حزب الله: مآزق، سيناريوهات وخيارات

العين هذه الايام على الميدان، وبالتحديد على تطورات المواجهة بين حزب الله وجبهة النصرة. “فلاشات” اخبارية تعيدنا بالذاكرة الى ايام الحرب الأهلية : تقدم كيلومتر هنا، وسقوط تلة هناك. “اشتباكات عنيفة” في جرود نحلة، وتداعيات لـ “غزوة” بريتال، وتوقعات “معارك” مشابهة قد تتكرر في بلدات حدودية شمالي وجنوبي لبنان. والترقب سيد الموقف.

ما سمي بغزوة بريتال كان هجوما قام به مقاتلو النصرة على موقع للحزب. موقع قيل ان الانذار المبكر هو مهمته االأساسية. وبغض النظر عن استعادته لاحقا، فان نجاح المقاتلين بالوصول اليه، والتبجح بتصوير شريط فيديو داخله، مؤشر فاقع على ان المكان أصبح في قلب المعركة، وان رسم الخطوط الخلفية والامامية للمعارك، لم يعد حكرا على طرف واحد.

المعارك اذا أصبحت، وبشكل رسمي، متنقلة داخل الأراضي اللبنانية. وشعار “الحرب الاستباقية” الذي رفعه حزب الله كمبرر لقتاله الى جانب نظام الأسد، يتساقط تباعا. حتى أن همسات يقال انها تُسمع بين جمهور من المؤيدين، تتخوف مما هو آت، وتشكك بان يتمكن الحزب من الوفاء بوعد حمايتهم من خطر، قال انه سيقضي عليه بعيدا، فاذا به يطرق بابهم. من بريتال، مرورا ببعلبّك (المهد) وصولا الى شبعا (العنوان).

هذا الشعوور بالخوف، أو القلق على اقل تقدير، يشكل أكبر مآزق حزب الله حاليا. فالحزب لمّا كان ليصل الى ما وصل اليه من قوة، دون بيئة شعبية حضنته وقدمت له من روحها وعقلها وابنائها، وما زالت. هذه البيئة، وهو منها، كانت له السند الأساس في حربه الحقّة مع اسرائيل. حينها تجلّى في حرب عصابات داخل تضاريس يعرفها جيدا، وسطّر عمليات عسكرية مباغتة، قصمت ظهر جيش نظامي دخيل.

الآية انقلبت حين دخل حزب الله في مأزق المشاركة في الحرب السورية. هناك تحول من صاحب للأرض يقاوم دفاعا عنها، الى “ميليشيا” تساند القوات النظامية الأسدية في حربها على الفصائل المعارضة لها. لسنا هنا في وارد الدخول في المبررات التي ساقها دفاعا عن الخطوة. ما يعنينا هو توصيف الواقع الذي واجهه على الأرض. صحيح أنه شكّل فارقا في المعادلة العسكرية، واحتفل ب “انتصارات” عديدة، إلا انه كان، وما زال، يحارب في بيئة أقل ما يقال فيها انها غير حاضنة، لا بل عدائية حوّلته من مقاوم الى محتل.

مع مرور الوقت، لا بد وان حزب الله اكتشف بان قدرته على الحسم في الأرض السورية محدودة. وأن الأزمة مفتوحة وطويلة، وستستمر في تكبيده خسائر بشرية ومادية. إنه جرح مفتوح سيبقى نازفا بانتظار تغيير المعادلات وهبوط التسويات. واقع تأقلم معه الحزب وجمهوره. لكن أن تحقق المعارضة السورية اختراقات على الجبهة الجنوبية الشرقية، أمر يزيد من عمق المأزق. اختراقات تفتح أمامها فرصة الامتداد من درعا الى ريف دمشق، مرورا بالغوطة والقنيطرة على حدود الجولان، وصولا الى الحدود اللبنانية.

بقاعا قد يتفاقم الوضع، مع احتمال تحول مواقع الحزب والبلدات “الشيعية” هدفا لهجوم اعداد تتزايد يوما بعد يوم من المقاتلين. واذا ما تحدثنا عن ترسانة حزب الله الضخمة من الاسلحة الاستراتيجية والصواريخ بعيدة المدى، نتساءل: ماذا لونجحت النصرة او داعش في شن هجوم واسع النطاق؟ هل ستتاح للحزب فرصة نقل هذه الاسلحة بين مناطق “تقف معه” وأخرى “تقف ضده”؟

نعم ضده. فعلى عكس حربه مع اسرائيل، ومع تغيُر استخدامه للبندقية، لا يمكن لحزب الله ان ينكر تراجع شعبيته، ليس فقط في العالم العربي، بل في الداخل ايضا. وبنظرة سريعة على الخارطة، نجد ان مناطق نفوذ حزب الله الثلاث ( الضاحية الجنوبية لبيروت، والجنوب والبقاع) مقطعة الأوصال، إن صح التعبير، بقرى وبلدات اهلها غير راضون، بابسط الحالات، عما يقوم به الحزب.

مأزق آخر نشير اليه يتمثل في حرب استنزاف طويلة يقف الحزب على عتبتها، ان لم يكن قد ولج بها أصلا. استنزاف عسكري في معارك كر وفر بدأت بوادرها، وآخر مادي يشكل بالاساس انعكاسا لاستنزاف مادي تعاني منه ايران، راعية الحزب، في سوريا. في الوقت الذي يتجه فيه مؤشر الامكانات المادية للفصائل المقاتلة صعودا يوما بعد يوم ( بيع النفط، فرض الخوات، السيطرة على ثروات، تبرعات متمولين).

أضف الى ذلك، أن الايديولوجيا التي تحرك تلك الفصائل، قد يزيد منسوبها عن تلك التي يؤمن بها عناصر الحزب. ما يضعه كما قال الكاتب قاسم قصير”امام معضلة ومشكلة غير تقليدية، فلاول مرة يواجه حزب الله عدوا من جنسه ويعمل وفق رؤى وافكار واساليب ليست بعيدة عن رؤاها او اساليبه مع بعض الاختلافات في الاولويات والاداء، اضافة لبعض الخلافات الفقهية والفكرية والدينية.”

وفوق كل ما تقدم، هل يكفي عدد وعديد مقاتلي الحزب لخوض حرب موازية لتلك التي يخوضها في سوريا، على الأراضي اللبنانية؟ أم انه سيضطر حينها، عاجلا أم آجلا، الى الانسحاب من هناك؟ وكيف سينعكس ذلك على مسار الحرب الدائرة؟ ومن سيملأ الفراغ؟ تساؤلات برسم الحزب والأطراف الاقليمية المؤثرة والمتأثرة بها.

في خضم كل ذلك، أتت العملية التي تبناها الحزب في شبعا ضد العدو الاسرائيلي. البعض رأى فيها هروبا الى الأمام من المآزق الآنفة الذكر. فيما وضعها الحزب، والمنظّرون له، في إطار رسالة تقول : “نحن هنا وعلى جهوزية تامة”. رسالة تم ربطها بتمدد المواجهة مع مقاتلي النصرة من البقاع الى الجنوب، و انتقالهم من القنيطرة الى جبل الشيخ والعرقوب، تحت نظر الاسرائيليين.

 ما التداعيات المحتملة لتلك العملية وتبني حزب الله لها صراحة بعد هدوء دام سنوات؟

ثلاثة سيناريوهات محتملة تعتمد بالضرورة على رد الفعل الاسرائيلي:
أولا: أن لا تتعدى العملية، كسابقات لها، زوبعة في فنجان يتم استخدامها اعلاميا من الطرفين، وتنتهي سريعا.

ثانيا: أن يتطور الأمر الى مواجهات منخفضة الوتيرة، على النمط الذي كان معتمدا قبل حرب تموز ٢٠٠٦، وذلك تحت عنوان “تحرير مزارع شبعا”. ( وهذا مستبعد القبول به اسرائيليا).
ثالثا: انفجار الوضع الى مواجهة شاملة، لن تشبه سابقاتها هذه المرة اذا ما حصلت. فاسرائيل توعدت اكثر من مرة بان تخوضها بضراوة غير مسبوقة. في حين أن الحزب، قد يضطر الى استخدام ترسانته التي ما فتيء يلوح بها، مع ما قد يستجره ذلك من نتائج ورد فعل.

أي سيناريو سيختار حزب الله؟

السؤال يعيدنا الى الغاية الأساس من العملية. “صحيفة الحياة” رأت في تفجير العبوة رسالة للمجتمع الدولي، تحاول دفع اسرائيل باتجاه وقف “تطنيشها عن احتمال تقدم المجموعات المسلحة من سوريا الى منطقة العرقوب.” رأي يعززه الربط بين إسرائيل وتقدم تلك الجماعات في بعض وسائل الاعلام التابعة للحزب. ما يوحي بأن التغيير لم يعد مقتصرا على “قواعد الاشتباك”، بل تخطاه الى تغيير في “قواعد الصراع” مع اسرائيل، يُخضعه الى حسابات ضيقة في سوريا.
حزب الله اذا في “ورطة ضمن ورطة”، تجعل من خياراته المحتملة امتدادا لمعركته وايران في سوريا.

http://joumananammour.com/?p=532

السابق
استنفار إسرائيلي ـ لبناني في العرقوب
التالي
الخاطفون يتحكمون بتحركات الأهالي