أسئلة حول القلق المسيحي في المشرق

مسيحيين
يبدو أن حالة القلق التي يعيشها معظم مسيحيي المشرق طرحت على بعض مثقفيهم أسئلة تتعلق بمستقبل وجودهم وعلاقاتهم مع الآخر، وهذا ما حاول تسليط الضوء عليه عضو لقاء سيدة الجبل د. فارس سعيد.

“علينا البحث والنقاش كيف يمكن أن نعيش متساويين ونحن مختلفون. وأرجو أن يكون ما قدمته هو بداية لإكتشاف المساحات المشتركة بين التيارات المدنية العربية وخصوصاً اللبنانية والفلسطينية والسورية”. هكذا ختم عضو لقاء سيدة الجبل الدكتور فارس سعيد حلقة النقاش التي نظمها مركز تطوير تحت عنوان مفهوم الدور المسيحي في المشرق بعد ظهر الخميس 18 كانون الأول 2014 في مقره – الطريق الجديدة في بيروت بحضور عدد من الإعلاميين والمهتمين.
افتتحت الحلقة بكلمة ترحيبية من مدير المركز هشام دبسي، أهم ما جاء فيها: “حمل الدكتور فارس سعيد مع نخبة جليلة من اللبنانيين، صليب المصارحة والمصالحة والوصل. في زمن سادت فيه قوى المزايدة والإستخدام والإستعداء والتفريق والقطع، من خلال إعلان بيروت الصادر في شباط 2004 والذي جاء فيه: (نريد أن نقول لأشقائنا الفلسطينيين: لقد طوينا نهائياً صفحة الحرب المشؤومة التي كنا، نحن وأنتم من ضحاياها على إختلاف المواقع والتصورات والرهانات والأوهام. وأضاف دبسي: لقد قال الدكتور سعيد وصحبه كلمة حق في ظل سلطان جائر منذ عقد من الزمن”.
ثم تحدث سعيد قائلاً:

فارس سعيد“ينظر المسيحيون بعين القلق إلى ما يجري من حولهم من أحداث، وينشغلون أفراداً وجماعات في تقدير الإحتمالات، يطرحون الأسئلة الصعبة على أنفسهم، والتي ألخصها بالسؤال التالي: هل هناك إمكانية للحفاظ على المسيحيين في المنطقة في مرحلة محفوفة بالمخاطر والتي ذهبت بعيداً في اتجاه الإستقطاب المذهبي الذي فُرضَ بالقوة من إيران حتى شواطئ المتوسط، شاملاً العراق وسوريا، مروراً بالخليج ووصولاً إلى اليمن؟”.
وأضاف: “في العام 1920، قرّروا الدفاع عن فكرة “لبنان الكبير” المرتكز على العيش المشترك الإسلامي – المسيحي، ورفضوا السير في اتجاه إقامة دولة مسيحية تكون بمثابة وطن ملجأ لهم ولمسيحيي العالم العربي. إتخذ القرار نخبة من المسيحيين المؤسسين لدولة لبنان الحديث الذين شكّلوا الأجيال الأولى للجامعيين الموارنة. أما الفضل الأكبر لهذا القرار فيعود للكنيسة المارونية بقيادة البطريرك الياس الحويّك”.
وأوضح سعيد: “إن الدولة الوطنية التي ناضل من أجلها الموارنة – وإذا أردنا الدقّة نقول: التي ناضل من أجلها “تيار الشرعية التاريخية في الوسط المسيحي اللبناني”. فلا المسيحيون ولا الموارنة كانوا كتلة واحدة متراصّة خلف خيارات ثقافية وسياسية موحّدة – نقول أن تلك الدولة الوطنية لم تبنِ حائطاً ثقافياً بينها وبين المنطقة، بل فاخرت ببناء مجتمع لبناني متنوّع صمد في مرحلة الديكتاتوريات العربية وفي وجه محاولات الطوائف وضع يدها على كل لبنان. فحاول الجميع من دون استثناء وفشلوا جميعهم، كما يفشل اليوم “حزب الله” وهو يمثّل آخر محاولة!”.
وأكد سعيد أنه “كان للدولة الوطنية اللبنانية نقاط ضعف بنيوية تمثلت خاصة بتحكم الطوائف بقرار الدولة، ما أعاق تقدمها وحوّلها إلى مساحة مشتركة لتقاسم النفوذ الطائفي داخلها، وغاب عنها مبدأ الدفاع عن الفرد – المواطن.
أسئلة حول القلق المسيحي في المشرقوالتحدي المطروح اليوم أمامنا قد يكون تطوير النظام اللبناني القائم، بمرتكزاته الاساسية، انطلاقاً من الطائف وتأسيساً عليه في اتجاه الحفاظ على ضمانات الطوائف إنما مع التركيز على حقوق المواطن أيضاً.
واليوم نحن أمام متغيرات كبرى مثل:
* بلورة نظام عالمي جديد بزعامة الولايات المتحدة يرتكز على نظام اقتصادي ومالي وسياسي وعسكري وقضائي في إطار عولمةٍ متسارعة.
* انهيار النظام العربي القديم الذي أعقب مرحلة الإنتدابات الغربية، ثم نشوء دولة اسرائيل.
* بروز تيارات اسلامية متطرفة، تتراوح ما بين قيام دولة ولاية الفقيه ودولة الخلافة، مما شوّه صورة المنطقة وساهم في بروز تيار معادٍ للإسلام في الغرب أو ما يسمى “الإسلاموفوبيا”.
* دخول الإسلام كمكوّن إجتماعي وسياسي وانتخابي إلى أوروبا، وهو عامل مؤثر على ديموقراطيات الغرب.
* بروز تيار مدني تجلى في تونس ومصر وبلدان أخرى.
* محاولة قوى اقليمية غير عربية التحكم بقرار المنطقة: اسرائيل- تركيا- ايران.
وختم : بإعتقادي أن الدولة الوطنية المدنية المتحررة من القيود الطائفية:
– دولة ترتكز على نظام مرن يحفظ ضمانات الطوائف من خلال مجلس شيوخ منتخب على قاعدة طائفية ومجلس نيابي محرر منها.
– دولة تعطي العيش المشترك وقبول الآخر المختلف بعداً انسانياً يتناسب مع مصالح الشعوب التي تبحث عن مستقبل أفضل، فلا إمكانية لسوريا الغد أو عراق الغد أو أي دولة في المنطقة تتسم بتكوين تعددي أن تقوم على قاعدة تسلّط طائفة على حساب طوائف أخرى.
– دولة تصون لبنان المعنى والدور والرسالة، ولكنها تلتزم في الوقت نفسه القضايا العادلة للمنطقة.

هذا في نظري الخيار الذي ينتمي للمستقبل، والذي يستحق أن ندافع عنه جميعاً”.

 

السابق
لاريجاني: لبنان بلد مؤثر في الشرق الأوسط
التالي
سلام عرض الاوضاع مع ابو فاعور