البقاع ينجو من خطر «إمارة داعشية»

داعش

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثامن والخمسين بعد المئتين على التوالي.

لم يعد اللبنانيون وحدهم أصحاب اختصاص في ملء الفراغ. صار لـ«حرفتهم» السياسية بامتياز، شركاء خارجيون، أبرزهم الفرنسيون الساعون إلى دور، ولو بالشكل، فيما النتيجة لا تتبدل نهائيا.
فقد أنهى الموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو، جولته اللبنانية، ليبدأ رحلة حج فاتيكانية، قبل أن يحدد له السعوديون والإيرانيون مواعيد جديدة، غير أن المعطيات اللبنانية التي تشي بأن أي حراك لن ينتج في ظل المعطيات الحالية انتخابات رئاسية لم تمنع جيرو من التأكيد أن «مهمته التسهيلية» لها مراحلها اللاحقة (…) وأن بلاده «ليس لديها أي مرشح.. ولا تضع أي فيتو» على أي مرشح، وفق البيان الذي عممته السفارة الفرنسية في بيروت.
وما لم يذكره البيان هو أن جيرو صارح من التقاهم في لبنان بثلاثة أمور:
الأول، أن باريس لا تملك «حلا سحريا» للمعضلة الرئاسية.
الثاني، انه سمع في زيارته الاخيرة الى طهران ما أسماه «كلاما ايرانيا ايجابيا» مفاده أن الاستحقاق الرئاسي في لبنان «شأن لبناني»، وأن طهران «تعتقد انه اذا توافق المسيحيون.. يمكن ان يسهل ذلك الامر الانتخابات» (الرئاسية).
الثالث، أنه سمع في زيارته الأخيرة الى الرياض كلاما سعوديا صريحا بأن «المملكة» لا يمكن أن تتعايش مع فكرة وصول أحد أبرز المرشحين لرئاسة الجمهورية في لبنان!
واذا كانت سمة الجلسة الأخيرة لـ «حكومة الـ24 رئيسا» تأجيل معظم بنود جدول الأعمال، بسبب عقدة التصويت التي تتحكم بقراراتها، فان «الحكومة الحوارية الموازية» المؤلفة من سبعة «وزراء»، تبدو أكثر فعالية، بدليل الخطوات التي بوشر بتنفيذها على ضفاف خمس جلسات متتالية، ناقشت بندا وحيدا هو تنفيس الاحتقان، من دون اغفال مضمون النقاش السياسي المعمق والرصين والجدي من قبل جميع المشاركين، وارتداداته الايجابية على الاستقرار السياسي عموما، والوضع الأمني خصوصا.
لا ينفي ذلك ان التحدي الأمني لا يتقدمه أي تحد آخر، وأن لبنان ليس جزيرة معزولة عن محيطه وخصوصا السوري، حيث تزداد جبهة عرسال سخونة وتتبدى ملامح مخاطر مستجدة من جهة المصنع اللبناني وصولا الى جديدة يابوس والتلال المطلة عليها والزبداني من الجانب السوري.
وعلمت «السفير» ان نصائح اسديت الى سفارة دولة خليجية كبرى في بيروت، بتعزيز الاجراءات الأمنية واتخاذ اقصى درجات الحذر. وكشف مصدر امني لـ «السفير» أن اجهزة امنية لبنانية، تلقت معلومات تفيد بأن تنظيم «داعش» يخطط لتنفيذ عملية انتحارية مزدوجة تستهدف سفارة الدولة المذكورة، على أن يتولى تنفيذها ثلاثة انتحاريين من جنسيات عربية مختلفة (تم تحديد هوياتهم وأسمائهم من قبل أجهزة غربية).
وفي السياق ذاته، اكد المصدر ان التنسيق بين الاجهزة الامنية بلغ مرحلة متقدمة، وثمة تبادل معلومات يجري بشكل شبه يومي، حول كل ما يتوافر من معلومات عن انتحاريين أو اية أعمال يمكن أن تستهدف الجيش اللبناني أو أية منطقة لبنانية.
الزبداني.. و«الحزام الأمني»
الى ذلك، تجاوزت الحدود اللبنانية السورية ولاسيما بين نقطة المصنع اللبنانية ونقطة جديدة يابوس السورية مطبا أمنيا خطيرا، يتجاوز هذه الرقعة الجغرافية بذاتها، نظرا لما كان يمكن أن يبنى عليها من تمدد تدريجي لنفوذ المجموعات الإرهابية التكفيرية نحو الداخل اللبناني.
وقد أظهر رصد الاتصالات من الجانبين اللبناني والسوري، وبعض الوثائق التي تمت مصادرتها من المجموعات التكفيرية التي تلقت ضربة موجعة داخل الأراضي السورية، أن التهديد الذي طال طريق بيروت دمشق الدولية، كان من ضمن سياق يهدف الى فتح ممر لهذه المجموعات نحو البقاع الغربي عبر وادي مجدل عنجر غربا، ونحو الجنوب وصولا الى المثلث اللبناني الفلسطيني السوري وشمالا نحو منطقة القلمون قبالة منطقة عرسال والقاع في البقاع الشمالي.
وكان من شأن هذا «الحزام الأمني»، وفق مرجع امني لبناني، أن يؤدي الى تكرار تجربة عرسال ومشروع الامارة في الشمال، وقال لـ «السفير» ان ما زاد القلق هو ما تم تجميعه من معطيات حول وجود خلايا نائمة في بعض البلدات اللبنانية، ومخيمات اللاجئين السوريين في منطقة البقاع الأوسط، ولذلك اتخذ قرار سريع بإزالة بعض المخيمات (مخافة تكرار تجربة جرود عرسال)، كما تم تعزيز وحدات الجيش المنتشرة في هذه المنطقة، وتأجلت بالتالي خطة البقاع الأمنية «لبعض الوقت».
وفي المعلومات ان المجموعات الارهابية في منطقة الزبداني تقدمت نهاية الأسبوع الماضي باتجاه تلتين مواجهتين لبلدتي الكفير وجديدة يابوس السوريتين، واحتلت مركزين للجيش السوري النظامي وتمركزت فيهما وسيطرت بالنار على الطريق العام (خط دمشق ـ بيروت)، حيث تسللت اليه بعض العناصر واقامت حاجزا لبعض الوقت ثم انسحبت بعد اكتشافها.
وكان الهدف واضحا، بحسب المعلومات ذاتها، اي محاولة ربط تلك المنطقة بمنطقة قوسايا والمعابر التي تتحكم بها مواقع «الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة» في الجانب الحدودي اللبناني، ثم تتوسع تدريجيا في أكثر من اتجاه في سهل البقاع.
وقد تولى الجيش السوري، بالتعاون والتنسيق مع «حزب الله»، امر التلتين المذكورتين، فتم استردادهما، ثم تقرر توسيع المنطقة الحاضنة للطريق الدولية بكل الاتجاهات، وتم تعزيز مواقع «القيادة العامة» في قوسايا بمجموعات من «حزب الله».
«إمارة داعشية»!
الى ذلك، سجلت وقائع الايام الماضية مزيدا من التسخين على الجبهة العرسالية، ويخوض الجيش اللبناني مواجهات عنيفة مع المجموعات الارهابية التي تحاول التقدم في اتجاه مواقعه.
وقال مصدر امني واسع الاطلاع لـ «السفير» ان المجموعات الارهابية المتمركزة في جرود عرسال تحاول، منذ مدة، فرض امر واقع جديد في المنطقة، يمكنها من التحكم فيها من جديد، ومن اعادة فتح الطرق في اتجاه بلدة عرسال، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف تواظب بشكل يومي على القيام بمحاولات تسلل في اتجاه مراكز الجيش اللبناني، وبينها محاولة كبيرة جرت في اليومين الماضيين وتمكن الجيش من احباطها.
واكد المصدر ان الاجراءات المشددة التي تنفذها الوحدات العسكرية (اللواء الثامن وفوج التدخل الرابع والفوج المجوقل كاحتياط) بين عرسال والجرود «نجحت في سد المنافذ والمعابر بشكل كامل، وتم في الآونة الأخيرة رفد القوى العسكرية بمزيد من التعزيزات التي تمكنها من التصدي ومواجهة تلك المجموعات، خصوصا وان الجيش يضع في الحسبان امكان محاولة المجموعات الارهابية تكرار عملية الثاني من آب الماضي (الهجوم على عرسال).
ويواجه الجيش معضلة، حسب المصدر الأمني، تتمثل في محاولة المجموعات الارهابية التستر ببعض مخيمات النازحين السوريين وتحويلها الى «امارة داعشية»، وهو الأمر الذي أظهرته اعترافات ارهابيين أوقفوا مؤخرا، وأمكن من خلال اعترافاتهم ضبط عدد من السيارات المفخخة في منطقة عرسال وبينها «المرسيدس» المفخخة بـ120 كيلوغراما من المواد المتفجرة منتصف الشهر الماضي، وبعدها باسبوع سيارة الـ «كيا – ريو» التي ضبطت في المنطقة نفسها وكانت مفخخة بخمسة وعشرين كيلوغراما من المتفجرات.
كما يجري البحث عن عدد من المشتبه بهم منذ تفجير جبل محسن، وبينهم مغربي الجنسية يتردد الى احد المخيمات القريبة من الضاحية الجنوبية، ولبنانيان من منطقة شرق صيدا يأتمران بأوامر الشيخ الفار احمد الاسير، بالاضافة الى محمود عبد الكريم حميد (21 عاما) الذي افادت معلومات امنية انه ينوي القيام بعملية انتحارية على الاراضي اللبنانية وطلبت ممن يتعرف اليه، ابلاغ اي مركز امني بذلك.

 

السابق
مقدمات نشرات الأخبار المسائية ليوم الخميس في 5/2/2015
التالي
بوصعب: قرارات رئيس الجامعة اللبنانية غير مدروسة