لماذا تُكرّر إيران دور عبد الناصر في اليمن؟

عندما كان الملك عبد العزيز يحارب من أجل رسم الحدود النهائية للمملكة العربية السعودية، قام الامام يحيى بتحريض القبائل ضده بأمل الحصول على مكاسب سياسية من المشكلات القائمة بينهما.

يقول المؤرخون إن مرحلة الكرّ والفرّ طالت كثيراً بحيث إضطر العاهل السعودي الى إرسال قوات إضافية بهدف إستعادة الأراضي التي إستولت عليها قوات الامام (21-3-1943م).
وبعد صدامات متواصلة تخللتها مفاوضات شاقة، إشترك فيها مستشار الملك السفير اللبناني الأصل فؤاد حمزة، قررت السعودية إقتحام الجبهات الساحلية والجبلية معاً. وكان من نتائج ذلك الهجوم أن سقطت مدينة “الحديدة”، المطلة على البحر الأحمر، والتي دخلها الأمير فيصل بن عبدالعزيز بعدما إستقبله أهلها باعلان الطاعة. وقد اضطرته الظروف الأمنية الى إختيار سلطة محلية تدير شؤونها، الأمر الذي فرض عليه تمديد فترة بقائه في ذلك المكان الخطر.
وروى فيصل عندما صار ملكاً أن والده خشي عليه في حينه، من مكيدة يدبرها الامام يحيى. لذلك أبرق له منبهاً الى خطورة البقاء في “الحديدة.”
وكما رسم الملك عبدالعزيز في “الحديدة” خطاً أحمر يحظر على الخصوم تجاوزه… كذلك حذرت الرياض من خطورة تجاوز هذا الخط الذي تشترك في حمايته مع مصر والسودان وارتريا وجيبوتي.
وحول مسؤولية مصر في هذا المجال، أعلن قائد القوات البحرية، الفريق أسامه الجندي، أن بلاده تراقب باهتمام تطورات الموقف في اليمن، وتأثيرها على مضيق باب المندب.
وقال أيضاً: إن قوات البحرية المصرية مستعدة دائماً لحماية المياه الاقليمية والسواحل المؤدية الى قناة السويس.
الادارة الاميركية آثرت الاعلان عن دعم حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، لأنها ترفض الانحياز الى أي من القوتَيْن المتحاربتين في اليمن: جماعة “أنصار الله” الحوثية… وتنظيم “القاعدة” المرتبط سياسياً بجبهة أسامه بن لادن.
ويرى الرئيس باراك اوباما في انتصار أي منهما فرصة للقفز في اتجاه الصومال، البلد الذي ينشط فوق شواطئه المحاذية لليمن قراصنة “الشباب” التابعين للمحور الايراني.
وخطة الاستيلاء على الصومال وُضِعت عقب انتهاء ايران من الحرب مع العراق، وانحسار زخم ثورة الخميني. وقد خضعت تلك الخطة لتوجيهات مرشد النظام علي خامنئي، الذي أسس لنظام عملها مواقع متقدمة في لبنان (حزب الله) وسوريا (نظام الأسد) والعراق (المالكي وزعماء الشيعة) وفلسطين المحتلة (حماس) واليمن (أنصار الله).
وعندما أعلنت طهران عن سيطرتها على أربع عواصم عربية، إنما كانت تعبر عن هيمنتها المباشرة، وغير المباشرة، على مفاتيح الحكم في دول تمتد من البحر الأبيض المتوسط الى خليج عدن وباب المندب.
وكما بررت منظمة التحرير الفلسطينية تحكمها بمفاصل الدولة اللبنانية طوال فترة السبعينات بالقول: “طريق القدس تمر في جونيه”… كذلك ردد الشعار ذاته علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى، معلناً: “إن طريق تحرير فلسطين تمر في اليمن.”
وكان الامام الخميني أول مَنْ أطلق هذا الشعار إبان الحرب مع العراق، يوم شدد على القول: “إن طريق القدس تمر عبر كربلاء.”
يُجمع المحللون على القول إن ايران في هذه المرحلة تستغل الوضع الدولي المرتبك لتحقق من خلاله سلسلة إنجازات إقليمية.
والوضع كما وصفه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بلغ الحضيض بالنسبة للعلاقات الروسية – الاميركية. وهو يتوقع مزيداً من التدهور لفترة طويلة بحيث يضطر اوباما الى مراجعة مواقفه في ضوء الأزمات السياسية المفتعلة.
وبسبب إنشغال واشنطن وموسكو بضبط إيقاع خلافهما المستحكم، إستطاعت طهران أن توظف علاقاتها الحسنة مع الدولتين الكبيرتين بطريقة أنعشت سياستها في العراق، وسرَّعت مغامرتها في اليمن. ولم يكن إستقبال مرشد الجمهورية الايرانية يوم الثلثاء الماضي لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، سوى مؤشر على قبول عضو جديد في “بيت الطاعة.”
ومن المؤكد أن هذا القبول مشروط بتنفيذ الاداء المطلوب بالتنسيق مع طهران، وبالتعاون مع نوري المالكي.
أما زيارة وزير الدفاع اللبناني سمير مقبل لطهران، فقد حققت غايتها على الصعيد الاعلامي من دون أن تحرج حكومة الرئيس تمام سلام. خصوصاً أن الهدف من عرض هبة التسلح للجيش النظامي كان مجرد التشويش والمزايدة على الهبة السعودية. مثلما كان للتدليل أيضاً على أن دعم ايران لـ “حزب الله” لا يمنع دعمها للجيش اللبناني. علماً أن الحكومة الايرانية كانت تعرف جيداً أن القرار الدولي 1747 لا يسمح لها بتصدير الأسلحة أو نقلها الى دول أخرى.
الهبة الايرانية وجدت في اسرائيل مَنْ ينتقدها قبل أن تقدم قيادة الجيش في اليرزة قائمة بالأسلحة المطلوبة. وكان الاعتراض محصوراً بأهمية إنتقاء سلاح دفاعي لا يهدد أمن اسرائيل، ولا يشكل خطراً على ترسانتها الهجومية.
ويبدو أن لبنان كان يحرص دائماً على مراعاة هذا الهامش المحظور، بدليل تحفظ الرئيس ميشال سليمان على قبول هبة الرئيس الروسي بوتين. وكان عرضه محصوراً بست طائرات حربية تتولى حماية الفضاء اللبناني الذي تخترقه يومياً الطائرات الاسرائيلية.
والثابت في هذا السياق أن العلاقات اللبنانية – الايرانية قد تعرضت لسلسلة نكسات سياسية قبل أن تستقر على حال ثابتة.
وكان ذلك خلال المرحلة الأولى من عمل حكومة رفيق الحريري (1992-1995). أي عندما نشطت أجهزة الدولة في عهد الرئيس الياس الهراوي بهدف إسترداد نفوذها وهيبتها بعد حرب طاحنة إستمرت خمس عشرة سنة.
ولوحظ في حينه أن الوفود الايرانية الآتية الى لبنان عبر سوريا كانت تتجاهل مكتب الأمن العام في منطقة “المصنع” حيث ينتظرها ممثلون عن “حزب الله.”
ولما ازدادت شكاوى موظفي الأمن العام، إستدعى وزير الخارجية فارس بويز القائم بأعمال سفارة ايران، وطلب منه إبلاغ وزير الخارجية علي أكبر ولايتي استياء الحكومة اللبنانية لخرق سيادة بلد صديق يبادلكم العلاقات الديبلوماسية.
وبالعودة الى الانقلاب الذي تبنته ايران بواسطة الحوثيين، يرتفع سؤال قديم طرحه العرب عقب الانقلاب الذي شجعه جمال عبدالناصر في اليمن بواسطة عبدالله السلال (1962).
وكانت غاية عبدالناصر من وراء ذلك الانقلاب تطويق المملكة العربية السعودية، واستخدام اليمن كجسر للعبور الى موقع القوة في النظام الغربي الذي يتهدد النظام الناصري. أي موقع شرايين الدم الأسود الذي يغذي الصناعات الغربية.
بعد إنقضاء نصف قرن تقريباً، تبدلت أولويات دول المنطقة، بحيث لم تعد ايران بحاجة الى نفط الخليج مثل عبد الناصر. كما أن الحرب الباردة تجاوزت دوافع الحرب الباردة السابقة التي كانت تفرز الأزمات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
الخلاف اليوم هو خلاف مذاهب وطوائف وايدولوجيات متطرفة. ومن خلال هذه الرؤية يمكن تفسير اهتمام ايران باليمن والصومال ومدى الاعتماد عليهما لاحداث إختراق يضمن هيمنتها على المنافذ الاستراتيجية البحرية مثل باب المندب ومضيق هرمز. كما يضمن بالتالي زعزعة أمن دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد على السعودية ومصر لتوفير إستقرارها الاقليمي. ومعنى هذا أن دور الحوثيين في اليمن سيكون مساوياً لدور “حزب الله” في لبنان، الذي يضمن سيطرته على سياسة الدولة… ويؤمن الدفاع عن النظام الحليف في سوريا… ويردع اسرائيل في حال قررت ضرب ايران.
لهذه الأسباب وسواها إستقبل وزير خارجية ايران السابق، ومستشار المرشد الأعلى، علي أكبر ولايتي، الوفد الحوثي الذي زار طهران بشعار “طريق تحرير فلسطين تمر عبر اليمن.”
هذا علماً أن ايران التي تملك أكبر كمية من الصواريخ العابرة ترددت في إطلاقها على اسرائيل أثناء الغارات القاتلة على غزة، عاصمة حليفتها “حماس”… بينما أطلق صدام حسين 39 صاروخاً اعتبرها كافية لاقناع اسرائيل بأن طريق القدس تمر في بغداد…

http://newspaper.annahar.com/article/183305

السابق
ارتفاع حدة الاشتباكات بين الجيش والارهابيين في باب التبانة
التالي
ميراي ماتيو تغني لمناسبة اليوبيل الذهبي لانطلاقتها