الأونروا ومشكلة تصنيف اللاجئين

تقدم وكالة “الأونروا” خدماتها لجميع اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها وسجلات الدولة المضيفة فقط، وتقدم جزء من الخدمات للاجئين غير المسجلين وفاقدي الأوراق الثبوتية من دون أن يشملهم التسجيل في لوائح إحصاء الوكالة، إذ تَعتبر الوكالة أن خدماتها موجهة فقط لكل لاجئ فلسطيني اضطر للخروج من فلسطين حتى تاريخ 1/5/1951 واتخذ أيٍّ من مناطق عملياتها الخمسة مكاناً للجوء؛ سواءً في غزة أو الضفة أو سوريا أو الأردن أو لبنان، دون أن تعلل الوكالة السبب أو تحدد معايير إختيار التاريخ، خاصة أن آلاف من اللاجئين اضطروا للخروج من فلسطين بعد أيار/مايو 1951، فبعد قيام دولة الإحتلال في 15/5/1948 ارتكبت العصابات الصهيونية عدد من المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين، أبرزها مجزرة كفر قاسم وقرية السمُّوع في 29/10/1956 و 31/11/1966 على التوالي، وباعتماد هذا التصنيف وقَعَت الأسرة الدولية بخطأين جسيمين؛ الأول بأنها لم تأخذ بعين الإعتبار مناطق جغرافية أخرى اضطر الفلسطيني إلى اللجوء إليها سواءً عربية أو غير عربية واستثنتهم من التسجيل، وثانياً لم تُقدم على تسجيل اللاجئين الذين اضطروا للخروج بعد هذا التاريخ ولو اتخذوا واحدة من مناطق عمليات “الأونروا” الخمسة مكاناً للجوء، وفي كلتا الحالتين تخلت عن إستحقاقاتهم الإنسانية كلاجئين والتزاماتها الدولية المتعلقة بحقوقهم السياسية!.

حسب تقديرات الكثير من مراكز الدراسات والأبحاث للعام 2014 يُقدر عدد اللاجئين الفلسطينيين في العالم بحوالي ثمانية ملايين لاجئ، ويشير مركز الإحصاء الفلسطيني حسب نهاية العام 2013 بأن عدد الفلسطينيين 11.8 مليون فلسطيني في العالم، أي أن أكثر من ثلثي الفلسطينيين هم لاجئين، أما إحصاءات وكالة “الأونروا” حتى الأول من كانون الثاني/يناير 2014 فتشير الى وجود 5,428,712 لاجئ مسجل. هذا الرقم نتيجة مرور أكثر من 66 سنة على نكبة فلسطين و65 سنة على إنشاء الوكالة في 8/12/1949، واعتمادها لأرقام بعثة “جوردون كلاب” الأممية للإستقصاء الإقتصادي في منطقة الشرق الأوسط والتي قدرت عدد اللاجئين الفلسطينيين في المناطق الخمسة بـ 760 ألف لاجئ فقط.

بهذا المعنى يكون المجتمع الدولي الذي أنشأ الوكالة استناداً للقرار رقم 302 والصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد تخلى عملياً عن آلاف اللاجئين الفلسطينيين، إذ أن كل فلسطيني اضطر الى الخروج بعد تاريخ الأول من أيار 1951 يُعتبر من فئة غير المسجلين (NR) أي مسجل في سجلات الدولة المضيفة وغير مسجل في سجلات الوكالة، لذلك لا عجب أن نجد أخوين من نفس الأم والأب أحدهما مسجل ويحصل على خدمات الوكالة وآخر محروم منها بسبب أن أحدهما خرج من فلسطين قبل ذلك التاريخ وآخر بعدها، ومع غياب مفهوم الحماية الدولية لفئة غير المسجلين، تستطيع تلك الدول التعاطي مع اللاجئ بما يتناسب مع الرغبة والحاجة ومصلحة وسيادة الدولة، دون الإلتفات أحياناً إلى أية معايير إنسانية أو سياسية أو أخلاقية، وينطبق هذا على من اضطر للخروج من الضفة وغزة بعد إحتلال “إسرائيل” لما تبقى من الأراضي الفلسطينية عام 1967، ولم تقم “الأونروا” بإدراج أسماء الموجة الجديدة من اللاجئين في سجلاتها وفق الصلاحيات الممنوحة.

المشكلة في تصنيف اللاجئين إلى فئات تكمن بأن هناك إرتباط وثيق بين قرار إنشاء “الأونروا” والقرار 194 الصادر عن الجمعية العامة في 11/12/1948 الذي يقر بحق عودة اللاجئين والتعويض واستعادة الممتلكات، فقد استند قرار إنشاء “الأونروا” على ديباجة القرار 194 والمادة الخامسة والمادة العشرين منه، في إشارة إلى أن حق العودة يشمل اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في سجلات الوكالة فقط، وهذا مخالف لمبادئ القانون الدولي.

وفقاً للمواثيق والمعاهدات والمعايير الدولية لا فرق بالمعنى السياسي بين لاجئ ونازح، هي مسميات ليس إلا، وتقسيمات اخترعها أعداء اللاجئين وحق العودة بهدف تشتيت الإنتباه والغوص في التفاصيل على حساب الجوهر، فالأصل أن يعود كل لاجئ فلسطيني – متى أراد – إلى دياره وممتلكاته التي اضطر إلى الخروج منها قبل أو بعد التاريخ الذي حددته الوكالة، وسواءً كان التهجير أو النزوح أو اللجوء.. داخل فلسطين المحتلة عام 48 أو خارجها، فقد نصت المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 8/12/1948 بأن “لكل فرد حرية التنقل وإختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة، ويحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده، كما يحق له العودة إليه”، وهذا ينطبق على جميع اللاجئين الفلسطينيين وليس على فئة دون سواها.

لذلك من الأهمية القصوى العمل على إدراج جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى سجلات “الأونروا”، وهذا يحتاج إلى إستصدار قرار جديد من الجمعية العامة للأمم المتحدة لتوسيع سياسة عمل الوكالة، وإنتزاع هذا القرار يحتاج إلى جهد رسمي فلسطيني ضاغط، وعمل شعبي أهلي مؤسسي منهجي يراكم الحراك المحلي والإقليمي والدولي بهدف إستشعار أهمية الخطوة الإستراتيجية وتوجيهها بالإتجاه الصحيح، ولا نعتقد بأن سبب عدم ضم اللاجئين إلى سجلات “الأونروا” ينبع من مشكلة مالية تتعلق بالدول المانحة، بل تحتاج الخطوة إلى إرادة سياسية من صانع القرار الدولي، والتخلص من سياسة المعايير المزدوجة التي طالما انتهجتها الأمم المتحدة.

السابق
3400 شخصاً فقط يجدون فرصة عمل في لبنان سنوياً
التالي
ما أسباب التصعيد على الحدود مع إسرائيل؟