التوظيف الأميركي لعشائر العراق

في ما يلي، القسم الثاني من مقالة بعنوان «داعش العراق: من هنا بدأت»، يتحدث فيه الكاتب عن التوظيف الأميركي للعشائر العراقية في إطار الصراع مع المقاومة المسلحة والإرهاب، وكمقدمة لمواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في بلاد الرافدين.

كان المنظِّر الأساسي للاستفادة من العشائر وتحويلها إلى قوى ضاربة أولاً ضد المقاومة تحت شعار مقاتلة «القاعدة»، هو الخبير العسكري الاسترالي ديفيد كيلكولين، على ان يتم تجنيدها بعد ذلك لخدمة طموحات بيترايس في «تعريق» المعركة القادمة مع إيران. وقد وضع كيلكولين خطة متجانسة في القسمين «السني» و«الشيعي» من البلاد وجغرافيتها السكانية، وأطلق عليها «خطة الدروب المفتوحة» حيث تصل أبعادها وتأثيراتها إلى كل الحدود مع البلدان المتاخمة للاحتلال الأميركي، الذي تحول إلى إحدى «دول الجوار»، وأكد نظريته في الرجوع إلى «العروبة الاميركية» وأهمية توظيفها ضد النفوذ الإيراني في العراق. وقد علّق في حينها أحد قادة الخطة، علي حاتم السليمان، وهو من أمراء الدليم، قائلا بالنص: «إن تعميم نماذج الصحوة ضروري في المعارك القادمة في وسط العراق وجنوبه والذي تعاني قبائله من إرهاب الميليشـيات المتـعاونة مع إيران وغباء بعض مقلدي المرجعية». وقد طرح الاحتلال هذه التكتيكات الجديدة في الانتقال من «الطوائفية» إلى «العشائرية» حفاظاً على متانة الأداء الإستراتيجي العسكري في، كما يقول كيلكولين، إلقاء القبض دائماً على «الأرض» من تحت وبالتداخل مع صيانة العملية السياسية والاحتفاظ «برؤوس» النخب من فوق. وصل تعداد قوى الصحوات وأخواتها إلى أكثر من 150 ألف محارب تعتمد على إستراتيجية ازدواجية مرنة اجتماعياً وصلبة سياسياً وكان الغرض المركزي، كما يقول مارك سيجمان، احد المتخصصين في الطب الشرعي والانثروبولوجيا السياسية، هو الانتقال من الحالة السياسية العسكرية إلى الحالة السياسية الحياتية، وتتلخص في محطات متناغمة ومتواترة تتضمن الانتقال من الوحدة مع الاستقرار، إلى الوحدة مع الفوضى، إلى التمزق مع الفوضى، وبعدها إلى التمزق مع الاستقرار والهدوء، وأخيراً وليس آخراً، «الاستيلاء» على الثروة النفطية في الوطن.
إن العشائر ومخزونها الثري منتج وفعال ومخرب ومدمر في سياقات متـناقضة اجتـماعياً وتـاريخياً. هذا ما حذر منه عـالم الاجتماع منذ أكثر من نصف قرن المرحوم عبد الجليل الطاهر. وهذه الشريحة صبورة ومقدامة ومتوحشة وجشـعة في آن واحد. وهي تمتلك نزعات انتقامية حـادة ومتأرجـحة في الولاء السياسي ولا تكترث للميول والتـيارات المذهبـية أو الطوائفية إذا اصطدمت مع مصالحها الاجتماعية والخـاصة. ولكنها قد تنحاز إلى بعض التيارات الحزبية وتفضل السلوكات التـجارية العابرة لبيئاتها المحلية. وقد احتضنت «القاعدة» في بعض الفترات وقلـبت لها ظهر المجن بعد ذلك. وتبنت «البعث النقشبندي» أيضاً ثم لفظته من دون شفقة. وكانت لديها صلات مهمة مع المئـات من ضباط الجيش السابق وتخلت عـنهم فـجأة ومن دون سابق إنذار. لذلك، يرى كيلكولين أن الانضباط معهم يجب أن يكون حازماً وحاسماً في الحالات المصيرية، حيث يمكن الاعتماد عليهم في تغيير لوحة الصراع. الحسابات السياسية لفريق الخطة الاميركية تنطلق من مسألتين: الأولى هي حجم المساحة الكبيرة التي تضم هذه القبائل، من شمال العراق إلى الجزيرة العربية. وهذه تتضمن تجانساً قومياً وتنوعـاً مذهبيـاً ذا نزعة ديـنية سلـمية معتدلة. والثانية هي قوة النفوذ الاجتماعية لهذه القبائل في المدن الكبرى في هذه الأمصار وتأثيراتها الساحقة على النخب السياسـية والتجـارية منـها. إن هذه التقسيمات الطوائفية والقبلية بالنسبة للاحتلال الاميركي هي عبارة عن بلورات سوداء يستخدمها في التغطية على مصالحه الأمنية المحلية والإستراتيجية النفطية، من أجل إيقاف التدهور العام في الحالة الامبراطورية، والذي يشمل في سياقه الإستراتيجي الاضمحلال التدريجي لتوازن القوى العالمي وعقابيله الهائلة على خرائط الصراع في العالم والمنطقة.

http://www.assafir.com/Article/18/372340

السابق
النفايات الى الشارع مجدداً في النبطية
التالي
أمريكا تضاعف جنودها ومقاتلاتها تقصف «داعش» قرب بغداد