«متحف منير أسعد كسرواني» تحية للذكرى وللتراث

في الغرب تحوّل الحكومات بيوت فنانيها الكبار متاحف لما يمثلونه من تاريخ حضاري لبلدانهم. في لبنان الفنان المسرحي منير كسرواني يحوّل مصنع والده الصغير لأدوات الزراعة في بلدة “العيشية” متحفاً تراثياً يعكس جوانب من تاريخ الجنوب وتراثه.

أنشأت هذا المتحف بجهد ذاتي انطلاقاً من دكان والدك الصغير. ماذا كان في هذا الدكان؟
كان فيه كل ما يتعلّق بدراسة القمح، وبالريجيدي (نقل القش من الحقل إلى المنزل على ظهور الحيوانات) وبأدوات الحصاد التي كان والدي الحداد يصنعها. لذلك أسميت المتحف “متحف منير أسعد كسرواني” تخليداً لذكراه وتحية لروحه ولروح والدتي.
وما كان دافعك إليه؟
صممت على إنشاء هذا المتحف لأني تربيت فيه، وكنت أساعد أبي بالعمل، فكنت أنفخ النار في الفرن لصهر المعدن الذي كان عمي الياس يساعد في دقّه، لكن أبي هو من كان يقوم بالمهمات الصعبة والدقيقة.
هل تسعى بذلك الى نوع من حفظ التراث؟
أكيد، فالمتحف يحتوي أيضاً على الأدوات التي كانت تستخدم قديماً وأصبحت تعرض في المنازل، كالقناديل القديمة والمناجل. وإضافة إلى صناعات والدي، هناك قسم عن مراحل حياتي الفنية يضم ملابس الفنانين وأكسسواراتهم والماسكات التي كنت أعود بها من جولاتي في بلاد العالم، وأفيشات مسرحياتي وأعمالي مع الرحابنة ومنير أبو دبس وريمون جبارة، ومراسلاتي، والجوائز والدروع التي نلتها، كما أن هناك مجموعة نادرة من صور فوتوغرافية ورسوم قديمة.
وماذا عن الفرع الخاص بالمأكولات الطبيعية والتراثية؟
هذا الفرع تهتمّ به شقيقاتي وهو مخصّص للمأكولات الطبيعية، التي تنتجها أرضنا كالزعتر والسماق وعصير الرمان والبندورة والمربى وماء الزهر والعرق واصناف كثيرة أخرى.
هل تلقيت مساعدات لإنشاء هذا المتحف، وماذا كان دور وزارة الثقافة؟
مبدئياً، ساعدني أهل البيت، كما أحضرت عمالاً خبراء استبدلوا الباطون بالحجر القديم ليبدو متحفاً تراثياً تماما. اتصلت بوزارة السياحة فكان الجواب أن ذلك ليس من اختصاصها، لكني لا أزال أنتظر رداً من وزارة الثقافة لأني حريص أن يكون الإفتتاح برعاية وزير الثقافة الأستاذ ريمون عريجي.
أي أهمية لهذا المشروع في نظرك؟
عدا أهميته التراثية، يعكس هذا المشروع العلاقة الإستثنائية التي كانت تربطني بأبي. جلت في أوروبا ووصلت إلى أستراليا، وكنت أزور متاحف من هذا النوع، وأحياناً أقلّ شأناً. إني أرى أن ما فعلته شيء جميل، فلدينا جرار عمرها مئة عام، وخوابي زيت ونبيذ وعرق، وأدوات نحاسية.
لكن ماذا عن تمويل هذا المشروع المكلف؟
تعبت في تكوين المتحف ومحتواه، حتى أني لجأت الى الإستدانة من الأصدقاء الذين أشكر صبرهم علينا. كما أنوّه باهتمام مجلس الجنوب الذي ساهم، مشكورا، بمبلغ 18 مليون ليرة، وهو مبلغ يبقى قليلاً على متحف مثل هذا تطلب أشغالا دقيقة ومكلفة. وثمة أناس كثر قدموا من دون مقابل قطعاً أثرية عمرها مئة عام وأكثر، وآخرون قدموا أعمالا فنية مجاناً، وهذا أمر أسعدني جداً.
وهل تنوي تقديم نشاطات فنية في هذا المتحف؟
طبعاً، في البلدة باحة جميلة يمكنها استضافة النشاطات الفنية والرياضية المتنوّعة، فالمنطقة تحتاج إلى مثل هذا المشروع لأن الجنوب ليس فقط نهر الليطاني أو قلعة الشقيف.
وهل “اختطفك” هذا المشروع من نشاطك المسرحي؟
قليلاً، فأنا أقدّم حالياً مع طلاب جامعة LIU عملاً مسرحياً للصغار تحت عنوان “عيد الشتي” عن تدمير الإنسان للطبيعة. كتبنا النص وأخرجته وافتتحنا العمل الذي سيجول في المناطق اللبنانية انطلاقا من بلدة بقرزلا الشمالية.
لكننا اشتقنا للـ”شلمصطي” والى أعمال أخرى شاهدناها على المسارح…
ثمة عمل جديد من بطولتي وكتابة أكرم سلمان ومحمد سالم. وأشير بالمناسبة الى أني لم أتوقف خلال ست سنوات عن عرض مونودراما “المعاز” ضمن مسرح جوال، وكان آخر عرض لي في بلدة صربا الجنوبية.
ألا تزال متحمسا ومتفائلا بوضع المسرح في لبنان في ظل الظروف التي نعيشها؟
بالحماسة والتفاؤل نفسهما لا بل أكثر. أقول إن عليّ أن أقدم عملاً جميلاً ومختلفاً، بغض النظر عن الظروف، المهمّ أن لا ننام ونركد، وأنا، كأستاذ مسرح، سعيد لإكتشافي المواهب الكبيرة التي لدينا في صيدا والجنوب وهي موجودة في بلادنا كلها، المهمّ أن نصل إليها ونساعدها.
متى سيكون افتتاح المتحف؟
المتحف أصبح جاهزاً، والإفتتاح ينتظر موعدا يحدده معالي وزير الثقافة. وإذا تعذر ذلك، سنفكّر في دعوة الناس “يعني مش جماعة الصف الأول” كي يفتتحوا المتحف، وإذا كان الناس يتكلمون عن “داعش” أقول لهم تعالوا نتكلم عن أمر آخر ولنقاوم كلّ على طريقته.

السابق
شفافية إسرائيلية وسوداوية عربية
التالي
لمواجهة الفراغ والتوترات الأمنية: جهود سياسيّة مكثفة