ماجدة حمد ماتت.. فهل تُدفن قضيتها؟

ماتت ماجدة حسن حمد، فلا تدفنوا قضيتها. في سجلات الشكاوى دونت قضيتها تحت الرقم 5839 لدى نقابة اطباء لبنان ، وتحت الرقم 201411130942 لدى وزارة الصحة. حتى لا تكون ماجدة، الابنة والاخت وابنة العم، الناشطة في مجتمعها، والمدرّسة المجازة في مادة التاريخ، رقما مضافاً، ولا يتحول احد غيرها من بعدها رقما آخر، بل لتكون وفاتها علامة فارقة بتحقيق العدالة، والاصلاح في نظامنا الطبي – الاستشفائي.

ماجدة، (46 سنة)، التي دخلت على قدميها المستشفى في ثالث ايام عيد الفطر لاجراء عملية تصغير معدة gastric sleeve، عادت قبل يومين من عيد الاضحى جثة. قصتها يرويها 3 من ابناء أعمامها هم: طبيب انف واذن وحنجرة، طبيب مختبر، واختصاصي بالتغذية.
قبل دخول ماجدة المستشفى الحكومي في مدينتها، اودعت اختها “تحويشة” سنوات عملها الـ 25 كمدرّسة، واوصت بكيفية توزيعها في حال وفاتها، فهي كانت مؤمنة، وسبق ان ادت فريضة الحج.
لم تسر عملية ماجدة كما كان يفترض، إذ حصل خطأ، ولم ينزع الأنبوب الأنفي من معدتها، عندما ادخل الأنبوب الذي يتم على مقاس حجمه قصّ المعدة وتكبيسها، كُبس الانبوب الأنفي مع المعدة، وعندما ارادوا نزعه حصل تمزق في موضع الكبسات. واذا كان التحقيق سيحدد مسؤولية طبيب التخدير والطبيب الجراح عن الخطأ، فان الأمور تعقدت طبيا بالنسبة إلى ماجدة، واصبحت أمام أحد خيارين، اما أن يشفى الجرح الداخلي من تلقائه، واما أن تحتاج الى جراحة. و تقرر نقلها الى واحد من كبريات المستشفيات الخاصة في بيروت حيث يعمل طبيبها الجراح الذي قام بمتابعتها مع فريق من الاختصاصيين. مكثت ماجدة في هذا المستشفى شهراً، كان وضعها الصحي مستقراً تستقبل زوارها، وتحادث اختها في كندا عبر “سكايب”. لكن الرهان على عامل الوقت ليقفل جرح ماجدة اتضح انه خاسر، اذ اعلمهم الطبيب بعد مضي شهر انها غالبا ستحتاج الى عملية جراحية.
اختارت العائلة طبيباً آخر يجري العملية. وهنا حصل التطور الآخر في قصة ماجدة. إذ أفاد الطبيب أن هذه الجراحة لا تجرى على نفقة الضمان الصحي وان كلفتها تبلغ 100 الف دولار. واضاف انه يستطيع إجراءها مع فريقه نفسه، إنما في المستشفى الخاص المحاذي، بكلفة 12 إلى 15 الف دولار وبتغطية من الضمان الاجتماعي. وطمأنهم “بعد اسبوع تأخذونها عروساً”. والاسبوع في المستشفى تحول 3 اسابيع، خضعت خلالها ماجدة لعمليات “تنظيف وقص لجزء من المصران”، اذ ان صحتها كانت تتدهور نتيجة اصابتها بالتهابات، وظهرت اعراض سريرية ومخبرية، لكنها ظلت معلقة بحبال الثقة بالطبيب.
تشكك العائلة اليوم في القرارات التي اتخذها الطبيب وتردها الى العامل المادي الربحي. وتظن انه تقاضى “مقطوعة” ثمن عملية، لم تكن في حساباتها كلفة معالجة التعقيدات التي اصيبت بها ماجدة. ومقابل الظن، ففي يدها دليل على تقاضيه 12 الف دولار بايصال اعطاهم اياه كتب بخط يده، وهو ما لم يكن ممكنا في مستشفى كبير.
وبعد العملية الاخيرة في ذاك المستشفى، خرج الطبيب ليطلب منهم ان يؤمنوا لها مكاناً في المستشفى الجامعي الخاص. لكن توفير مكان لماجدة كان يستوجب من العائلة ان تدفع ايداعا، قدره 20 الف دولار، وبعد اللجوء الى وساطات نواب ووزراء جرى خفضه الى 12 الفاً اثر وساطة نيابية وطبية.
ونقلت ماجدة أخيراً الى المستشفى الجامعي الخاص، حيث امضت 6 ايام في العناية المركزة، تلقت خلالها العناية الطبية اللازمة، لكن حالتها كانت تجاوزت امكان انقاذ حياتها، فاسلمت الروح، ليبدأ الفصل ما قبل الاخير من قصتها المأسوية.
يروي ابن عمها الاختصاصي بالتغذية، انه عندما اراد اتمام أوراقها لاخراج جثمانها. فوجىء بان المحاسب يطالبهم بـ 50 مليون ليرة لمصلحة الطبيب!
وفي طريقها الى مثواها الأخير في مسقطها بعلبك، حيث سيطوى الفصل الاخير من قصة ماجدة، اصطدم موكب جنازتها برفض أهالي العسكريين المعتصمين على طريق ضهر البيدر، السماح له بالمرور. فتعين على الموكب ان يعود ادراجه ليسلك طريق ضهور زحلة. فاختتمت قصة ماجدة بملاحظة مريرة لابن عمها ان “الإنسان في لبنان لا يحترم في حياته ولا في مماته”.

السابق
 قطر تنسحب من ملف العسكريين.. والأهالي يتوعّدون السرايا بـ«الثأر»
التالي
كيف ردّ راغب علامة على تقرير الـ«أم.تي.في» القاسي بحقه؟