التفاصيل الكاملة لعملية «البزة العسكرية» في الضنية

كتبت “السفير” تقول : لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثالث والخمسين بعد المئة على التوالي.
أول الغيث الأمني ضد الإرهاب شمالاً جاء فجر أمس من الضنية، حيث نجحت قوة من مديرية مخابرات الجيش في تنفيذ عملية عسكرية دقيقة، ضد مجموعة إرهابية لبنانية ـ سورية في بلدة عاصون، فقتلت ثلاثة من عناصرها، وألقت القبض على المطلوب أحمد سليم ميقاتي.

وشكلت العملية رداً صريحاً على الأصوات التي نفت وجود مجموعات إرهابية أو “خلايا نائمة” في منطقة الشمال، كما أنها كشفت قدرة تلك المجموعات على التغلغل في بعض القرى من دون أن تثير الشبهات، بدليل استئجار الشقة قبل أكثر من أسبوعين بعد إقناع صاحبها بأنها مقر إقامة في فصل الخريف لممارسة الصيد البري في جرود الضنية!

وتؤكد هذه العملية أن ثمة منظومة إرهابية متكاملة قد تكون مرتبطة بالتنظيمات المتطرفة (“كتائب عبد الله عزام”، “داعش”، “النصرة” أو غيرها) تعمل على تنظيم هذه المجموعات ودعمها بالمال والسلاح، وهي تصطاد ضعاف النفوس ضمن الجيش اللبناني وتعمل على غسل أدمغتهم وإغرائهم لإعلان انشقاقهم.

وبحسب معلومات أمنية فإن الجندي المنشق عبد القادر الأكومي كان من ضمن المجموعة في عاصون، وقد قتل خلال المواجهة وتفحّمت جثته، وعثر في الشقة التي تمّ اقتحامها على أغراضه الشخصية وبزته العسكرية والسلسلة التي يعلقها في رقبته وتتضمّن اسمه ورقمه وفئة دمه، فضلاً عن عدد من الأحزمة الناسفة، وهذا الأمر طرح علامات استفهام حول ما إذا كان يتم تجهيز الأكومي نفسه بحزام ناسف أو استخدام بدلته من خلال انتحاري آخر، في إطار التحضير لعمل أمني يستهدف الجيش عبر تفجير إحدى حافلاته أو تجمعاته.
وعلمت “السفير” أن مخابرات الجيش طلبت مساء أمس من والدة الأكومي التوجه الى مركز الشرطة العسكرية في القبة لإجراء فحص الحمض النووي لمطابقته مع فحوص الجثة المتفحمة.

وساهمت هذه العملية في حل لغز الأفلام التي تبث على مواقع التواصل الاجتماعي حول انشقاق العسكريين وكيفية وصولهم الى “جبهة النصرة” في جرود عرسال، فتبين أن المجموعة استقبلت أكثر من عسكري منشق مؤخراً في شقة عاصون وعملت على تصوير أفلام انشقاقهم.

هذه العملية تطرح أسئلة كثيرة حول وصول هذه المجموعة الى عاصون؟ وكيف تمكنت من نقل كل هذه الكميات من السلاح والمتفجرات الى الشقة؟ وهل وجودها في عاصون كان مقراً أو ممراً نحو مناطق أخرى؟ وهل هذه المجموعة تعمل بمفردها أم أنها مرتبطة بمجموعات أخرى تتحصّن في جرود الضنية أو عكار؟

في المعلومات الأمنية أن هذه المجموعة بالتعاون مع لبنانيين وسوريين في جرود الضنية، كانت تتطلع الى استعادة سيناريو أحداث الضنية مطلع العام 2000، وكانت تنتظر الإشارة لتنفيذ عملية أمنية كبيرة ضد الجيش وفي توقيت غير بعيد.

ماذا حصل في عاصون؟

بنتيجة تحليل الشريط الذي جرى بثه على مواقع التواصل الاجتماعي لانشقاق الجندي الأكومي، تبين أن مصدره الأساسي هاتف خلوي في جرود الضنية، ونتيجة الرصد تبيّن أنه في بلدة عاصون، وبدأت التحريات لمعرفة مكان وجود الهاتف وصاحبه، وتمّ تحديد الشقة الموجودة ضمن بناء قيد الإنشاء قرب مستشفى عاصون الحكومي، وتبيّن أن مجموعة من سبعة أشخاص تتحصّن فيها، وتم تحديد الساعة الصفر لتنفيذ العملية عند الخامسة والنصف فجراً.

وفي الوقت الذي دخلت فيه القوة الضاربة بلدة عاصون بمؤازرة قوة من اللواء العاشر، كانت الوحدات العسكرية تضرب طوقاً أمنياً حول البلدة، وتنفذ انتشاراً واسعاً على طول طريق الضنية وعند مداخل البلدات، تحسباً لأي خلية قد تنشط دفاعاً عن المجموعة المستهدفة، أو تشكيل مؤازرة لها.

وعند الخامسة والنصف فجراً اقتحمت القوة الضاربة الشقة وجرى اشتباك بالأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية لنحو نصف ساعة من الزمن، وأسفرت المواجهات عن مقتل شخصين أحدهما عادل العتري من المنية، وآخر لم تعرف هويته بسبب تفحم جثته ويرجّح أن يكون الأكومي، كما أصيب شخص ثالث مجهول الهوية بجروح خطيرة ما لبث أن فارق الحياة خلال نقله بسيارة عسكرية الى بيروت، فيما تحدّث مصدر أمني مطلع “عن تمكن أحد المسلحين من الفرار بعد ان اصيب في يده، وهو يعالج في احد الامكنة”.

وعند السابعة صباحاً وبينما كانت الوحدات العسكرية تقوم بتمشيط المنطقة عثرت على أحمد سليم الميقاتي مختبئاً في أرض زراعية، فتم توقيفه ونقله الى وزارة الدفاع، حيث بوشرت التحقيقات معه، فيما فرّ ثلاثة من عناصر المجموعة عبر الأراضي الزراعية الى جهة مجهولة.

كما ضبطت الوحدات العسكرية في الشقة أسلحة خفيفة ومتوسطة، وذخائر متنوعة وقاذفات ورمانات يدوية وأحزمة ناسفة ومواد متفجرة وقذائف هاون مفرغة وجاهزة لتجهيزها كعبوات ناسفة وأعتدة عسكرية مختلفة.

وبحسب مصدر أمني واسع الاطلاع، فإن التحقيق الاولي مع احمد ميقاتي بيّن انه كان على اتصال من هاتفه الخاص بشكل مستمر بأحد النواب الشماليين، ممن عرفوا بالتطرف و”الأحلام المقدسة”، وكان ينسق معه عبر “الواتساب” ويرسل له فيديوهات عن انشقاقات الجنود من الجيش.

وكشف المصدر أن قيادة الجيش ستتخذ الإجراءات القانونية والقضائية المناسبة بما فيها الطلب الى مجلس النواب رفع الحصانة عن النائب المذكور تمهيداً لاستجوابه في القضية.
وقال المصدر لـ”السفير” إن عملية إلقاء القبض على ميقاتي “كانت نظيفة جداً بالمعنى الأمني ونفذها محترفون”. وأشار الى ان ميقاتي وضع قيد المتابعة والرصد، إلى أن أمكن تحديد موقعه في احدى الشقق التي كان يتردد اليها، وقد تم صرف النظر أكثر من مرة عن مداهمتها أثناء تواجده فيها، خشية وقوع خسائر في صفوف المدنيين، “خصوصاً أن الشقة المذكورة تقع ضمن بيئة يتحرّك فيها ميقاتي بسهولة فضلاً عن ان الهدف الاساس الذي وضعته المخابرات هو إلقاء القبض عليه حياً”.

وقال المصدر إنه قبيل ساعات قليلة من “الساعة الصفر”، تلقت مديرية المخابرات اشارة بأن الظرف مؤاتٍ لتنفيذ العملية، فأعطى قائد الجيش العماد جان قهوجي الضوء الأخضر، فألقي القبض على ميقاتي من دون مقاومة تذكر، ما خلا إصابة طفيفة تعرّض لها احد العسكريين.

الجيش: سجل حافل لأحمد ميقاتي

واعلنت قيادة الجيش اللبناني في بيان أن “قوة من مديرية المخابرات نفذت عملية أمنية دقيقة في منطقة الضنية، بعد رصد مكان وجود الإرهابي أحمد سليم ميقاتي”. وأشارت الى أن “الإرهابي الموقوف الملقب بأبي بكر، وأبي الهدى، هو من مواليد العام 1968، وقد بايع مؤخراً تنظيم “داعش” ويعتبر من أهم كوادره في منطقة الشمال، وقام بإنشاء خلايا مرتبطة بالتنظيم في المنطقة، وكان يخطط لتنفيذ عمل إرهابي كبير بالتنسيق مع ابنه عمر الذي يقاتل مع تنظيم “داعش” في جرود عرسال، بالإضافة إلى تواصله مع قياديين في التنظيم داخل الأراضي السورية، وأرسل مؤخراً شباناً لبنانيين للانضمام إلى “داعش” في جرود القلمون وبينهم ولده عمر، الملقب بأبي هريرة، وابن شقيقه بلال عمر ميقاتي، الملقب بأبي عمر ميقاتي المتورّط بذبح الرقيب أول الشهيد علي السيد، كما قام بتجنيد عدد من العسكريين للانضمام الى صفوف داعش”.

وأوضح الجيش أنه “إثر أحداث طرابلس صدرت بحقّ ميقاتي مذكرة توقيف لتورّطه في الاشتباكات التي حصلت بين باب التبانة وجبل محسن، حيث كان يقود مجموعة مسلحة من عشرات المقاتلين أنشأها بعد خروجه من السجن في العام 2010، بعدما كان قد أوقف في العام 2004 لقيامه بالتخطيط لاعتداء إرهابي ضد مراكز ديبلوماسية ومصالح أجنبية”.
وأوضح الجيش أن اسم أحمد ميقاتي “ارتبط بتفجير مطاعم الماكدونالدز العام 2003، وسبق له أن شارك في المعارك التي حصلت في الضنية أواخر العام 1999 ضدَّ الجيش، حيث كان منتمياً حينها إلى جماعة التكفير والهجرة، وفرّ بعد انتهاء المعارك إلى مخيم عين الحلوة”.

وفي نشرة توجيهية للعسكريين، امس، أكدت قيادة الجيش تمسكها بتحرير العسكريين بالسبل المتاحة كافة، مع رفضها الخضوع لأي ابتزاز. واعتبرت “أن ولاء العسكري لمؤسسته هو ترجمة فعلية لولائه لوطنه وشعبه”، مؤكدة أن “لا مكان في صفوف المؤسسة للخارجين عن هذا الولاء أو المتقاعسين في أداء واجباتهم، فالجيش بغنى عن خدمات أي عسكري يتخاذل أو ينكث بقسمه ويخون رسالته” .

السابق
جريح صدما على اوتوستراد دوحة الحص الناعمة
التالي
«العلويون» يتخلون عن الأسد