سيدي أبا حسن

إلى السيد هاني فحص…

سيدي ابا حسن… عد إلينا. ما أحوجنا إليك، نستمد منك العزيمة التي هي، أنت. إحدى المرات في جلسات الحوار، حيث دائماً كنا المتلقين. نصغي بإهتمام ثاقل، نحار منك وفيك، لأن كلامك كان يسبق عقلنا. كأنك تتلو آيات قرانية، فيها من الثبات ما يفتح أفاقاً مغلقة. تمنهج فيها عقولنا التي تكدست حولها، وبها أوهام، قادتنا إلى الكارثية. وُتثقل الحيرة عقولنا مرة أخرى عندما تنحو إلى ركوب السلم الأهلي بآيات من الكتاب المقدس باعتبار أن الإنسان هو المقدس.
صرتُ أرى في صورتك تلك القامة المعتدلة وأنا هائم معك وفيك، ألمح ذاك الأسطوري الخارق، وأنت المخلوق الآدمي البسيط، بعمامتك التي تطاول السماء، تلتقط النجوم، تجمعها وتخبئها، معيناً لجيل بعدك، نوراً وهدى، كأنك العارف بأن أوان الحصاد آت لا ريب فيه.
ذاع صيتك مع تظاهرات مزارعي التبغ، عندما انحزت إلى الفقراء الكادحين، هي رسالة ما تعلمت، وتربيت واستوحيت وتثقفت حتى صرت أبا ذر فحص (أعجب لرجل يبيت على الطوى كيف لا يخرج على الناس شاهراً عمامته).
أخذت فلسطين إلى حضنك، ضممتها، وما زلت، تدرأ عنها وتصوّب مسارها. ترسم، وتكتب، وتعتلي المنابر. تصيب وتخطىء، تجيد الإصغاء والكلمة ملكك، حملتها إلى العالم حيث حطت بك قدماك.
من مدارسك تعلمت المهم والأهم. أن تكون أولاً وأخيراً إنسانياً، دائم التساؤل مفتشاً عن الأجوبة بالعمل الواعي والتصدي لما هو معوّق بالتخاطب عقلياً وفكرياً. هي ميزة العالم، العالم غيره العالم الجاهل.
في الدين كما الدنيا لم تأبه للومة لائم، حسبك إن اخطأت فلك أجر، وإن أصبت فلك أجران.
الكتابة والكلمة ملكك، هي كالصلاة عندك، لا تقوم لها إلا بعد الوضوء حتى تروح منسابة مطهرة إلى الإنسان الذي هو الله.
تخاطب العقل، ولا غير العقل. جسر عبور لاصحاب العقول من الدنيا إلى الدين والعكس صحيح.
تعتقد أن لا فرق بين الأديان وأن الدين لله والوطن للجميع، فحاربت الشمولية في الدين. كأي فكر شمولي في العالم. رفضت استغلال الدين في خدمة السياسة لأنك المسلم والمسيحي وكل الأديان والمعتقدات الإنسانية مجتمعة في شخصك. فكيف لك أن تحيد عن رسالتك، ما دامت الأديان لخدمة الإنسانية؟
في رسالتك الأخيرة إلى “حزب الله” ورسالتين قبلها لمعلمين ذهبا وتركا خطبة الوداع، هما الشيخان الجليلان: السيد محمد حسين فضل الله في “الولاية التكوينية” والشيخ محمد مهدي شمس الدين في “الوصايا” تعلنون معاً: اللهم إنا بلّغنا.
هي دعوة إلى العقل والتفكر ونبذ التأويل المصطنع لأسباب معلومة أهدافها خدمة الحاكم المستبد، وليس العودة إلى الله الذي أحسب أنه منها براء.
في رسالتك، قلت، إنكم الأحب ولو كنا مختلفين. إنها لغة العقل ولغة الحوار. نعم إننا مختلفون في العقيدة والمعتقد، خلافاً عنك، لأننا كنا معاً، نحو هدف واحد هو تحرير الجنوب، ما حتّم أن نكون معكم وإلى جانبكم.
إن ما كان بيننا من مشتركات هو قتال إسرائيل وإقامة دولة العدل، الدولة المدنية، دولة القانون والمؤسسات ليجيء حساب الحقل على غير حساب البيدر باقامه دولة الحزب الواحد الذي نرفضه وجعل حدود الجنوب اللبناني، هي حدود إيران على حد تصريح سليماني راجياً أن يكون مرفوضاً من قبلكم؟؟!!
وأنت الذاهب، بعيداً منا. من يطفئ غليل هذا التصعيد الديني والمذهبي معطوفاً على التحريض والشحن في الخطب والحسينيات والمساجد هنا وهناك، ما أدى إلى عزل تيار المستقلين والعلمانيين والمعتدلين حيث كنت أول من يركب هواج البحر، ترد غائله بعمامتك السوداء الفاقعة البياض.
اتباعك كثر يا سيد، نتبعك لعقلك النير ولفكرك الحادث، لأنك أنت أنت، ولم تكن يوماً غيرك. وإن عمامتك وجبتك ليستا الا خدمة للإنسان معطوفة على عقل راجح، هو الحاضر معك دائماً.
لهذا كانت اراؤك مغايرة لآراء الكاثرة من شهود الزور، متملقي المناصب. لهذا ومن أجل هذا، وسعت لك الدنيا رحبة واسعة. ظللك محبوك وتبعوك. واختلف فيك ” البروتوسيون” وفجوا عنك قبل صياح الديك.
أيها السيد، نحن في أزمة ثقافة، علينا أن نخرق جدار الصمت المعلق مع الكثرة ممن يدعون الثقافة، ثقافة الوصول، وبدونك لا يستقيم عود، فالأمة بحاجة إليك.
رحمك الله، إننا اليوم أحوج اليك، إنه زمن القحط والنضب، قليل من مائك الزلال يفرح قلوب محبيك.
تركت فراغاً، لزمن غير منظور، لا أظن أن عمامة يمكن أن تملأه وترد غائلة الوحش الطائفي والمذهبي البغيض الذي تأجج على إيدينا نحن… وفتكنا نحن وغيرنا بهذا البلد الأمين والبرئ.

السابق
سيّدٌ ويليق به
التالي
كيف نجت سوريا من الضربات الأميركية؟