هكذا تُقتسم الغنائم بالضاحية.. بين أغنياء السياسة وفقرائها

الضاحية الجنوبية
ما كادت ثمانينيّات القرن المنصرم تنتهي، حتى كان نجم اليسار يسارع الى الأفول بعد عقود قضاها اليساريون في الصعود والثورات والضجيج، فماذا حلّ باليساريين بعد انتهاء دورهم السياسي في لبنان؟

ما إن تفككت عُرى الروابط اليسارية حتى اكتشفت القاعدة الشعبية أن الطبقة العليا فيها قد ثبّتت أقدامها بوظائف بعيدة عن الأحزاب لتضمن لقمة عيشها، فغالب الجسم التعليمي – الثانوي والجامعي – كان محشوّا بذوي الميول اليسارية وكذلك الإتحادات العامة للعمل والنقابات والمصارف الخاصة والعامة.
كما اكتشفت القاعدة الشعبية متأخرة بأن بعض القيادات أرسلت أولادها إلى الغرب الإمبريالي بموجب منحٍ دراسية لم يكن يدري بها أحد إلا صفوة الصفوة. وبعضهم الآخر أصبح مالكا للكسارات والمسابح والمنتجعات على امتداد مساحة الوطن، ناهيك عمّن تلحّف عباءة الثقافة بجمعية هنا أو منتدى هناك وما زال يقتات مما يدّره عليه.
أما صغار اليسار من المقاتلين والمؤيدين المتحمّسين، فوجدوا أنفسهم أمام خيارات صعبة كالهجرة كيفما اتفق، أو القبول بوظيفة كيفما كان او الإنخراط في الحركات الإسلامية التي كانت آخذة بالصعود آنذاك. ومَن لم يلتقط اللحظة ولم تدركه موجات التغيير في حينها وظلّ يحلم بالميادئ والمثاليات، فقد انتهي به الأمر صيادا هاويا بجانب الشاطئ أو مدمنا لكحول تعيد له سالف عهده وتليد مجده.
بعد تهاوي دور اليسار، ورثت الحركات الإسلامية في لبنان الأرض ومَن عليها، ومع دخولها العقد الثالث من تجربة السياسة لم تحِد تلك الحركات عن مسار سابقاتها في تثمير جهود القاعدة وتسييلها منافع وخدمات لذوي الحظوة. فها هم كوادر الحركة الإسلامية اللبنانية قد ثبّتوا أقدامهم وأقدام أولادهم في الجامعات والوزارات والمعاهد والمؤسسات الإعلامية وغيرها.
هكذا يتحسّر أحد قدامى كوادر الحركة الإسلامية عندما يعدّد أسماء النواب والوزراء والحجّاج الملتحين الذين وظّفوا أولادهم وإخوانهم مؤخرا بوظائف نظيفة في المالية والصناعة والشؤون الإجتماعية والبريد العام والخاص والزراعة والتلفزيون. ويمرّ ساخرا على ذكر بعض نواب ممن أصبحوا في ملاك الجامعة اللبنانية مستهزءًا بأحدهم حيث أن هذا الأخير كان يناقش في الماضي في مشروعية وجواز العمل بوظائف الدولة اللبنانية.
ويتابع محدثنا بتعداد أسماء كوادر ثقيلة الوزن أنشأت لنفسها أو لأولادها مؤسسات إعلانية ومتاجر ومعارض سيارات ومطاعم ومنتجعات ترفيهية، أو شركات عابرة للحدود اللبنانية حطت رحالها مؤخرا في العراق حيث إن علاقة الآباء مع الساسة تؤمّن للأبناء عقودا مالية مجزية.
وينتقل الكادر لاستعراض الدّكاكين الثقافية التي تنتشر على شاكلة مراكز دراسات وجمعيات تراثية وهيئات علمائية ولقاءات حزبية، مستهجنا ما تفرزه وتنتجه من قصاصات ورق ومجلات، فلمن يكتب هؤلاء؟ هل مَن يقرأ في تلك البيئة؟ ويهزأ قائلا بأن هذه الدكاكين هي حصة ذوي الحظوة الكسالى من الدرجة الثانية. ويزداد محدّثنا بهجة عندما يذكر الفِرق الفنية واللقاءات الأدبية والشعرية، واصف إياها بالتنفيعة لبعض الهواة من أبناء الطبقة العليا.
ومن بيته العادي، يخبرنا كيف انتقل نواب الحالة الإسلامية من أماكن سكنهم القديم في عمق الضاحية إلى نيو ضاحية في بئر حسن وحيّ الأمريكان. وبغصّة بالغة يعرّفنا إلى جليسه الذي كان معتقلا في الخيام سابقا ويعمل الآن (لوجستي) لتقديم الشاي والقهوة في أحد مكاتب الدراسات الدولية التي تتبع للحالة وتحت إدارة حاج أنيق صاحب سيارة فارهة لم يمس المسدس خصره يوما.
ولكن ماذا عنه وعن أولاده؟ يلتقط الرجل أنفاسه ليقول بأن أقصى ما استطاع فعله هو أن يؤمّن لواحد منهم عقد تفرّغ للقتال وللآخر تعاقد حزبي لبعض الأعمال ما يقيهم شرّ العوز والحاجة. وهكذا، فصفوة القوم زادوا تحليقا مع أبنائهم وإخوانهم، وكذا الحال في القاعدة المقاتلة التي زاد عديدها لتكون وقودا لحروب ومآسي قادمة. فهل مَن يعتبر؟

السابق
أبو فاعور: على القوى السياسية لجم الشارع والأفعال وردودها
التالي
’نجوم العلوم’ يعود لاكتشاف أبرز المخترعين الشباب