مصر وقطر: عجلة المصالحة تدور سريعاً

دارت سريعاً عجلة المصالحة المصرية القطرية. وبإغلاق قناة «الجزيرة مباشر مصر» تكون الدوحة قد اتخذت الخطوة الأولى لإثبات حسن النيات والجدية في المصالحة، التي توسطت فيها السعودية، فيما يتوقع أن الخطوة التالية من جانب القاهرة، ويرجّح المراقبون أن تكون إطلاق سراح صحافيي قناة «الجزيرة» المسجونين في مصر.

وعلى هامش المصالحة المصرية – القطرية تظهر الكثير من المسائل الشائكة التي يصعب اتخاذ قرارات بشأنها، وأهمها مسألة تسليم رئيس «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» الشيخ يوسف القرضاوي، المقيم في قطر والحامل للجنسية القطرية، إلى مصر بعد اتهامه بالتحريض على العنف في أحداث الثلاثين من حزيران العام 2013، وكذلك إشكالية إقامة الكثيرين من قيادات «الإخوان المسلمين» داخل قطر، ومعظمهم متّهم في قضايا عنف وتحريض في مصر، ولا يزال يمارس العمل السياسي من الدوحة.
ومما لا شك فيه أن مجرد طرح مسألة تسليم القرضاوي لمصر بغرض محاكمته، وهو ما تردّد كثيراً يوم امس في وسائل إعلامية مصرية، يبدو كافياً لتعقيد مسار المصالحة.
وحتى إذا كان الأساس القانوني لتسليم القرضاوي متوفراً، فإن المواءمة السياسية قد تصبح عامل حاسم في مناقشة هذه القضية، خصوصاً في ظل المحاكمات التي يواجهها قياديون من أعلى الهرم التنظيمي في «الاخوان».
ويرى عصام الاسلامبولي، الخبير القانوني، أن الأساس القانوني لتسليم القرضاوي وغيره من القيادات الموجودة في قطر متوافر. ويقول لـ «السفير» إنه «من الناحية القانونية، فإن أي شخص يرتكب جريمة على الأراضي المصرية أو تجاه مصر، وتثبت عليه تلك القضايا، يكون من حق الدولة المصرية المطالبة بتسليمه عبر الإنتربول».
ويضيف الاسلامبولي أن «القرضاوي قام بالتحريض على العنف عقب الثلاثين من حزيران العام 2013، وثمة اتفاقيات دولية تتيح تسليمه لمصر. ولكونه يحمل الجنسية القطرية لا يمنع تسليمه لمصر، لأنه ما زال يحمل الجنسية المصرية أيضاً، ما يعني أن بإمكان الدولة المصرية المطالبة بتسليمه كمواطن مصري، والأمر ذاته ينطبق على العديد من القيادات الموجودة في قطر».
ولكن الأساس القانوني لتسليم القرضاوي لا يحسم القضية في رأي الاسلامبولي، الذي يوضح أنه «من الناحية العملية، لا أعتقد أن قطر ستسلم القرضاوي، لأن ذلك سيضعها في حرج بالغ. والأرجح أنها ستفرض عليه الصمت إذا تقرر بقاؤه في قطر، أو سيتم إبعاده من قطر في الغالب إلى تركيا أو بريطانيا. والأمر ذاته ينطبق على باقي قيادات الجماعة في قطر. وأرجح أن معظمهم سيتوجه لتركيا، فيما سيبقى البعض في قطر ولكن صامتاً».
اما حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، فلا يرى أهمية كبيرة للتوقف أمام قضية تسليم القرضاوي أو غيره، ويقول نافعة لـ «السفير»: «ليس من مصلحة مصر الإصرار على تسليم القرضاوي، ولا من مصلحة قطر تسليمه. مسألة المصالحة المصرية القطرية أهم من ذلك».
ويضيف «الواضح أن قطر أدركت أن مصالحها مع دول مجلس التعاون الخليجي كبيرة، وأهم من مصالحها مع جماعة الإخوان المسلمين، وستتصرّف على هذا الأساس في المرحلة المقبلة، وهذا هو الأهم». ويضيف نافعة «أعتقد أن مسألة إيواء قطر لقيادات الإخوان ستحل بتخييرهم بين البقاء في قطر من دون ممارسة السياسة أو البحث عن دولة أخرى. أما في قضية القرضاوي فيجب الوضع في الاعتبار أنه يحمل الجنسية القطرية، ومسألة تسليمه ستكون صعبة حتى على المستوى القانوني. وأظن أنه سيطلب منه الصمت والتوقف عن أي تحريض».
ويرى نافعة أن «الإصرار على تسليم القرضاوي لن يكون مفيداً. أما باقي قيادات الإخوان الموجودين في قطر، فإذا كان منهم مَن يحاكم في اتهامات وجرائم جدية فيمكن مناقشة أمر تسليمه. أما إذا كانت الاتهامات غير جدية، فمن مصلحة مصر عدم التوقف عند تلك التفاصيل».
ويختم «يكفي أن تتوافر لدى قطر الإرادة السياسية لتنقية الأجواء، لكي يتم تجاوز تلك الأزمة وعدم التوقف أمام تفاصيلها».
عقب «ثورة 30 يونيو»، مثلت قطر المأوى الأكبر للفارين من جماعة «الإخوان المسلمين»، ووظفت الكثير من إمكانياتها لمساندة حركتهم. ولعل تراجع قطر اليوم عن مساندة جماعة الإخوان، ووقف المنصات الإعلامية المحرّضة على نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، قد يمثلان مكسباً كبيراً للدولة المصرية وخسارة فادحة لـ «الاخوان» بحيث تصبح مسألة تسليم القرضاوي أو أي من القيادات الهاربة مجرد أمر رمزي لا ينبغي التوقف أمامه.

السابق
عشرة أشهر من عمر الحكومة: السير على الحافة
التالي
الحريري هنأ اللبنانيين بالاعياد: نأمل ان يحمل العام المقبل بداية حلحلة للأزمة السياسية