لم يكن زياد طرابلسي يدرك عندما جلس أمام شاشة الكومبيوتر للمرّة الأولى في سن الخامسة، أو عندما لاحق شغفه خلال أوقات الفراغ لإطلاق موقعه الإلكتروني الأوّل في سنّ الثامنة، أنه سيصبح يوماً ما أحد أبرز مهندسي موقع “Facebook” الذي يشغل العالم.
سارت أعوام الفتى التخصصيّة كما خطّط لها، وانتهت بحصد شهادات في عالم الإقتصاد والأعمال، لكن ما لم يكن في الحسبان، أن تتحوّل هواية أوقات الفراغ إلى مهنة مثيرة، فالخبير المفترض في شؤون الإقتصاد والأعمال انتهى مهندساً متميّزاً في واحدة من أشهر وأكبر شركات التكنولوجيا والإتصالات في العالم.
ليس زياد من المغتربين اللبنانيّين البعيدين عن أجواء البلد، عاش في لبنان وتخرّج فيه، يزوره خلال العطل وكانت آخر زيارة الشهر الفائت حين استغلّ طلاب نادي AUB Plus في الجامعة الأميركيّة في بيروت وجوده في لبنان، لينهلوا من خبرته في عالم التكنولوجيا والإتّصالات في محاضرة ألقاها في الجامعة. الجذور من بلدة مشغرة البقاعيّة، “لكن العائلة كانت تعيش دائماً في بصاليم”، هكذا انطلقت ذاكرته في سرد الجانب اللبنانيّ الصّرف من حياته.
هو من الجيل الذي ولد في أواخر الحرب اللبنانيّة ولا يتذكّرها حتماً، لكنها تركت بعضاً من آثار طيفها في شخصه كما في غيره، “كنت أسأل والدايَّ دائماً لماذا اختاروا لي إسم زياد، والقصّة المضحكة والمرعبة في آن واحد، كانت أنه خلال ولادتي في العام 1988 كان لبنان لا يزال يتخبّط بحرب أهليّة وكان الناس يقتلون على الهويّة بسبب أسمائهم الطائفيّة، لذلك اختار لي والداي إسماً حياديّاً لا يكشف عن هويّتي الدينيّة”.
من الشغف إلى الإحتراف
تابع زياد علومه المدرسيّة في الـGrand Lycée Franco Libanais في الأشرفيّة، “تخرّجت منها عام 2006. خلال الأعوام الدراسيّة كنت مغرماً بالتكنولوجيا، وأطلقت موقعي الإلكترونيّ الأوّل في العام 1996 عندما كنت في الثامنة ومن ثمّ أنشأت شركتي الأولى في العام 2001. وقد وصل الموقع إلى ذروة نجاحه في العام 2003 – وهو عبارة عن مجلة تبث أخباراً باللغة الفرنسيّة وتتعلق بتقنيّات الهواتف النقّالة – إذ بات يستقبل أكثر من 5000 زائر في اليوم ويحقّق المدخول الكبير من عائدات الإعلانات”. وأضاف: “لطالما أمتعتني التكنولوجيا منذ حداثة سنّي، ويعود إلى والدايّ الفضل في دعمي، فقد كانا مذهلان في طريقة انتباههما إلى موهبتي وقيامهما بكلّ ما يلزم لتنميتها”.
بعد التخرّج من المدرسة اختار زياد متابعة إختصاص إدارة الأعمال في الجامعة الأميركيّة في بيروت، “ومن ثمّ غادرت إلى لندن في العشرين من عمري لأتخصّص في الإقتصاد السّلوكي في London School of Economics لكنني حاليّاً أعمل في الهندسة. فقد قمت خلال هذه المرحلة بتعليم نفسي بجهد شخصي عبر الإنترنت كيفيّة القيام بالبرمجة”.
قبل ستة أشهر من حصول زياد على شهادة الماستر وقعت المفاجأة: “حصلت على وظيفة في Facebook وانضممت إلى فريق عمل الشركة بعد التخرّج فوراً، وهذه سنتي الرابعة في الشركة المثيرة جدّاً والتي تتطوّر بسرعة كبيرة، أشعر بأنني محظوظ جدّاً لأنني أعمل في شركة مماثلة”. وأضاف: “تبدّلت مهمّاتي في Facebook باستمرار منذ يوم العمل الأوّل، وأخطط حاليّاً للبقاء فيها بضع سنوات إضافيّة بعد، لأنني أرغب في الإنتقال إلى شركة أصغر”. أمّا عن سبب التخلي عن العمل في شركة مماثلة يطمح كثر للعمل فيها فقال: “Facebook” شركة كبيرة لها ثقلها وحضورها، أرغب حاليّاً في أن أكون جزءاً من شيء أصغر لم يتم تأسيسه بعد لأنني أرغب في المساهمة في بناء شيء من الصفر وإطلاقه للنجاح”.
اللبنانيون في ” Facebook”
شرح زياد لـ”النهار” طبيعة مهمّاته في الشركة: “أنا أقوم حاليّاً بكتابة تعليمات البرمجة وتطوير البرمجيّات. وأعمل على مبادرة internet.org التي نأمل أن تحلّ مسألة التكاليف والبنى التحتيّة وتساهم في محو الأميّة المعلوماتيّة وغيرها من التحديات من خلال التّواصل مع 3/2 من سكان العالم غير الموصولين بالإنترنت. لديّ إيمان راسخ بأن الإنترنت تقدم للناس الفرصة لعيش حياة أفضل، سوف نقدّم الكثير للعالم من خلال وصل الجميع بالإنترنت”.
ووفق زياد يعمل حاليّا فيFacebook نحو 20 لبنانياً، “10 منهم يعملون في دبلن حيث يقع المقر الرئيسي بالنسبة لأوروبّا والشّرق الأوسط وأفريقيا. ودبلن في الواقع هي موقع مزدهر لأعمال شركات التكنولوجيا، فقد افتتحت شركات كثيرة مكاتب لها هناك. أنا كنت ثالث لبناني ينضم إلى فريق Facebook وخبرتي كانت لذيذة وممتعة، فقد شهدت على انطلاقة الشركة ونموّها وتحوّلها شركة مذهلة ورائعة تتواصل مع 1.3 مليار إنسان اليوم”.
واعتبر زياد أنّه “من العار أن يكون للبنان مغتربون ناجحون ومزدهرون لهذه الدرجة فيما واقعنا الداخلي مقلق وضعيف. من المؤسف أنّ الغالبيّة الساحقة من زملائي في المدرسة باتوا يعيشون في الخارج، إنّ هجرة الكفاءات مستمرّة في لبنان منذ قرون، وآن الأوان لحلّها بشكل نهائي. علينا كلبنانيّين أن نطمح إلى العيش ضمن معايير عالية وأن نتمسك بها ونبدأ بالتغيير، لا بل أن نكون نحن التغيير الذي نريد أن نراه حقيقة في وطننا. على الناس أن يكونوا جزءاً من الحل وليس المشكلة”.
وتوجّه زياد إلى شباب جيله وشباب لبنان الصاعد بالقول إنّ “العامل الأوّل الذي يحدّ من نمو الفرد ونجاحه وتطوّره هو الفرد بذاته. أشجّع الجميع على القيام بما يمتعهم وأن يلحقوا بشغفهم. أخرجوا من الرتابة والروتين الذي يريحكم أو ما يسمّى بالـComfort Zone، وانطلقوا في رحلة تتحدّون فيها ذواتكم لتكونوا ما تحلمون به وما تطمحون إليه”.
ومع سؤاله عن بعض الحيل التي تخرق الخصوصيّة على Facebook أكّد ضاحكاً: “ما من طريقة على الإطلاق يمكن أن تكشف عمّن يقوم بالإطلاع على حساب أحدهم أو يراقب صوره ونشاطاته، فهذه كانت أحد الشروط الأساسيّة لتأسيس الشركة”.