النازحون السوريون: عبء على الدولة والمجتمع لا قدرة للبنان على تحمله

النازحون السوريون

منذ ما قبل الأحداث في سوريا كان لبنان يعاني من العدد الكبير من السوريين على شكل يد عاملة وكانت هناك شكاوى من بعض الناس ان الاموال التي يجنيها السوريون تذهب الى سوريا ولكن منذ ان بدأت الأزمة السورية حتى انتقلت عائلات العمال والكثير من النازحين الى لبنان هربا من بلادهم.

فهل يستطيع لبنان- مع كل مشاكله الامنية والاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها- ان يتحمل هذا الكم الهائل من النازحين الذين قد يصل عددهم الى مليوني لاجئ مع كل ما يحتاجون من خدمات؟
يرتفع اعداد النازحين السوريين مع كل بوادر معركة كبيرة تلوح في الافق بين الجيش السوري النظامي وحلفائه من جهة، وبين كتائب المعارضة المسلحة على اختلاف اسمائها وتوجهاتها من جهة اخرى، فيهرب المدنيون قبل وقوع المعركة خوفا على حياتهم الى الاماكن الاكثر أمانا سواء داخل سوريا او خارجها.
ويُعتبر لبنان الوجهة الاكثر تفضيلا بين الدول المتاخمة لدى النازحين، وذلك لعدة اسباب: فهم يستطيعون السكن والعمل والتنقل دون رقابة فعلية على عكس باقي الدول الاخرى كتركيا والاردن على سبيل المثال حيث هم مجبرون على السكن في مخيمات النازحين مع تدقيق بالاشخاص الذين يدخلون ويخرجون والعمل ضمن شروط محددة بشكل ضيق جدا.
اما في لبنان فيستطيعون السكن اينما ارادوا والعمل بأعمال ومهن مختلفة اغلبها بطرق غير قانونية كقيادة الفنات والسيارات العمومية والعمل في المحال التجارية والابنية السكنية والمطاعم ومختلف انواع الاعمال.
ولكن النازحين السوريين ليسوا في أغلبهم من الطبقة الفقيرة والعاملة فمنهم من هم من أصحاب الرساميل والأموال الذين قدموا الى لبنان لإفتتاح محال ومطاعم ومصالح مختلفة التي وصلت في وقت معين الى درجة جعل الدولة تقوم بفرض قيود معينة لقيام اي شخص من الجنسية السورية بفتح اي عمل تجاري. لكن العدد الاكبر من النازحين هم من القسم الاول.

سكنياً
اما سكنيّا فيستفيد بعض النازحين من مخيمات الامم المتحدة المنتشرة في مختلف المناطق او بالسكن في بيوت مستأجرة والبعض الآخر في مدارس ومساجد ومعاهد ولا ننسى ان البعض الميسور يستأجر شققا مفروشة في المناطق الراقية.

أمنيّاً
اما أمنيّا فكلنا نعرف ان الوضع الامني كان هشّا جدا في لبنان ولا ننسى الخضات الامنية بين فترة وأخرى. فكيف سيكون الوضع بعد دخول نحو مليوني لاجئ لا تعرف الاجهزة الامنية عنهم اي شيئ.
فالشعب السوري كما باقي الشعوب يضم الصالح والطالح، وقد شهدنا القبض على العديد من العصابات السورية بعد قيامها بجرائم مختلفة.

بعد وصول عدد النازحين الى عدد ضخم جدا ازداد الضغط على البنى التحتية والمياه والاتصالات والمواصلات والشقق ووظائف العمل بشكل كبير ما أثرّ على نوعية هذه الخدمات خصوصا مع عدم قيام الدولة بمحاولة تحسين هذه الخدمات لاستيعاب هذا العدد الجديد.

اجتماعياً
اما اجتماعيا فشهدنا حالات زواج اغلبها بين شبان لبنانيين وفتيات سوريات، حيث كل طرف يعتبر نفسه انه المستفيد منها. فالشاب اللبناني كان يعتكف عن الزواج بسبب ارتفاع تكاليف الزواج بلبنانية. اما في حالة الزواج بفتاة سورية فهولا يتكلف شيىئا يذكر، لان اهل الفتاة يريدون تزويجها بأي كان بغضّ النظر عن ميزاته او سيئاته لكي يزيحوها عن كاهلهم والتخلص من مصاريف أكلها وشربها وملبسها. وبهذا يكون الطرفان قد استفادا من هذا الزواج ويبقى الخاسر الاكبر هو الفتاة التي تكون قد اصبحت عبارة عن سلعة تُباع وتُشرى او بالاصح توهب.
ان غالبية النازحين هم من المناطق التي لا تشهد اية معارك او توترات امنية، بل من الذين ينزحون طمعا بالمساعدات والعمل والتلطي تحت عنوان النزوح يكون أغلب الاحيان بسبب تعارض رأيهم السياسي مع رأي القوى المسيطرة في مناطقهم.
في بداية حركة النزوح السوري تجاه لبنان استقطب اللبنانيون اشقائهم السوريين بترحاب وود كبيرين، وكاد يصل الامر عند بعض اللبنانيين لترك منازلهم وتقديمها للنازحين بعد اعتقادهم ان فترة النزوح ستكون قصيرة، لان الحديث المتداول كان ينبئ بسقوط الرئيس الاسد كباقي الرؤساء العرب في غضون اسابيع او اشهر كحد اقصى.
ومن جهة اخرى، اعتقد اللبنانيون انهم سيستفيدون من المساعدات التي سوف تنهمر من الامم المتحدة والدول الاخرى على النازحين من كل حدب وصوب عبر تحريك العجلة الاقتصادية في مناطقهم من خلال ايجارات المنازل وشراء الحاجيات من مواد غذائية والثياب وغيره.
وقد تشاركت الدولة والمواطنون في هذا التفكير، فرأت الدولة ان الهبات والمساعدات سوف تأتي من مختلف الجهات المانحة كرمى لعيون النازحين.
وهنا لم يتطابق حساب الحقل مع حساب البيدر، فخاب ظن الدولة والمواطنين على حد سواء الا من بعض الفتات الصغيرة، فأمد الازمة طال كثيرا ولا يبدو انه سينتهي في المدى القريب، بعكس ما توقع اغلب الناس. والمساعدات التي وعد بها النازحون والمواطنين والدولة على حد سواء لم يصل منها الا القليل.
فعندما اعتقد الكثيرون ان النازحين هم باب رزق يستفيدون منه وجدوا انفسهم امام مشكلة كبيرة وباب جديد للانفاق وهو آخر ما يحتاجه المواطن اللبناني مع ما يعانيه النازحون من مشكلات اقتصادية واجتماعية.
ومن هنا نرى ان الحماسة المبالغ فيها في استقبال النازحين من دون تنظيم تحولت لتصبح تذمرا وضيقا بالضيوف الدائمين.
ان المشاعر الانسانية تفرض عدم اغلاق الحدود امام النازحين، لكن يجب مراعاة من يستحق صفة نازح لان ليس لدى لبنان القدرة الاستيعابية لكل الكمّ هذا الهائل من النازحين.

السابق
حروبنا الأهليّة في التاريخ
التالي
أبا حسن البابلي أسعدني اقترافي في قراءتك