عن «العلماء» السيئين

لم يخلُ المشهد العربي الراهن من صورة رجال الدين وهم يشغلون موقع الصدارة في خضم الأزمات المتلاحقة. بعض هؤلاء فضلاء، ويعملون على تعميم القيم وإخماد الفتن وإفشاء الخير من أجل الصالح العام. بعضهم الآخر سيئون، أفّاكون، ولا يتوانون عن إشاعة الكراهية، والحض على الفتنة والدعوة الى القتل، باسم السماء التي نصَبوا أنفسهم وكلاء عنها وحاكمين بأمرها.

في الأدبيات الاسلامية، ثمة من اصطلح على تسميتهم ورثة الانبياء وهم علماء الدين الذين لا خلاف على ضرورة الإعلاء من شأنهم واحترام مقامهم وتقدير دورهم في تبليغ التعاليم الدينية على اساس المحبة والفضيلة. وفي الضفة الأخرى من الأدبيات ذاتها، ثمة من يسمون بـ «علماء» السوء، وهم الذين يتجلببون بالدين ويسيئون الى الناس والدين، معا، إما جهلاً أو نفاقاً.
في الشكل، يكفي «عالم» السوء الانتساب الى معهد ديني والتردد اليه، حتى يستطيع تقديم نفسه في زمرة العارفين بأسرار الشريعة والواصلين الى الحقيقة. طبعا، يجب أن يقترن ذلك بإطلاق اللحية، واعتمار العمامة مع دربة على التكلم بالفصحى، والحديث بلهجة منمقة تراعي أحكام التفخيم والغنة، إضافة الى التزود ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأحكام الشرعية، استكمالا لعدة العمل في اجتذاب الناس والهيمنة على عقولهم. فالتشبه بالعلماء شكلا يكفي للانتظام فعلا بسلك رجال الدين، وصولا الى إمارة المؤمنين والإمساك بناصيتهم دينا ودنيا.
في الخطاب، لا يجد عالم السوء نفسه إلا بالتحريض على الخلاف والفرقة، والحض على التعصب وإلغاء الآخر، وإلباس الأزمات بعدا دينيا ومذهبيا. ديدنه، في ذلك، استكمال معارك التاريخ مع استنباش الماضي بكل كراهياته. ومؤونته، في هذه المهمة، المزايدة وشق عصا الناس والدعوة الى النفور و»النفير». وهو، على كل حال، في اقصى التطرف حتى لو ادعى الوسطية، وفي منتهى الانحياز حين يبادر إلى وساطة، وفي ذروة التعصب مهما وضع نفسه في خانة الانفتاح.
أما في العمق، وبخلاف ما هم عليه رجال الدين المخلصون، فإن علماء السوء هم غالباً من الذين يبدأون حياتهم مهمشين في بيئاتهم الاجتماعية وفاشلين في دراساتهم الأكاديمية، فيتجهون الى المعاهد الدينية لسهولة الانتساب وحتمية التخرج. وذلك ليس بالضرورة في سبيل الدين والتدين، بل من أجل إثبات الحضور، والمكانة الاجتماعية، والترزق بقليل من الجهد والكلفة، على قاعدة أنا أرغب أن أكون «عالما دينيا»، إذًا أنا من «علماء الدين».
على أن المشكلة لا تنحصر في مشايخ السوء، بل باتباع الناس لهم مع ما هم عليه من استخفاف بعقول العامة. فالناس، الى جانب المعاهد الدينية، مسؤولون عن تخريج عالم السوء وتنصيبه شيخا في المجتمع، حيث يُطاع إن أَمَرَ، ويُنصَت إليه إن حَكَى، ويُمشَى خلفه أينما مضى، ويفسح له في المجالس، وترفع لخطبه المنابر، وتقدم من أجله النذور والأضاحي. وفوق ذلك، كل من يخالفه أو يعصي له أمراً، فهو فاسق أو كافر أو مارق.
علماء السوء، إن كانوا مع السلطة فهم وعاظ سلاطين، وإن كانوا من المعارضة فدعاة كره وتفريق. وهم في كل الأحوال لا يربطهم بالدين والعلم سوى هيئة من العلماء، تنتسب إلى المسلمين.

http://assafir.com/Article/18/389780

السابق
وأخيراً.. صفقة السلاح الفرنسي إلى التنفيذ
التالي
تلفزيون “المستقبل” ممنوع من البث في الأشرفية