هل تحرر جنبلاط من هواجس سن الستين؟

وقرّر وليد جنبلاط التنحي وفتح الباب امام نجله تيمور لتنصيب “البيك الجنبلاطي الثالث” زعيماً على المختارة، حيث بدأ يمهد المسرح السياسي الدرزي لكي يصبح جاهزاً لأن يؤدي نجله تيمور مشهد البيك الجديد للمختارة، ليبدأ الزعيم الجديد يواكب والده في اللقاءات الشعبية سواء في دارة العائلة في المختارة أو في كليمنصو، وأخذ يرافق الوزيرين وائل أبو فاعور وأكرم شهيب لتمثيل والده في عدد من المناسبات الرسمية، بالاضافة الى جولات وليد جنبلاط الأخيرة على القادة السياسيين بصحبة تيمور لكسب رضى الزعامات السياسية الدرزية اولاً واللبنانية ثانياً.

وبعد تنحي جنبلاط عن المقعد النيابي والذي فضل “الصديق اللدود” لجنبلاط الرئيس نبيه بري التريث به قليلاً لأن الظروف غير مناسبة في الوقت الحالي لاجراء انتخابات فرعية تطرح اسئلة كثيرة عن قدرة تيمور استلام ارث والده وما هي اهتمامات البيك المثير للجدل دائماً بعد تنحيه، وعن التوقيت الذي قرر به الزعيم الاشتراكي الاستقالة بخاصة في ظل الاوضاع التي تمر بها المنطقة، اسئلة كثيرة يرفض الحزب الاشتراكي الاجابة عنها وتركها لجنبلاط اولاً وللأيام ثانياً.

سن مهددة
جنبلاط الأب والذي استلم زعامة البيت منذ 16 آذار1977 تاريخ اغتيال والده كمال قرر التنحي حسب بعض المصادر المتابعة نظراً لبلوغ سنه الستين وهو المهدد أمنياً منذ سنوات خلت. يريد لمسيرة التسلم والتسليم أن تحصل بهدوء وأن يتمرس الولد تحت رعاية الوالد بخاصة ان تاريخ العائلة الجنبلاطية يقضي افرادها نحبهم قتلاً قبل ان يتم احدهم عمر الستين عاماً، فجد وليد جنبلاط لجهة الأب، وهو فؤاد جنبلاط قضى نحبه قتلاً وهو على مشارف العقد السادس من عمره، واستكملت لعنة الستين مع كمال جنبلاط عام 1977 عندما لم يكمل ايضاً عامه الستين اما وليد فبلغ في 2009 عامه الستين وهو لا يخفي اقتناعه بهذه النظرية حيث عبر عنها بعدة مناسبات وقبله كمال بقولهم: نحن لا نعمر ونموت غيلة.

الزعيم الجديد
تيمور مواليد 1982، النجل الأول لوليد جنبلاط وإطلاق اسم تيمور عليه حمل الكثير من المعاني والتساؤلات عن سر التسمية التي جاءت ضمن زحمة أحداث كبرى وأغلب الظن أن جنبلاط اختار تسمية نجله من وحي مشاهد العنف التي دشنت وواكبت بداية توريثه. وتيمور تسمية تذكّر بجذور جنبلاط الكازخستانية في آسيا الوسطى. ويُنظر إلى تيمور على أنه أقل حدة من والده في طباعه، وأقرب إلى صفة الهدوء التي كانت مميزة لجده كمال جنبلاط، وهو غير متسرع ويكثر من الاسئلة للاستفسار والدراية.
وتيمور حسب عارفيه ذكي ومتواضع ويحترم الناس، مستمع جيد أكثر مما هو متحدث، وشخصيته قوية كوالده، وبدأ التمرس بالعمل السياسي منذ كان طالباً في الجامعة الأميركية. وتابع التمرس بحرفية أكثر خلال وجوده في فرنسا، وكان حوله متابعون من اصدقاء والده وبطلب منه.
وعلى مقاعد الجامعة تعرّف تيمور إلى ديانا زعيتر وهي من الطائفة الشيعية من البقاع فتزوّج منها، وقيل إن والده تقصّد عقد مصاهرة سياسية لكن ينفي الكثير هذه الرواية حيث تعرف تيمور الى زوجته على مقاعد الدراسة في الجامعة الاميركية وما جمعهما علاقة حب حملتهما الى الزواج بعد التخرج مباشرة.
وتميز تيمور في وقت سابق بمعارضته لسياسة ابيه حيث اعترف بأن والده أخطأ وصار دمية اميركية حين قال: “إن والدي أخطأ وعليه الإعتراف قبل فوات الآوان”. وتابع “ان والدي تورط في مواقف تتعارض مع مصلحة من سلموه أمانة مستقبلهم السياسي والوجودي” وذلك من خلال “المعلومات الخاطئة التي قدمها له الأميركيون وبعض العرب”. وأضاف حينها “وأخشى ما أخشاه هو أن يدفع الدروز ثمن أخطاء وليد بيك”. الا ان الحزب التقدمي الاشتراكي نفى مرارا هذا التصريح.

عالم كيمياء؟
اما في ما يتعلق بتيمور ورغبته بالسياسة فيرى البعض ان جميع القيادات التي تعاقبت على المختارة كانت بعيدة عن السياسة، فكمال جنبلاط الذي كان يقول افضل ان اكون عالم كيمياء حيث انشأ مختبرا صغيرا للمواد الكيميائية في المختارة قبل دخوله العمل السياسي، وكذلك الامر بالنسبة لوليد الذي كانت له حياته الخاصة واهتمامات مختلفة كالرياضة وركوب الدراجات النارية قبل اغتيال والده وعمله في مجال الصحافة لفترة قصيرة، وهذ الامر ينطبق على تيمور المحاط بكل عناية وحنكة والده.

مستقبل وليد بيك
يرى بعض المطلعين على خفايا المختارة ان البيك يرغب بعد الاستقالة في عدم الابتعاد عن الحياة السياسية فانتخاب تيمور سيكون باب الابن الاول الى الساحة السياسية ولن يكون على حساب غياب والده عن السياسة، بيما يرى البعض ان رئيس الحزب الاشتراكي سيتفرغ الى مزاولة منصبه في الحزب وهندسته من جديد ليكون على قياس تيمور، بينما يذهب البعض الى القول ان وليد بيك وحسب “مزاجه” قد يفضل العيش في الخارج مع حماية بالطبع ابنه تيمور سياسياً واعطاء المشورة له من خلال خبرته وعلاقاته مع كافة الاطراف.

آراء بعض الدروز
تفضل غالبية الشخصيات الدرزية عدم الخوض في مسألة توريث تيمور معتبرة ان الأمر يعود لزعيم المختارة والبيت الجنبلاطي فحسب تعبيرها ان التوريث السياسي امر طبيعي في لبنان بخاصة ان تنصيب اي زعيم جديد لطائفة يكون ضمن محنة فظروف تولي وليد جنبلاط تزامنت مع حرب الجبل واستشهاد والده والتي اعطته سمات القائد وحولته من وريث الى زعيم كذلك الأمر ينطبق على آل الجميل عندما استلم بشير الجميل الزعامة وهو الشاب ولكنه القائد والذي اخذ صورة المنقذ لطائفته خلال الحرب الأهلية والأمر عينه ينطبق على سليمان فرنجية بعد استشهاد والده.

هي خطوة بنظر البعض مبكرة على تيمور وبنظر البعض الآخر خطوة ذكية، نابعة من حرص زعيم طائفة على تماسك طائفته والحفاظ على إرث عائلي والذي كسر كل الاعراف بانقلاباته السياسية المتتالية وفي بناء الصداقات والخصومات معاً وكرس مقولة انه بيضة القبضان في الساحة المحلية وعلق على مسألة استقالته بتغريدة له “في الموعد المناسب سأستقيل من النيابة. الا اذا كان المطلوب اجراء مراسم دفني… عندها سأعلم الجمهور وقد استقبل المعزين في المختارة مع الجماهير وأتقبل معهم راضيا مرضيا بمشيئة القدر الفاتحة”.

(البلد)

السابق
جوهر التغيير المحتمل في السياسة الإقليمية السعودية
التالي
نينات كيلي: الدولارات وحدها لا تكفي لمعالجة قضية النازحين