حلف ضد التحالف

في الوقت الذي تسعى الولايات المتحدة إلى حشد دول غربية وعربية خلف استراتيجية رئيسها باراك أوباما فان الحلف الثلاثي (روسيا والصين وإيران) أعلن اعتراضه على التحالف وأهدافه وبدأ حملة مضادة لإجهاضه حماية لمصالح أطرافه وخياراتهم السياسية في سورية والعراق.

لم تجد دول الحلف الثلاثي التي استبعدت من تحالف الراغبين إلا الاعتراض على التحالف إن من حيث مشروعيته والسند القانوني الذي يستند إليه أو أهدافه. ولما كان الوضع العراقي يعطي التحالف مبرر العمل على الأرض العراقية لطلب الحكومة العراقية ذلك لمساعدتها في دحر عدوان داعش وإرهابه ضد المدنيين، فقد تركزت اعتراضات دول الحلف الثلاثي وانتقاداتها على التدخل في سورية في ضوء رفض دول التحالف التنسيق مع النظام السوري على خلفية الجرائم التي ارتكبها ضد المواطنين السوريين وفقدانه، بسبب ذلك، للشرعية، وتجاهلها للعوامل المباشرة التي دفعت الإدارة الأميركية إلى استبعادها من هذا التحالف.

فروسيا التي تخوض مغامرة عسكرية شرق أوكرانيا، بهدف إجبار الحكومة الأوكرانية على التخلي عن توجهاتها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وربما حلف الناتو، والاشتراك في الاتحاد الأوراسي الذي تسعى لإقامته، أو البقاء على الحياد كحد أدنى، عبر تهديد استقلالها ووحدة أراضيها، روسيا هذه لا تريد تسهيل مهمة التحالف العتيد بل تريد عرقلة حركته لانعكاسه على مصالحها ونفوذها في المشرق العربي أولاً وللرد على الدعم الأميركي للحكومة الأوكرانية ثانياً، لذا كان خيارها منذ انفجار القتال بين داعش والحكومة العراقية عرقلة التحرك الأميركي عبر دعم حكومة المالكي وتزويدها بالطائرات والطيارين كي تعزز موقفها في وجه الضغوط الأميركية التي ربطت المساعدات العسكرية بتشكيل حكومة جديدة برئيس وزراء آخر، وطالبت بالعودة إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار دولي ينظم عملية الحرب على داعش، ودعت إلى التنسيق مع النظام السوري، واتهمت الإدارة الأميركية باستغلال هجوم داعش لإسقاط النظام السوري.

أما الصين التي بدأت في تعديل سياستها الخارجية بحيث تأخذ دوراً سياسياً دولياً يتناسب مع حجمها الاقتصادي فمدت حدود خطوطها الدفاعية في بحر الصين ووضعت يدها على عدد من الجزر المتنازع عليها مع اليابان والفيليبين وفيتنام، وتوسعت في الاستثمارات في دول العالم الثالث، وبخاصة النفطية منها، ما دفع بالإدارة الأميركية إلى إعادة النظر في استراتيجيتها في شرق آسيا وإعادة تجهيز قواعدها العسكرية في اليابان الفلبين ونشر أساطيلها في بحر الصين والمحيط الهادي، لذا رأت الصين في تطورات الوضع في العراق وسورية فرصة لابتزاز واشنطن والحصول على ثمن مناسب يخدم تصوراتها الجديدة فأعلنت رفضها للتحالف ودعت إلى الالتزام بالقانون الدولي واستصدار قرار من مجلس الأمن قبل التحرك عسكرياً في سورية. إيران من جهتها وجدت نفسها في وضع حرج فقد انهار النظام العراقي الذي صاغته ورعته أمام هجوم داعش، وقادت الضغوط الأميركية إلى إبعاد المالكي عن رئاسة الوزارة، ورأت في التحالف وعودة القوات الأميركية إلى العراق تراجعاً لنفوذها فيه، وخطر انعكاس ذلك على مفاوضاتها مع الدول الكبرى حول ملفها النووي مع بقاء العقوبات الاقتصادية وفرض المزيد منها، واحتمال تعرض النظام السوري لهزائم عسكرية في ضوء خطة أوباما لتسليح المعارضة السورية المعتدلة فتخسر نفوذها ليس في سورية فقط بل وفي لبنان، فهاجمت التحالف ورأت أن هدف التحرك الأميركي في سورية إطاحة الحكومة السورية وتنصيب حكومة موالية للغرب، وأعلنت عدم شرعية التدخل الأميركي هناك، وقللت من أهمية القصف الجوي الأميركي ودوره في النجاحات التي حصلت في المعركة وقالت إنها ثمرة المقاومة الشعبية، ما يجعل منها شريكاً باعتبار المقاومة الشعبية هي الحشد الشعبي الشيعي الذي دعت إليه المرجعية الدينية والذي قام ضباط من الحرس الثوري بتدريبهم ما يسمح لها بتجييرها. في السياق كشفت تصريحات مرشد الثورة وقائد الحرس الثوري الإيراني واتصالات طهران بالنظامين العراقي والسوري بدء تحركها لعرقلة المخطط الأميركي إن عبر دفع حكومة العبادي للمطالبة بإشراكها في التحالف أو عبر عرقلة استكمال تشكيل الحكومة العراقية الجديدة عبر تمسك التحالف الشيعي بالوزارات الأمنية (الدفاع والداخلية) والإصرار على تسمية هادي العامري، رئيس لواء بدر، وزيراً للداخلية، أو منع التمدد الأميركي والاستقرار في العراق، فقد نُقل عن أوساط عراقية موالية لإيران أن الأخيرة طلبت من العبادي أن يرفض أية طلبات أميركية لإقامة قواعد جوية على أرض العراق، وأن يطلب وقف الحرب وسحب القوات الأجنبية مباشرة بعد تحرير المدن الرئيسة، أو عبر دعم النظام السوري كما أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري. لقد رأت إيران في الاستراتيجية الأميركية ضربة قاصمة لنفوذها في العراق، وبالتالي في سورية ولبنان، لذا كانت انتقاداتها أكثر حدة من انتقادات شركائها في الحلف حيث اعتبرت التدخل في العراق بمثابة احتلال لبلد وانتهاك سيادته، وأن هدف الحملة على داعش في سورية ضرب المقاومة الإسلامية في لبنان، وأن الهجوم على داعش عبثي لأنه سيقويه.

يبدو أن الإدارة الأميركية متمسكة بخطتها وبشركائها حيث أكدت مراراً أنها لن تشرك إيران في التحالف، وإنها لن تنسق عملياتها في سورية مع النظام السوري وسترد على أي تحرك عسكري سوري بتدمير قواعد الدفاع الجوي للنظام، وهذا سيرفع من حرارة التنافس والتحدي ويزيد سخونة المواجهة وحدتها على امتداد الساحات السياسية والدبلوماسية خاصة والعالم على أبواب اجتماعات قمة في مجلس الأمن والجمعية العامة في دورتها الجديدة.

 http://www.alhayat.com/Opinion/Writers/4731961/

 

 

السابق
الرياضة…للتخلّص من عاداتكِ السيّئة؟
التالي
توقيف موظفين في زحلة اختلسا أموالا