهمين بالقيام بأعمال إرهابية في الأردن، كانت ردة فعله تتساوى مع فعل داعش المتطرف.

تطبيق داعش لأسلوب حياة محدد يعتمد على المظاهر والطقوس والعلاقات الفوقية القائمة على إقصاء الآخر، هو الوجه الآخر لسياسة الأنظمة الاستبدادية العربية، التي بدورها وخلال عقود أقصت الآخرين وفرضت أسلوب حياة وتفكير أحادي وأنشأت نظاماً أمنياً لا يسمح لأحد أن يعارضه وإلاّ النتيجة معروفة أما السجن لفترة طويلة وأما الاغتيال خطأ.

سياسة داعش الإقصائية هي الوجه الآخر لسياسة الأنظمة الاستبدادية

بعد نكبة 1948، جاءت هذه الأنظمة الاستبدادية لتقول أنها البديل ولتعبد فلسطين، في طريقها عطلت الحياة السدتورية والديمقراطية في بلادها وخير مثال: مصر، سوريا والعراق. وحظيت برعاية دولية من مدافع مختلفة. وحافظت على كيانات موحدة بالقوة، من دون بناء وحدة داخلية مجتمعية حقيقية. وبعد انتهاء الحرب الباردة صارت هذه الأنظمة عائق أمام السيطرة الأميركية على العالم وخصوصاً بعد دخول العولمة مجالات مختلفة.

والعولمة الأميركية ليست بحاجة إلى دول وطنية، بقدر ما هي بحاجة إلى أسواق يحكمها أرباب عمل او زعماء عشائر وطوائف، شرط أن يكونوا أقل إجراماً من الأنظمة الاستبدادية فالبديل عن نظام سوري استبدادي هو دويلات وإمارات مذهبية متناحرة كل منها تمارس سلطتها على “كمية” من البشر شاء حظها أن تكون في مساحات السلطة. وكل يمارس إجرامه على هواه، والشعب وحده يدفع الثمن.

 

السابق
مندوب اسرائيل في الأمم المتحدة يطالب بعودة قوات الفصل الدولية إلى حدود الجولان
التالي
«الائتلاف السوري» المعارض يؤكد رفضه أي تدخل بري أجنبي في سوريا