حسن اسماعيل.. عاش مقاوماً والطلقة الأخيرة في رأسه

حسن اسماعيل
من جبهة المقاومة الوطنية الى ادارة فرن في بلدته. إقصاءٌ قاتلٌ لمقاوم ظل على إيمانه حتّى آخر رصاصة في حياته. اطلقها على رأسه عندما سُدت الابواب بوجهه. والمسؤول ليس الحزب الشيوعي اللبناني وحده، بل مجتمع لم يكرّمه رغم مسيرته النضالية الطويلة. إنّه حسن اسماعيل. ماذا يقول عنه كل من حسّان الزين، ومحمد فرحات، وأحمد اسماعيل؟

كتب الشاعر والصحافي حسان الزين على صفحته الفيسبوكية التالي: “نتحدث عن حزننا على حسن إسماعيل، بينما اﻷجدى أن نذكر ألمه، الذي أهملناه وهو حي. نقول “نهاية رجل شجاع”، بينما الواقع هو أنه “قصة موت معلن”. وفي تغريدة له في صحيفة السفير قبل اشهر معدودة كرّمه حسان الزين بالقول: «الخاسر حسن»، وكتب التالي:
“لم تنتهِ الحربُ مع حسن إسماعيل مثلما بدأت. فالشاب الذي فرَّ مع اندلاع الحرب الاهلية (1975) من مقر وظيفته في قوى الأمن ليلتحق بالمنتفضين على «الدولة الطائفيّة»، في “جبهة المقاومة الوطنية -جمّول”، لم يعمل ليكون من أمراء الحرب الذين يستمر انتفاعهم ونفوذهم حرباً وسلماً.
حلم بدولة ديموقراطية تنظر إلى الفقراء، وهذا كافٍ لتجعله الحربُ وأمراؤها ومليشياتها هامشيّاً. قاوم الاحتلال وهذا كافٍ ليغدو أسيراً. ولم ينقل البندقيّة من كتف إلى أخرى، وهذا كافٍ ليغدو من الخاسرين.
وحسن اختار الخاسرين دائماً. اختار مَن اعتقدوا أن الحربَ ثورةٌ ونزهة. واختار من يعتقدون أن الوظيفة في الدولة خيانة للشعب وباباً للسرقة والرشوة والتسلّط. واختار من يعتقدون أن المقاومة رسالةُ حب إلى الوطن والفتاة المنتظِرة في الضيعة.
ليس الأمرُ سهلاً. مَن يفعل ما فعله حسن يدفع حياته كلّها ثمناً. حسن وأمثالُه في هذا البلد «هبلٌ». اللاطائفيّون «هبلٌ». الذين يتشبّثون بالنقاء «هبلٌ». الذين يخطئون بمصلحة أنفسهم من أجل فكرة «هبلٌ». الذين يخطئون مرّة واحدة فقط «هبلٌ». الذين يدخلون الأحزاب والسياسة والحروب فقراء ويبقون فقراء، «هبلٌ». والذين لا يتطبّعون مع الوظيفة العامة فيفسدون ويتبعون الزعيم والمذهب «هبلٌ».
وحسن من هؤلاء، ممّن تشرّدهم أحلامهم، ممّن يخسّرهم انتماؤهم، ممّن تطردهم أوطانُهم.
لستُ نادماً، لكنني زعلان عليه. ولست ألومه ولا أعارضه إذا واصل حلمه، وإذا حمى نفسه وتصلّب في مبادئه، لكنّه كبر من خيانة العمر… ويتعب كمن استنفد اللهاث، ويهاجر ويعود كمن يبحث عن حياة خبّأها تحت حجر أكلته الكسارات والحروب.
“السفير” 14/4/2014
واليوم، وبعد رحيل حسن اسماعيل يحكي حسان الزين لـ”جنوبية” فيقول: “إلتقيته بعد العام 2012 اي بعد عودته من افريقيا لمرة واحدة، ولكن تواصلنا كان عبر الهاتف. وحسن اسماعيل من الاشخاص الذين بقوا مخلصين لحزبهم الذي اختفى وهو من رهن حياته له. وبالنسبة إلى التغريدة التي كتبتها عنه في 14 آيار من هذا العام فقد اتصل مبديا نوعا من خجل عما كتبت عنه”.
واضاف حسان الزين: “لقد اخترته للكتابة عنه في تغريدتي هذه بوصفه واحدا من المتضررين من الحرب، ومن الذين دفعوا حياتهم ثمنا في الحرب، واخذته كنموذج للانسان الآدمي. فرح حسن اسماعيل بالتغريدة والنص، لكنه كان حييّا من الناس”.
وتحدث الكاتب محمد فرحات عن الراحل حسن اسماعيل لـ”جنوبية”، هو الذي كان قريبا منه أيّام المقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، وقال إنّه لم يتفاجأ بموته، كما من كانوا يرافقونه في الفترة الاخيرة: “آخر لقاء كان بيننا كان في العام 1981، هو انسان شجاع مناضل لم يخرج من البيئة اليسارية الشيوعية، وكان لا يزال يعيش الامل بهذه البيئة من بعيد”.
ويؤكد محمد فرحات انه “رغم رفضهم طلبي في جبهة المقاومة الوطنية حينها الا انه دربنيّ على القتال، وأسرت وبقيت في معتقل أنصار حيث كتبت (نداء انصار) الذي رسمه فرج الله فوعاني، وقد أخذه جورج حاوي معه الى الاتحاد السوفياتي وعرضه هناك على القيادات وذلك بفضل حسن اسماعيل”. يضيف: “وحسن ابن عائلة فقيرة، لكن فكر الحزب الشيوعي ظل الامل بالنسبة اليه، واعطى ذخيرته الحياتية من اجل الحزب، وكان مقاوما بصدق، فاستلم منطقة جزين كمسؤول عسكري، ورغم العسكرية في عمله الا انه كان محبوبا، وظل على مبادئه ولم يغيّرها وظل متعلقا بالحزب، ولم ينتقل الى اي جهة، بل ظل محافظا على عقيدته حتى النهاية، رغم وضعه الاقتصادي الصعب. وانا ألوم قيادة الحزب الشيوعي السرّاقة النصابة التي رمت المناضلين لكلاب الزمان وجعلتهم يفكرون بالبدائل”.
كما وصفه محمد فرحات بـ”الشجاع” وليس بالمنتحر: “لأنّ ذلك يعني انه جبان. فالانتحار موقف الشجعان، بل قمة الشجاعة، وحسن لا بد من القول إنّه كان كالماشي على جبل رفيع. وبرأيي الشجاعة هي التي دفعته الى الانتحار. فالبيئة التي عاش فيها تدفع الفرد الى نكران الذات، والتلوث الثقافي العام لم يعد يلائمه”، هكذا ختم محمد فرحات حديثه عن الراحل المقاوم حسن اسماعيل.
اما احمد اسماعيل، قريبه وزميله في المعتقل الإسرائيلي وفي “جمّول”، وابن العائلة ورفيقه، فقال في حديث لـ”جنوبية”: “اعرفه منذ الطفولة. كان في البداية منضويا في السلك العسكري، لكنه ترك الدرك وانضم الى المقاومة الوطنية منذ العام 1975 اي منذ بداية شبابه، وكان خلال عمله بالسلك يقوم بعمليات للمقاومة. دخل الى المعتقل بعدما قام كومندوس اسرائيلي بإلقاء القبض عليه في العام 1983 وبقي داخل المعتقل لمدة سنتين كونه كان مسؤولا عن قطاع في جبهة المقاومة. وفي العام 1985 أطلق سراحه من معتقل أنصار. وظل داخل غرفة عمل المقاومة حيث تسلّم قيادة منطقة جزين. وظل مقاوما فقاد عشرات العمليات، كما انه خطف جندياً لحديّاً في العام 1986 وبادل به عددا من الاسرى”.
ويضيف احمد اسماعيل محدّثا عن المناضل زميله: “كان محبوبا من الناس، ولكن ضاقت به الحياة ماديا، والمعيشة باتت صعبة، فسافر الى افريقيا في العام 2007 لكنه عاد ليفتح فرنا في البلدة”. وما أسس لأزمته هو أزمة الحزب الذي ترك الناس وبات غير قادر على إعانتهم. فالحزب الشيوعي بأكمله انتهى، فتحول اعضاؤه إمّا الى رجال المال والأعمال او الى الضفة الاخرى، سياسياً، لكنّ حسن اسماعيل ظلّ على مبادئه، وعلى خلاف مع جماعة الحزب ايضا، وخصوصاً بعد استشهاد جورج حاوي”.
يلفت احمد اسماعيل الى مسألة مهمة جدا وهي انه  “لم يتمّ تكريم حسن اسماعيل من قبل اي جهة”. ورغم ذلك لم يُغيّر توجهاته السياسية، وكان ضدّ اليسار الديموقراطي، ولكنه حمّل القيادة مسؤولية الترهل والفشل. كما كانت علاقته بحزب الله عادية.
هو أب لأربعة اولاد، كان يعيش المعاناة ولم يشعر به احد، ولكنه انزوى في الفترة الاخيرة وصار يفكر بوضع هذا البلد خاصة بعد أزمة الحزب الشيوعي وأزمته وهو من اوائل من قاتل اسرائيل. وعاش الضغط النفسي والمعنوي وكان حلمه قد تبعثر امامه حيث اندثرت المقاومة الوطنية وتبعثر الشباب، والمثالية التي عاشها جعلته ينزوي لوحده.
انها بحق نهاية رجل شجاع، كان يحب القراءة والادب، وكان له رأي وكان يحب الفرح رغم صمته.

السابق
من هم أبرز مشاهير العالم الذين اعتنقوا الإسلام؟
التالي
الحريري وحزب الله: لقاء الصورة