«المحكمة الخاصة»: روايات واتهامات سياسية وجنائية

كلما توسع النائب مروان حمادة في إفادته السياسية أمام غرفة الدرجة الاولى لدى المحكمة الخاصة بلبنان، كلما زادت الاسئلة لدى المتابعين القانونيين حيال بعض الروايات والمواقف التي يسقطها النائب حمادة على الاحداث اللبنانية بدءاً من العام 1975.

وقد حاول النائب حمادة ان يحمّل الجانب السوري مسؤولية نشأة الحرب الأهلية في لبنان، ويسقط بالمقابل أدواراً لجهات إقليمية أخرى. كما اتهم وأوحى بارتكاب «جهات لبنانية» لجرائم، من دون ان يقدّم أدلّة على ذلك، ما حّول الغرفة الى منبر لإطلاق التهم السياسية والجنائية، بما يتناقض مع ادنى معايير العدالة الجنائية وفقا لما نص علية القرار الدولي 1757.
وفي معظم الروايات السياسية، أضاء النائب حمادة على جانب من الاحداث وأغفل جوانب اخرى، فاتهم سوريا بإثارة النعرات الداخلية وبأنها وراء كل ما جرى في لبنان، ثم نسب الى الجانب السوري اتهامه بعض الاحزاب المسيحية بالعمالة لاسرائيل، متجاوزا الوقائع التاريخية التي كان أهمها الاجتياح الاسرائيلي في العام 1982.
كلام سياسي سيستولد كلاما سياسيا آخر، واتهامات سينتج عنها اتهامات مضادة، ستدخل لبنان في نفق الانقسام في الوقت الذي يسعى العقلاء لمزيد من وحدة الموقف لمواجهة التحديات الأمنية الراهنة.
واللافت ان العديد من الاتهامات جرت من دون ان يعترض احد من قضاة الغرفة، على قاعدة «التقييم اللاحق للشهادة»، الأمر الذي دفع بالعديد من الأوساط القانونية المتابعة للتساؤل ما اذا كانت الغرفة ستسمح لفرق الدفاع باستدعاء شهود للإدلاء بإفادات مشابهة.
وتقول اوساط متابعة ومعنية لـ«السفير» إن الدفاع قد لا يعتمد التورية السياسية، بل سيعمل وفق معايير العدالة الجنائية، فيتم التدقيق بصحة ما رواه الشاهد حمادة جنائيا وليس سياسيا، مع حقه في استدعاء العشرات ممن وردت اسماؤهم خلال الإفادة لهذه الغاية.
وعلمت «السفير» ان مكاتب قانونية، وبتكليف من اصحاب العلاقة، بدأت تدرس فرص مقاضاة حمادة امام القضاء اللبناني او امام المحكمة الخاصة نظرا لما تضمنته شهادته من تشهير وتهكم ونسب افعال جرمية.

وقائع الجلسة

ولّدت الرواية الأحادية التي عرضها النائب حمادة، امس، الكثير من الاسئلة البديهية لدى القاضيين دايفيد راي ونيكولا لتييري من دون ان يتمكنا من الوصول الى أجوبة حاسمة.
استهل النائب حمادة سرده لبعض الوقائع بالاشارة الى ان الرئيس الحريري عاد يوم 26 اب من العام 2004 من دمشق الى منزل النائب وليد جنبلاط مباشرة، «وكان مكفهر الوجه، شعره منكوش ويتصبب عرقا. اغلق باب سيارته وتوجه الينا بالقول: يريد لحود ولا احد غير لحود. وكان يقصد الرئيس بشار الاسد».
اضاف: الحريري كان ينوي ان يناقش مع الرئيس السوري خيارات اخرى اقل وطأة على لبنان وسوريا نظرا لما كان يُحضّر في مجلس الامن، وقال: «الاسد استقبله على الواقف ولم يدعوه للجلوس، وبقي يتحدث معه عشرة دقائق (مونولوغ)»، ناقلا عن الاسد قوله: «انتم تعتقدون انكم تستطيعون املاء رئيس جديد على لبنان، انتم مخطئون، لانكم تغفلون باننا نحن من يستطيع ان يحسم هذا الخيار وليست فرنسا ولا الولايات المتحدة الاميركية».
وتابع حمادة: «عندما حاول الحريري مناقشة الاسد بذلك، حسم الاخير النقاش وقال: لحود هو الخيار، واذا عارضتم سأدمّر لبنان على راسك وراس وليد جنبلاط، فالافضل ان تذهب الى بيروت وترتب اوضاعك على هذا الاساس».
اضاف حمادة: «نبرة الاسد كانت صارمة وقاسية.. لقد تفاوتت الاراء حيال عبارة الرئيس الاسد، لم يعتمد احد التفسير التراجيدي والتهديد المباشر بالقتل». وقال إن جنبلاط نصح الحريري بتفادي المواجهة مع الجانب السوري، قائلا له: «انا يا ابو بهاء بحملها، بحمل التهديد، سبق ان اقترفوا بوالدي شيئا مماثلا، وهذا جزء من مناعتي، في الجبل استطيع ان احفظ نفسي». فعقب الحريري، بحسب حمادة، «ولكن يا وليد قال لي الاسد انه سيطالك حتى عند الدروز»، فرد جنبلاط: «انت يا رفيق معرّض اكثر، ونصيحتي لك ان تتجاوب مع الاسد ثم تقدم استقالتك وتغادر البلاد».
وعما اذا كان ثمة خلاف سعودي ـ سوري يتصل بالازمة الناشئة، قال حمادة: «لم يكن للسعوديين مرشح في لبنان، لكن امر الرئاسة قد تجاوز الحدود اللبنانية».
وسأل القاضي لتييري: لماذا برز الشعور الوطني لدى الحريري في العام 2004 وهو كان رئيسا للوزراء مدة عشر سنوات (92-98) و (2000-2004)؟
فاجاب حمادة: «العلاقة بين الحريري ودمشق كانت طبيعية. المسألة ليست شعور وطني، بل تطبيق اتفاق الطائف. فمنذ 98 تدهورت العلاقات عندما ابعد عن الحكم، ثم جاءت وقائع العام 2000 ولغاية 2004 لتشهد المزيد من التأزم»، فاستوضحه لتييري: تعني ان التوتر حصل على مراحل تدريجية؟ فرد بالايجاب.
وعن فهم الرئيس الحريري لتهديدات الاسد، قال حمادة: «كان عليه أن يتماشى مع الخيارات السورية بانتخاب لحود الذي يشكل آداة القرار السوري للقبض على لبنان، وكنا نرى ان بشار خرج من حلف الاجماع العربي ليلتحق بحلف مع طهران».
أضاف: «كان الرئيس الحريري مقتنعا بأن خيمة عربية واقليمية قادرة على توفير الحماية له، كالعلاقة مع دول الخليج ومصر، الى جانب مكانته الدولية».
واشار حمادة الى العلاقات القوية التي كانت تربط الحريري برؤساء العالم، «حيث كان يتولى في كثير من الاوقات مهمات بالنيابة عن دول عربية، وعن سوريا تحديدا، ولعب دورا في رفع تهم الارهاب عن سوريا، فهو رتب عدة زيارات لرؤساء دول الى دمشق، كما نسق زيارة بشار الاسد الى باريس قبل ان يصبح رئيسا، وأصرّ على صديقه شيراك ان يحضر جنازة حافظ الاسد كمقدمة لفتح صفحة جديدة مع بشار الواعد».
وأعرب حمادة عن اعتقاده انه «عندما كانت تشعر سوريا بأن قبضتها على لبنان قد ضعفت، تلجأ الى اثارة المشاكل بين الجميع، فتارة بين الفلسطيني والمسيحي وتارة بين المسلم والمسيحي واخرى بين المسيحيين انفسهم واتهامهم بانهم عملاء، وكل ذلك كان بواسطة حلفائهم وعملائهم في لبنان». وفي تفسيره لعبارة «سأدمر لبنان» قال حمادة: «لو تمكنا من تعطيل النصاب لكانت الاستهدافات الأمنية قد طالت الحريري وجنبلاط والمناطق المحسوبة على نفوذهما من خلال تفجيرات واغتيالات وعمليات ثأرية واحتمالات اخرى موجودة في قاموس النظام السوري منذ 1975».
وأشار حمادة الى ان وزير الخارجية انذاك جان عبيد تعمّد الغياب عن جلسة مجلس الوزراء «رغم الاتصالات المتكررة به من قبل اللواء رستم غزالي، فيما بقي محضر الجلسة مفتوحا حتى حضر (الرئيس) فؤاد السنيورة متاخرا ليضاف اسمه الى المحضر».
وقال ردا على سؤال إن الرئيس الحريري غادر الى سردينيا حيث تعرض الى حادث تسبب في كسر بكتفه، نقل على اثرها الى نيس للمعالجة، وردا على سؤال لكاميرون ما اذا كان قد عرف مسبقا بقرار مجلس الامن 1559 فرد بالايجاب، مضيفا «هذا ما يفسر، على الارجح، لماذا قال الاسد إن فرنسا واميركا لن يفرضا علينا رئيسا للبنان». واشار حمادة الى ان «السلاح بقي يتدفق الى الميليشيا الوحيدة المتبقية في لبنان بحجة المقاومة»، ولفت الى ان «سوريا حصرت السلاح بيد حزب الله ومنعت بالقوة فصائل اخرى من العمل المقاوم وجرى اغتيال عدد من قادة تلك الأحزاب كالشيوعي والقومي وحركة امل»، وعن علاقة سوريا بـ«حزب الله»، قال حمادة: «ليس ادلّ على عمق العلاقة ما يحصل اليوم في سوريا، فالحزب هو من يدافع عن النظام السوري في سوريا». واستعاد حمادة وقائع جلسة مجلس النواب المتصلة بإقرار قانون التمديد وما تلاه من سلسلة إغتيالات طاولت النائبان بيار الجميل وانطوان غانم وجورج حاوي».

السابق
نحن القتلى من دون أسماء
التالي
الشرطة المصرية اعتقلت قيادياً «إخوانياً»