خريطة الطريق.. كسلاح سوري مدمِر

أسلحة جديدة إنضمت مؤخراً الى جبهات القتال في سوريا، قد تكون أشد فتكا وتدميراً من الصواريخ والبراميل المتفجرة، هي خرائط الطريق الى الحل السياسي التي يتقاذف بها المتحاربون ويستخدمونها مثل عبوات ناسفة.. يبدو انها ستنفجر قبل الاوان، وتوزع شظاياها في كل اتجاه.

بعض النوايا صادقة، لكن كثرة الخرائط ليست بريئة أبداً. أما بالنسبة الى قراءتها وتحليلها وتفسيرها، فإن الامر بات بمثابة عملية تعذيب، فضلا عن كونه عملية تجهيل للأزمة ( العالمية)، وهدر فرصة سورية مهمة لتحديد مسارها الحالي وتقدير مآلاتها القريبة، بغض النظر عن بعض النصوص الطموحة وبعض النفوس الحالمة.

لا تقع اللائمة على روسيا وحدها التي تفتعل مؤتمراً سابقاً لأوانه وترمي على بعض المعارضين، كأفراد، مسؤولية إبتداع حل مبكر لأزمة دخلت مرحلة الاستعصاء التام. ثمة من المعارضين السوريين من صدّق الدعوة الروسية وسعى فقط الى تعديل بطاقاتها وبروتوكالاتها، وثمة من تورط في التصرف وكأنه طالب في المرحلة التكميلية دعي للخضوع الى إمتحان عاجل في كيفية كتابة موضوع إنشاء عربي، فسارع الى استذكار مراجعه ونصوصه المدرسية والى الاستعانة ببعض المواضيع الإنشائية القديمة، لكنه إختار عنواناً عصرياً مثيراً : “خريطة الطريق”!

زادت الخرائط عن الحد الذي يمكن ان تحتمله سوريا او أن يدركه السوريون وغيرهم. وزاد معه الاشتباه في ان رغبة روسيا المعلنة في تجميع المعارضين السوريين او معظمهم على الاقل حول نص واحد، يضمر خطة لتفجير القواسم المشتركة القليلة المتبقية في ما بينهم وتحويل الحدود السياسية والايديولوجية بين تنظيماتهم وفصائلهم الى خطوط تماس ملتهبة، حول سطر ورد في خريطة هنا او هامش كتب في خريطة هناك.. من دون أن يعرف أحد حتى الان ما اذا كانت الدعوة الروسية ما زالت قائمة فعلا، وما اذا كانت البطاقات ستظل شخصية أم لا، ومن دون ان يتضح مغزى ان تنظم موسكو مؤتمراً بمن يحضر من المدعوين كأفراد.

لا يمكن إحصاء عدد خرائط الطريق التي خرجت حتى الان من اجتماعات القاهرة واسطنبول وموسكو نفسها ودمشق ايضاً، عدا عن خرائط جنيف السابقة. لكن ما وزع حتى الان أجمع على تلك القناعة الساحرة التي تفيد بان الحل العسكري مستحيل الى درجة تستدعي حلاً سياسياً، وبالتالي لن يكون المؤتمر العتيد في العاصمة الروسية سوى ترجمة لهذه النظرية ولقاء بين المؤمنين بها والمدركين بأنه آن الاوان لتقديم التنازلات المتبادلة.

والاغرب من الخرائط نفسها ان الموقعين عليها بالاحرف الاولى طبعا يدلون بتصريحات ويصدرون بيانات تناقض مضمونها ومنطقها..وإن كانوا يتفادون الدخول في سجالات مباشرة يستفيد منها النظام، على حد تعبير أحدهم، برغم ان رأس ذلك النظام قال كلمته ومشى في محيط جوبر قبل أيام ، وحدد للمرة الاولى ان المعارضين هم بمثابة قوارض.. في استعارة لعبارة أثيرة للرئيس الليبي الراحل معمر القذافي!

المذبحة السورية تستدعي الكثير من التفكير والتأمل، والمزيد من أوراق العمل وإعلانات المبادىء والطموحات، لكن الفارق كبير بين النوايا السليمة وبين النوايا الساذجة التي يمكن تلمسها من “خرائط الطريق” المتداولة حاليا، والتي تتضمن قرارات لمجلس الامن الدولي ومراقبين من الامم المتحدة ورعاية عربية وإقليمية منتقاة بدقة ومؤتمراً للمانحين ومجالس انتقالية متعاقبة للحكم وصيغة فذة للاعتراف ب”المكون الكردي”.. وأيضا تحويل الرئاسة الى مؤسسة يتم البحث في صلاحياتها وشاغلها! (وهي عبارة كتبت على الارجح قبل تصريح الاسد في محيط جوبر).

التفاؤل ممكن بل هو واجب طبعا. لكنه يحتاج الى دليل واحد على أن موعد الحل قد أزف، ومعه وقف اطلاق النار، واطلاق المعتقلين، وعودة النازحين: ثمة أدلة يومية على ان النظام والمعارضة ما زالا يقاتلان وكأن الحرب قد بدأت للتو، وهما يزدادان ثقة بان النصر الساحق ممكن بل محتم. وثمة أدلة يومية أيضا على ان جيلاً جديداً من المحاربين ينضم الى جبهات القتال وهو يصفي المعتدلين والمترددين والخائفين والمكتفين  بالدفاع عن النفس.. وهو جيل لم يسمع بخرائط الطريق ولن يستخدمها إلا كعبوات متفجرة.
http://www.almodon.com/opinion/f8bc0672-5654-4fdd-9127-c74f164df252

 

السابق
هذه هي الطرقات المفتوحة والمقطوعة خلال العاصفة
التالي
جنبلاط الـ 2015: نسخة جديدة