السعوديون قادرون على سحق داعش

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز« مقالاً للباحثين السعوديين نواف العبيد، مدير معهد «عصام ودلال العبيد» الزميل في مركز «بيلفير للعلوم والشؤون الدولية» في جامعة هارفرد، وسعود السرحان، مدير الأبحاث في مركز «الملك فيصل للأبحاث والدراسات الاسلامية»، ينفيان من خلاله المزاعم التي تشير إلى دور مزعوم للمملكة العربية السعودية في نشوء تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش)، ويشرحان الفارق الحقيقي بين الالتزام السعودي بالسلفية والزعم بالتزام «داعش» لهذه النظرية. ويعتبر الكاتبان أن خطر نمو «داعش» بين الساخطين من أتباع المذهب السني يجعل منها عدواً يجب هزيمته الآن، وأن المملكة العربية السعودية هي السلطة الوحيدة في المنطقة التي تملك القوة والشرعية لاسقاط «داعش».

فيما تستمر «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) في النمو، يشير العديد من المعلقين والصحافيين إلى أن المملكة العربية السعودية هي منشأ هذه المجموعة، ومعظمهم يفترضون أن الولايات المتحدة الأميركية هي القوة الوحيدة القادرة على وقف «داعش». الافتراضان خاطئان.

المملكة العربية السعودية ليست منبع «داعش» بل هي الهدف الرئيس لهذه المجموعة.

الهدف الرئيس لـ «الدولة الاسلامية في العراق والشام» هو إعادة الخلافة (الامبراطورية الاسلامية التي يحكمها مرشد أعلى)، وبحكم أن المملكة العربية السعودية هي النقطة المحورية للاسلام وخادم الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، فإن طريق «داعش» إلى الخلافة يمرّ في المملكة والعائلة المالكة فيها. في الواقع، شنّت «داعش» حملة ضد المملكة العربية السعودية ورفعت شعار «قادمون» للاستيلاء عليها. ووضعت المملكة المجموعة على لائحتها للتنظيمات الارهابية، واصدرت قراراً اعتبرت فيه تمويل «الدولة الاسلامية في العراق والشام» جريمة تخضع لعقوبات قصوى، واعتقلت العديد من أنصار التنظيم وعملائه في الأشهر القليلة الماضية.

لم تنشأ «دولة الاسلام في العراق والشام» من المملكة العربية السعودية، بل من رحم عراق ما بعد الحرب وعلى يد بقايا كبار ضباط نظام صدام حسين السابقين، وتوجد قاعدة أنصارها في العراق وسوريا. لقد سمح ذلك لـ «داعش» بالاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي في البلدين والسيطرة على أصول اقتصادية ومالية ونفطية مهمة، وتحوّلت بالتالي إلى تنظيم مستقل مالياً. وأصبحت «داعش» اليوم تتطلّع إلى الثروات السعودية.

لقد كانت الثروة المالية للمملكة العربية السعودية والحقول النفطية الهائلة فيها من أطماع تنظيم «القاعدة» الارهابي، وهي الآن في المنظار نفسه بالنسبة لـ «داعش». وبالطبع، وبنفاق نموذجي، ففي حين أن أطماع «القاعدة» و«داعش» تتركّز على ثروات المملكة، إلا أنهما يحتقران الطريقة التي تطوّرت فيها المملكة إلى الحداثة من أجل الاستفادة من هذه الثروات، ويعتبران أنها انحرفت عن الممارسات الاسلامية الصحيحة.

لماذا إذن هذا الرأي السائد بين العديدين بأن المملكة العربية السعودية تقف وراء «داعش»؟

في جذور هذا الاعتقاد بأن المملكة العربية السعودية تقف خلف نشوء «داعش» هو الاعتقاد بأن المملكة و«داعش» يمارسان النسخة نفسها من الاسلام المسمّى بـ «السلفية» (والمعروف عن خطأ في الغرب بأنه الوهابية). وفي حين أنه صحيح أن المملكة تعتنق السلفية، فإن زعم «داعش» أنهم سلفيون لا أساس له. والسلفية ترتكز على كلمة «السلف» أو «الأجداد»، في إشارة إلى الطريقة التي كان يمارس فيها الاسلام على يد أتباع النبي محمد الأولين، خلال الأجيال الثلاثة الأولى من دين الاسلام.

ويعتقد السلفيون أن ممارسة الاسلام يجب ان تكون وفقاً لاملاءات هؤلاء الأسلاف. وبرزت مع الأزمنة تفسيرات متعدّدة لهذه الاملاءات، ما أدّى لقيام أربعة مدارس للفقه في المذهب الاسلامي السني. ومؤسسو هذه المدارس كانوا أبو حنيفة، مالك، الشافعي وإبن حنبل.

ويتبع أنصار «داعش» أيديولوجية هي استمرار لمذهب خام يعرف بـ «الخوارج» أو أؤلئك الذين «انحرفوا» عن المجتمع المسلم خلال ولاية رابع الخلفاء الراشدين الإمام علي بن ابي طالب (والذي اغتالوه هم أنفسهم). ويعتقد «الخوارج» أن أياً ممن لا يوافقهم الرأي يجب أن يقتل لأنه «كافر»، وبرّروا وسوّغوا عمليات القتل الجماعية ضد المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، ومارسوا شكلاً متطرفاً من التفتيش لاختبار إيمان مناهضيهم يسمّى «الامتحان».

وهذه الممارسات تجعل من أيديولوجية «داعش» على النقيض التام مع السلفية السعودية. ونسخة السلفية المطبّقة في محاكم المملكة العربية السعودية ومؤسساتها الدينية وضعها واحد من أشهر القضاة المسلمين، العالم في القرن التاسع أحمد ابن حنبل. ويعارض القانون الحنبلي بشدّة الفتنة وسفك الدماء والتحويل الديني القسري.

وإحدى أشهر مقولات ابن حنبل تجسّد التعاليم السعودية الحالية: «المجد لله؛ سفك الدماء، سفك الدماء! لا أوافق عليه ولا أوصي به؛ التزام الصبر في وضعنا أفضل من الفتنة التي تتسبّب بسفك الدماء».

وتشكّل «داعش» تهديداً وحيداً: إنها تنظيم متعطّش للدماء قادر على إيجاد شبان وشابات ساخطين وتجنيدهم من بين 1.3 مليار سني حول العالم. لا تواجه القيود العددية لجماعات مثل «حزب الله» أو دول مثل إيران التي لا تستقطب ايديولوجياتها سوى المجتمع الشيعي الأصغر. ومع مثل هذه الإمكانيات الهائلة للنمو، يجب هزيمة «داعش» الآن.

والمملكة العربية السعودية هي السلطة الوحيدة في المنطقة التي تملك القوة والشرعية لإسقاط «داعش». وبعدما نجحت بمحو تنظيم «القاعدة» بشكل فعّال من المملكة، تحظى الحكومة السعودية من خلال الخبرة التي اكتسبتها في محاربة الارهاب، بموقع فريد يمكّنها التعامل مع «داعش» والتي هي في نهاية الأمر ليست سوى تنظيم متحالف مع «القاعدة». لقد بنت المملكة برنامجاً هائلاً لمحاربة الارهاب كما ان إستراتيجياتها في هذا المجال تعتبر من أكثر استراتيجيات مكافحة الارهاب تطوّراً وفعالية في العالم.

والأكثر أهمية من ذلك أن للقيادة السعودية شكلاً فريداً من المصداقية والشرعية الدينية الأمر الذي يجعل منها فعّالة بشكل أكبر بكثير من أي حكومة أخرى في نزع الشرعية عن الأيديولوجية الارهابية الوحشية لـ «داعش». الرسالة التي توجّه إلى العالمين العربي والاسلامي فيما لو قادت المملكة العربية السعودية الحملة ضد «داعش»، تختلف جذرياً وهي مفضّلة أكثر بكثير من الرسالة التي قد توجه فيما لو قامت بذلك الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً مع الأخذ بالاعتبار السجل الكارثي الأخير لها في الشرق الأوسط.

عندما ظهرت «داعش» للمرة الأولى في سوريا في العام 2011، حاولت المملكة العربية السعودية حشد التأييد للمعارضة السورية المعتدلة ضد النظام الدموي القاتل لبشار الأسد، لكن العالم لم تكن له آذان صاغية.

اليوم، وكما أشار مؤخراً الملك عبد الله بن عبد العزيز، فإن «داعش» لم تعد خطراً على الشرق الأوسط فحسب، بل على أوروبا وأميركا. ندعو المجتمع الدولي إلى تشكيل تحالف قوي مع المملكة العربية السعودية من أجل دحر التقدمات العسكرية الأخيرة لـ «دولة الاسلام في العراق والشام»، وفي الوقت نفسه دعم الحملة السعودية الدائمة لنزع الشرعية عن «داعش» في أعين العالم السني الواسع من أجل الوصول إلى الهدف النهائي بالقضاء عليها.

السابق
زاسبكين: مواجهة الامتداد الارهابي بتلاحم المجتمع اللبناني
التالي
اكبر عملية تزوير لـ«الشهادة الرسمية» في لبنان