2014: عام الشك

السنوات كحشود البشر الذين يسيرون من حولك في شارع مزدحم، أغلبهم لا يترك لديك أي انطباع يُذكر.
ولكن القليل منهم قد يترك أثرا عميقا في حاضرك وماضيك. وأعتقد أن 2014 كان أحد تلك الأعوام المميزة التي لن تنسى بسهولة، إذ أجبرنا هذا العام على التخلي عن عادة الكسل التي تحملنا على الاعتقاد بأن كل شيء سوف يسير على خير ما يرام.

ولدينا فيما يلي بعض الأحداث التي شهدها هذا العام، والتي من المتوقع أن تزيد من مستوى اليقظة التي نتعامل بها مع العالم من حولنا.

في الحادي والعشرين من فبراير/ شباط الماضي، شهدت أوكرانيا صدامات عنيفة بين الأوكرانيين الموالين لروسيا في الشرق، وهم أيضا الموالون للرئيس الأوكراني المخلوع يانكوفيتش، والمتظاهرين الذين خرجوا في الشوارع للمطالبة بانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. ووصل هذا الصراع إلى ذروته بين الفريقين.

منذ ذلك الوقت، ظهر على السطح سؤال ملح حول ما إذا كان انقلابا يمينيا على السلطة أم ثورة شعبية؟ وهوالسؤال الذي اختلف الروسيون من جهة، والأوروبيون والأمريكيون من جهة أخرى حول إجابته.

وسرعان ما انعزل إقليم القرم الأوكراني عن باقي أقاليم الدولة بعد أن سيطر عليه جنود يرتدون الزي العسكري الروسي، إلا أنهم زعموا أنهم متطوعون محليون.

ثم شهد إقليم القرم، الذي يبدو كأنه جزء منفصل من روسيا، تصويت مواطنيه (تصويتا نزيها) على الانضمام للاتحاد الروسي والانفصال عن أوكرانيا، وهو ما أبهج روسيا.

وفي شرق أوكرانيا، اندلعت حرب أهلية مكتملة الأركان، كما انضمت إلى مشهد الصراع قوات روسية متخفية في زي انفصاليين أوكرانيين موالين لروسيا.

كما أُسقطت طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية الماليزية بصاروخ روسي الصنع عندما كانت تتجه من أمستردام إلى كوالا لمبور. ولقي 298 من الأبرياء مصرعهم جراء الحادث.

أحداث غير مسبوقة

لم تعتد أوروبا مثل هذه الأحداث، لذا سارعت الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ودول أخرى ومنظمات دولية إلى فرض عقوبات اقتصادية على روسيا جراء مساندتها للانفصال.

مدفوعة بما تلقاه من أضرار اقتصادية، ازدادت النبرة العدائية التي تتعامل بها روسيا مع الغرب، وهو ما قد يراه البعض بداية لحرب باردة ثانية، أقل حدة وخطورة.

البداية

وقد يكون التعليق الذي ينطبق على عام 2014 والمناسب لبداية العام هو أنه “باقتراب عام 2014 من خط النهاية، يبدو أن آثار القضايا العالمية الكبرى بدأت تنعكس على الشارع.”

النهاية

في المقابل يمكن أن يكون التعليق الأنسب للنهاية هو: “ولكن 2014 لا زال له الأثر الأكبر على المشهد حتى الآن”.

في ليلة العاشر من يونيو/ حزيران الماضي، دخل 1300 من المسلحين المتشددين غير المدربين جيدا على ظهر شاحنات إلى واحدة من أكبر المدن العراقية وسيطروا عليها.

منذ ذلك الحين، فوجيء الناس في جميع أنحاء العالم بالراية السوداء لتنظيم الدولة الإسلامية، التي تمثل القوة الغاشمة التي انطلقت في العراق وسوريا وتشكل تهديدا كبيرا بالإنتشار في جميع قطاعات العالم الإسلامي.

أما الجيش العراقي ففر جنوده أمام تلك الميليشيات التي سيطرت في اليوم التالي على مدينة تكريت ورفعت رايتها هناك. كما كان التنظيم يعد للاستيلاء على العاصمة بغداد نفسها.

ولكن بغداد صمدت ولا زالت صامدة في حين يحتل تنظيم الدولة العناوين الرئيسة للأخبار بدلا من المدن بتنفيذ سلسلة من عمليات الاغتيال والقتل التي تثير الاشمئزاز في هؤلاء الأسرى العزل مع تصوير تلك العمليات بمهارة فائقة ووضع موسيقى تصويرية مناسبة.

كما اتحد خصوم تنظيم الدولة الإسلامية، واستبدلت الحكومة الطائفية إلى أبعد الحدود في بغداد بأخرى وتكون تحالف، كان من الصعب مجرد تخيل وجوده يوما ما، بشكل غير معلن بين دول الغرب، أكراد العراق، وإيران لينضم الجميع إلى سوريا في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.

والآن لا يميل أحد إلى تصديق سيناريو رفع التنظيم رايته على المنطقة بأكملها. مع ذلك، أصبح تنظيم الدولة يتمتع بتأثير قوي يجذب إليه الكثير من المتطرفين من أنحاء كثيرة حول العالم من باكستان إلى ليبيا،وفي نيجيريا تعد حركة بوكو حرام المجنونة نفسها لأن تكون النسخة الأسوأ من التنظيم.

كما شهد عام 2014 لحظات سجلت إمكانية استسلام العالم لأحد الأوبئة الفتاكة، وكان فيروس إيبولا هذه المرة.

 

وفي الحقيقة، لم يكن في الحسبان أن يحدث ذلك الانتشار، الأكبر من نوعه في غرب أفريقيا، لأسباب من بينها أن الموارد الطبية تتمتع بقدر كبير من القوة بالإضافة إلى أن نطاق انتشار الفيروس لم يتسع إلى هذا الحد من قبل.

عام التحولات الكبرى

ولا زال عام 2014 يبث الرعب في قلوب الناس في ظل هذه الظروف التي عادة لا تظهر فيها الحكومات والأفراد سلوكا يتسم بالحكمة واللياقة.

لقد كان عام التحولات الكبرى، إذ سحبت الولايات المتحدة وبريطانيا قواتهما العسكرية من أفغانستان والعراق، إلا أن الدولتين وجدا على أرض الواقع ما يدفعهما إلى إعادة إرسال الجنود للمنطقة لدعم القوات المحلية.

كما قويت النزعة الانفصالية في أوروبا. ففي أسكتلندا أُجري استفتاء للانفصال عن بريطانيا وفي إسبانيا ظهرت رغبة قوية في انفصال إقليم كاتالونيا. وتجاوز الأمر ذلك إلى حد إبداء بعض الدول الأوروبية استياءها من كونها أعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وفي هونج كونج أيضا، ارتفعت نبرة الانفصالية وقويت الرغبة في الحصول على هوية منفصلة مما أثار حفيظة الصين في حين أظهر الرئيس زي جيبنغ إصرارا غير عادي على الاستمرار في قيادة الحزب الاشتراكي.

وباقتراب 2014 من النهاية، تسيطر القضايا الدولية الكبرى على الشارع في جميع أنحاء العالم. فمن سيدني بأستراليا إلى مدينتي ديغون وتور بفرنسا، هاجم معتوهون الناس في الشوارع والمقاهي باسم الإسلام. وفي المقابل، ارتفعت نعرة العنصرية ضد المسلمين.

بالعودة إلى بريطانيا، نجد حالة من القلق تسيطر على رجال الشرطة والسياسيين الذين يرون أن وقوع هجمات إرهابية أضحى أمرا حتميا. وفي الولايات المتحدة، اهتزت ثقة المواطنين في جهاز الشرطة بعد سلسلة من الحوادث التي تضمنت قتل أشخاص سود على أيدي ضباط شرطة بيض.

في غضون ذلك، اعتبرت مجلة تايم 2014 “عام السيلفي”، ربما يكون ذلك صحيحا.

أما بالنسبة لي، فأعتقد أنه كان عاما للعصبية والاضطرابات. وأعتقد أيضا أن الصورة السيلفي الحقيقية الوحيدة هذا العام يظهر بها الشك وهو يفرض سطوته على الجميع.

السابق
الجيش أوقف 3 سوريين حاولوا التسلل من شبعا باتجاه الأراضي السورية
التالي
الجيش اعلن عن مداهمة احد الاماكن المشبوهة