هل يعيش الجميع في «طابق جنى الحسن الـ99»

نيو يورك
يبدو أن يوميات الحرب الأهلية اللبنانية ما زالت تشكل مادة يغرف منها الكتاب والروائيون لتكون أرضية لكتبهم، التي تعالج شخصيات خلال الحرب الأهلية أو شخصيات تعاني من نتائج الحرب نفسها. وهذا ما حاولت الزميلة جنى فواز الحسن القيام به في روايتها الأخيرة "طابق 99".

بدأت جنى فواز الحسن بروايتها «طابق 99» من عام 2000 أي بعد عقد من إعلان انتهاء الحرب الأهلية رسمياً، لكنها حرب مستمرة حتى الآن بصور مختلفة، إما بنزاع علني مستمر أو نزاع بسبب نتائج الحرب المسلحة المنتهية عام 1991.

تتحدث الرواية عن غريب وغريبة التقيا في مدينة غريبة (نيويورك). غريبان يسيران في المدينة وكأنهما عابرا سبيل، لا يعرف عنهما أحد أي شيء، ففي تلك المدينة لا تجد سوى بشر عاديون غرباء عن بعضهم البعض. والغريبان أتيا إليها من نفس البيئة، لكنهما هناك، كانا غريبين أيضاً، هربا بحثاً عن حقيقة لم يستطيعا أن يجداها في مكان ولادتهما.

مجد الفلسطيني كان يعيش مخنوقاً في مخيم شاتيلا غادره عام 1984، بعد أن سدت الآفاق امامه، بات يشعر بعد مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982 أنه غريب حتى عن المنزل الذي ولد فيه، وأن هذه الأرض التي لجأ إليها أهله عام 1948 لم تعد تشكل ملجأ أمان له.

قبل رحيله مع والده إلى نيويورك، أخبره والده أن ما وجده من الميليشيات المسيحية والقيادات العربية يفوق كراهية الصهاينة للفلسطينيين. لكنه كشف لابنه مجد أمراً آخر: “أن من يقاتل خارج أرضه، يقاتل عبثاً”. ومجد كان يحلم أن يطير عالياً حتى يرى المكان من فوق وعندما وصل إلى الطابق 99، كان يحاول النظر إلى أسفل ويحاول أن يشعر بما يشعر به من هو هناك برأيه، “أن تكون فلسطينياً، هو إما أن تنسى الجذور وتتخلى عن أصلك لتتقدم في هذه الحياة، وإما أن تبقى كرصاصة تنتظر في فوهة البندقية قبل أن تنطبق في اتجاه ما”.

مجد تعرض إلى إصابة في شاتيلا يوم المجزرة عام 1982، تركت ندباً طويلاً في وجهه وإصابة في ساقه دفعته إلى استخدام عكاز. وفي نيويورك كان يرغب في الزواج لكنه اعتقد أن الإعاقة تمنعه، وكان يستغرب عدم مبالاة الآخرين بما حدث له.

مجد هرب من لبنان، أملاً في العودة لرؤية أمه “فلسطين” في “إسرائيل” كما طلب منه والده، لكنه وبعد وصوله إلى “طابق 99″، صارت هذه الأمنية مجرد حلم لن يتحقق.

جنى الحسنأما هيلدا فهي صبية مسيحية لبنانية تعيش في إحدى بلدات جبل لبنان، لم تلتق سابقاً “بالآخر” العالم ينتهي، بالنسبة لها: عند حدود الفيتو الذي انحسر إليه النفوذ المسيحي بعد الحرب. أهلها يحلمون بمجد ذهب ولم يعد، وإذا عاد بوضع رسمي لا يعوض عن نفوذ الماضي. هيلدا تبحث عن الحقيقة خارج إطار الإيديولوجيا التي رسمها لها والدها، والروايات غير الصحيحة التي أخبرها بها. عندما التقت مجد، وجدت فيه الإنسان وليس العدد الذي قاتله والدها وعمها. حب هيلدا لمجد دليل على جدارة الفلسطيني. الحب وليس بالمجازر. وعندما عادت إلى لبنان، كان هدفها الوحيد أن تعرف الحقيقة وعندما اطلعت عليها قررت العودة إلى نيويورك، كانت تسافر بحثاً عن الحقيقة، لكن مجد استقر في نيويورك لأنه عرف الحقيقة.

 

أجادت الحسن عندما تحدثت بلسان هيلدا الصبية اللبنانية الحالمة الصادقة. لكنها اجادت أكثر عندما كتبت ومن موقع مجد الذكوري والأناني الذي بات لا يفكر سوى بنفسه وانتظار عودة هيلدا إليه. وفي نص روايتها، نجد الكثير من الأقوال التي تستحق التأطير لتكون دليل طريق لنا، مثل عندما سألته هيلدا عن الفارق بين السلطة والقوة؟ تجيب الحسن على لسان مجد: “القوة هي ما تبنيه من الداخل ليقودك إلى السلطة، هي مزيج من تجارب الحياة، فيها الكثير من الخسارات وليس فقط المكاسب. السلطة! السلطة هي الكارثة، تحديداً تلك السلطة التي تولد القوة، تنتج حينها قوة عمياء هدامة لا تعترف بأي رادع”.

وتتألق الحسن عندما تقول: “لم أقل له يوماً أن الأجساد الملصقة التي تحاول الارتفاع، وإن هبطت مجدداً، تبقى أفضل من الأشلاء التي تتخبط في مكانها.وتروي على لسان مجد العربي ذو الثقافة الذكورية وبعد مرور 16 عاماً على وجوده في نيويورك: في مكان ما، بقوا “هم” وبقيت أنا جزءاً من “نحن” كنت، ولو عن غير وعي، أراهنّ – أي النساء الأجنبيات – سبايا. هذا التوصيف، على همجيته، وإنكاري له كان موجوداً في مكان ما”.

وتصل الحسن إلى القمة، عندما تنقل على لسان والد هيلدا: “ستتغير الأمور بالنسبة لنا يا هيلدا، لا بد أنك تشعرين مثلي بالغبن والظلم اليوم، لكن لا بد أن تستقيم الأمور”. وتجيب الحسن على لسان هيلدا: “قلت له أنه مخطئ فيما يفترضه عني إني لم أذهب لأننا خسرنا الحرب بل لأننا خضناها في بادئ الأمر”.

ورواية جنى فواز الحسن “طابق 99” هي الثالثة بعد “رغبات محرمة” و”أنا، هي والأخريات” وقد وقّعتها في معرض الكتاب العربي والدولي بيروت مساء السبت 29/11/2014.

السابق
أثر الإشتباكات المسلحة على الوضع النفسي لأطفال عين الحلوة
التالي
الأكثر مبيعا بالمعرض: الكُتّاب آخر مَن يُقرَأ.. والعلاقات العامة تنتصر