العاصفة «تهجّر» النازحين من الخيام إلى.. الخيام

اللاجئين السوريين

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم التاسع والعشرين بعد المئتين على التوالي.

احتلت العاصفة «زينة» صدارة اهتمامات اللبنانيين، الذين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى تنظيم حياتهم على إيقاع العاصفة العاتية، التي حملت معها الثلوج والصقيع، وأعادت تذكير الناس بـ «طقوس» فصل الشتاء العائد بقوة، بعد مروره العابر خلال العام الماضي.
وإذا كانت «زينة» قد حملت معها في إحدى يديها الخير الوفير بعد جفاف، إلا أنها حملت في اليد الأخرى قطْعاً للطرق وانقطاعاً في الكهرباء وإغلاقاً للمدارس وأضراراً في بعض الممتلكات، فيما تساقطت الثلوج على ارتفاع 400 متر أحياناً، وتدنت درجة الحرارة الى بضع درجات تحت الصفر في البقاع.

أما في مخيمات النازحين السوريين، فإن للشتاء قصة أخرى تفوح منها رائحة الموت. هنا أيضاً، نشبت معركة ولو كانت هذه المرة مع الطبيعة، وهنا أيضاً اصبحت الإمرة لـ «جنرال» وإن كان يرتدي البزة البيضاء.

فقد حاصرت الثلوج عمار أحمد كمال (35 عاماً)، ومحمد أبو ضاهر (41 عاماً) وماجد خير البدوي (6 سنوات) في مرتفعات جبل الشيخ، بعدما غادروا بلدتهم بيت جن (سوريا) قاصدين بلدة شبعا عبر هذه المرتفعات، في ظل حرارة متدنّية تراوحت ما بين 5 و8 تحت الصفر، مما أدى الى وفاتهم، بينما نجا نازح رابع، كان برفقتهم.

وقضت النازحة الطفلة هبة عبد الغني (10 سنوات)، في أحد مخيمات عرسال، فيما أدخل عشرات الاطفال السوريين الى مستشفيات البقاع، نتيجة معاناتهم من نزلات برد حادة.
وأمضى حوالي 140 الف نازح سوري، يتوزعون على 835 مخيماً في منطقة البقاع، يومهم أمس وهم يزيلون الثلوج عن خيمهم، خوفاً من انهيارها.

وفي المشاهدات المؤلمة، أن النازحين كانوا يهربون من خيمة متهاوية الى أخرى، بعدما تبين ان الكثير من الخيام يفتقر الى الحصانة في مواجهة الرياح التي اقتلعت، على سبيل المثال، 20 خيمة منصوبة في سهل البقاع، ما أجبر القاطنين فيها على «النزوح» إلى أربع خيام ناجية.

ونتيجة الانخفاض الكبير في درجة الحرارة، تجمدت المياه في الخزانات، كما ان انقطاع الطرق وتوقف الإمدادات تسببا في نقص حاد في كميات الطعام. وسُجلت كذلك حالات إخلاء قسري لعائلات سورية نازحة من منازل كانت تستأجرها، بعدما قرر أصحاب تلك المنازل تأجيرها لـ «زبائن» دفعوا أكثر.

وبرزت شكوى لدى النازحين من غياب مواد التدفئة مع تأخر صرف «المفوضية الدولية» بدلات التدفئة للمستحقين كافة، وإن كانت قد وصلت الى بعضهم، على ان تصل الى الباقين في الأيام المقبلة، وفق ما قال مصدر في المفوضية، مؤكداً لـ «السفير» أنه جرى تجهيز مخيمات النزوح بأغطية من النايلون والأقمشة والحرامات!

وحتى تكتمل المعاناة، بدأ بعض «التجار» يستغلون أوضاع النازحين ويعرضون عليهم ترتيب أوضاعهم القانونية، عملاً بالإجراءات التنظيمية الجديدة، في مقابل بدل مادي كبير.

درباس: الإجراءات لا تشمل النازحين

لكن وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس قال لـ «السفير» إن التدابير المتخذة على الحدود لا تشمل النازحين الذين يحملون بطاقة «لاجئ» والمسجلين على لوائح مفوضية شؤون اللاجئين، لافتاً الانتباه الى ان هذه البطاقة تحصن اللاجئ السوري داخل الاراضي اللبنانية، لكنه إذا غادر الى بلاده وقرر العودة مجدداً فسيكون عليه ان يخضع للإجراءات المستحدثة وان يحدد سبب عودته.
ونفى أي طابع عنصري او شوفيني للتدابير التي بوشر في تنفيذها على الحدود لتنظيم دخول السوريين الى لبنان، مشدداً على ان المقصود منها وقف النزوح «الذي لم يعُد بمقدورنا تحمّل ضغوطه الاجتماعية والاقتصادية، مع الأخذ بعين الاعتبار الحالات الإنسانية الاستثنائية».

وتساءل: أين الخطأ في أن نطلب تحديد الهدف من الزيارة مرفقاً بالأوراق الثبوتية الضرورية، ليُمنح مقدم الطلب الإذن بالدخول او يُحجَب عنه؟ أليس هذا من أبسط واجبات الدولة؟
وكشف درباس عن أنه سيطرح على جلسة مجلس الوزراء اليوم أفكاراً لمساعدة النازحين السوريين على تحمل ضغوط فصل الشتاء.

توزُّع المسؤوليات

.. في الاساس، وفد النازحون الى شبه دولة، كانت تفتقر قبل مجيئهم الى الانتظام في الخدمات الضرورية المتعلقة بالكهرباء والمياه والصرف الصحي وغيرها، فكيف إذا تضاعف عدد المستفيدين من البنى التحتية والفوقية بفعل النزوح الواسع، فيما بقيت هي على حالها المزرية، بل إن بعضها تراجع مع الوقت!

وما زاد من تفاقم هذا الواقع هو أن السلطة اللبنانية تأخرت كثيراً في بلورة رؤيتها لملف النازحين وفي صياغة استراتيجية متكاملة للتعامل معه، ما أدى الى تمدد الازمة خلال الوقت الضائع واتخاذها أشكالاً متعددة، بينما كان ممكناً الحد من تفاعلاتها وعوارضها لو وُضعت السياسات المناسبة والخيارات الملائمة منذ البداية، من دون إغفال حقيقة ان أعباء المعالجة الجذرية تفوق طاقة الدولة على الاحتمال.

وهنا، تُطرح تساؤلات ايضاً حول أسباب غياب أي دور حقيقي او مبادرة جدية لدمشق حيال هذه القضية الإنسانية التي يٌفترض ان تعني بالدرجة الاولى الدولة السورية، كما يُستغرب غياب التنسيق اللبناني – السوري الضروري في هذا المجال والذي ينبغي تحييده عن الحسابات السياسية.

وبدل أن يبادر المجتمع الدولي الى تحسين ظروف النازحين، بالحد الادنى الذي تستوجبه الكرامة الانسانية، اقله للتكفير عن ذنبه في سوريا، وهو المتورط في أزمتها وتهجير أبنائها، إذ به ينفض يديه من هذا الملف الانساني مكتفياً بمنح النازحين بعض الفتات، وتاركا الدولة اللبنانية تنوء تحت أعبائه الثقيلة.
وليس العرب افضل حالاً، ذلك ان معظمهم ومن بين

م المقتدر، يكتفي بالمراقبة او بإعطاء القليل من المساعدات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بينما يهدر الكثير من المال على صفقات الاسلحة التي يتسرب اليها الصدأ في المخازن.

لبنان ثانياً باستضافة اللاجئين السوريين

واعلنت الأمم المتحدة، أمس، عن أنّ السوريين باتوا يشكلون أكبر مجموعة لاجئين حول العالم، يتوزعون على أكثر من 100 دولة، متجاوزين بذلك عدد اللاجئين الأفغان والفلسطينيين.

وقالت «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين»، التابعة للأمم المتحدة، في تقرير لها، إنّ عدد اللاجئين ارتفع بحوالي 704 آلاف شخص في الأشهر الستة الأولى من السنة الماضية، إذ بات عددهم يتجاوز الثلاثة ملايين، متوقعة أن يصل العدد إلى أكثر من 4,27 مليون شخص مع نهاية العام الحالي.

وأوضحت أنه «مع زيادةٍ بحوالي 325 ألف سوري في لبنان، خلال النصف الأول من العام الماضي، تخطى عدد اللاجئين المسجلين في لبنان عتبة 1,1 مليون لاجئ»، مشيرة إلى أنّ لبنان انتقل من المرتبة 69 للدول التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين، إلى المرتبة الثانية في غضون ثلاث سنوات ونصف السنة.

ودعت المفوضية إلى تقديم مساعدات دولية أكبر لمساعدة الدول والمجموعات المحلية على مواجهة تدفق اللاجئين.
وفي سياق متصل، قالت ممثلة مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان نينات كيلي إن عملية تقديم مساعدات الشتاء شكلت تحدياً لوجستياً كبيراً، لضمان الدفء والحماية للاجئين طوال أشهر الشتاء، «ولنوفر لهم الموارد الكافية لتحمل العواصف الشديدة»، مشيرة الى انه لا يزال العديد من اللاجئين يواجهون ظروفاً صعبة للغاية.

وأضافت: على الرغم من كل الجهود التي نبذلها، لا يزال الوضع في لبنان غير مستقر بالنسبة الى اللاجئين نظراً للظروف السيئة التي يعيشون فيها، ولكونهم موزعين على الاراضي اللبنانية كافة.

ابراهيم يتابع ملف النزوح

الى ذلك، استقبل المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، في مكتبه، وفداً كندياً برئاسة نائب وزير الجنسية والهجرة الكندي انيتا بيغوزس، ترافقه سفيرة كندا هيلاري تشيلدس ادامز، وتم خلال اللقاء عرض وضع السوريين النازحين الى لبنان وبرنامج استقبالهم في عدد من الدول، بالتنسيق مع المفوضية العليا للاجئين UNHCR.

ثم التقى اللواء ابراهيم الأمين العام لـ «المجلس الأعلى السوري ـــ اللبناني» نصري خوري، وعرض معه قضايا النازحين السوريين.

السابق
سليمان: لمحاكمة من لا يشارك في جلسات انتخاب الرئيس
التالي
تسويات الحكومة في مطلع السنة ورقتان للحوار العوني القواتي