استدراج «حزب الله»

الأجواء على طرفَي الحدود مع فلسطين المحتلة مهيأة للحرب. الحوار اللبناني الداخلي يحصّن الجبهة الداخلية، والإجماع على استنكار الجريمة الإسرائيلية يؤمّن غطاءً وطنياً لحماية ظهر المقاومة. جريمة القنيطرة مبرّر كافٍ لترد المقاومة على نطاق واسع، خصوصاً بعد المقابلة الأخيرة للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، على قناة «الميادين» التي أكد فيها جهوزية الحزب لمواجهة واسعة. كلام نصر الله، بدا كرسالة ردع استباقيّة إلى قادة الاحتلال، ربّما وجدوا أنّه من الضروري اختبار فحواها. الأمر ملائم لإسرائيل، فالوضع الداخلي يتيح للعسكريين والمرشحين أن يتهوروا إلى مغامرة عسكرية على جري عادتهم قبيل الانتخابات العامة. والإغراء أكبر هذه المرة نظراً لانهماك الحزب بالحرب في سوريا.

الظروف مؤاتية لمواجهة واسعة. إسرائيل تعرف تماماً أنّ القرار 1701 لا يزال يتحكّم بإيقاع العمليات العسكرية على الحدود الشمالية مع لبنان، ويضبطها كي لا تتدحرج إلى مواجهة شاملة. صحيحٌ أنّ خرق القرار أو إسقاطه، سهل عسكرياً بسهولة الانسحاب الفوري للقوات الدولية من جنوب الليطاني، إلّا أنّ الحفاظ عليه يبقى ضرورة حيوية ومدنية للجانبين اللبناني والإسرائيلي. إذاً، مسرح المواجهة المقبلة، أرض بكر: مرتفعات الجولان. وهنا يصبح الإغراء أكبر لسلطات الاحتلال، فانكشاف الحزب على جبهة واسعة تمتدّ على طول الحدود اللبنانية والسورية مع فلسطين المحتلة سيخفّف من قدراته ويعطّل وسائله الدفاعية، ويبطل عمل وحداته العسكريّة الهجوميّة السريعة، ويضطره إلى توسيع دائرة تعبئته، ما يحوله إلى ما يشبه القوات النظامية، فيَسْهُل اختراقه أمنياً، واحتواؤه عسكرياً وبالطبع إنهاكه لوجستياً ومالياً.
حكومة تل آبيب تريد من اعتداء القنيطرة ما هو أبعد من تحسين صورة نتنياهو قبيل الانتخابات في آذار المقبل، وتريد ما هو أبعد من اختبار قوة «حزب الله»، هي تريد حرباً شاملة. نتنياهو لن يحرق الشرق الأوسط من أجل مقعد إضافي في الكنيست، ولكن هو وغيره، من اليمين إلى اليسار، على أتمّ الاستعداد لحجز مقعد أمامي على مسرح الاتفاق الإيراني – الأميركي، حاملاً جائزة ترضية اسمها «حزب الله» المخفف (لايت).
واشنطن وطهران أقرب من أي وقت مضى لتوقيع اتفاق بشأن برنامج طهران النووي، والاتفاق يتناول أكثر من خط تماس بين الجانبين، وبالتأكيد ستنجم عنه ضغوط على تل أبيب لتتواضع سياسياً وتفاوضياً، ما يتيح إعادة ترميم خرائط الطريق إلى اتفاقيات سلام تخفف من عنصرية «الدولة اليهودية» التي يسعى اليمين الإسرائيلي، عبر قانون، إلى جعلها حالة دستوريّة لا تقبل أحداً.
الهروب إلى الأمام من إملاءات اتفاق محتمل بين إيران والولايات المتحدة يستأهل حرب تحسين مواقع سريعة تنهك «حزب الله»، وبالتالي محور المقاومة كله، وتجعل غاية طهران من محادثاتها الأميركية، ترميم خطوط حلفائها.
عدوان القنيطرة، برغم أهمية ضحاياه ورمزيتهم، وبرغم وقاحته، لا يرد عليه بالمنطق ذاته. من السذاجة التعاطي معه وفق معادلة «العين بالعين والسن بالسن». العدوان مغامرة إسرائيلية، واستدراج الردّ عليه يعتبر حاجة إستراتيجية لإسرائيل. هو مدخل تل أبيب إلى الشرق الأوسط الذي تريده، وانتهاز للحظة قاتمة في تاريخ العرب تتيح استفراد الضعفاء، وإقصاء الأقوياء، واستنزاف المقاومين.

http://assafir.com/Article/20/397294

السابق
«جائزة سمير قصير لحرية الصحافة» في سنتها العاشرة
التالي
محمد الفضل من أسماء رجالات لبنان