الضاحية الجنوبية: تعتيم وعطش.. و’مافيا’ مولدات

هل هناك فعلا كهرباء في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهل تنعم الضاحية بالمياه للشرب والخدمة؟ للحديث عنهما. ام ان الكلام أسهل عن التعتيم والتقنين القاسي والعطش وشراء المياه المالحة؟

في الفترة الاخيرة نعمت الضاحية بالضوء لفترة لا تقل عن 14 ساعة. لكن هذا الوضع تغير رأساً على عقب في زمن التعتيم، حيث ان الفترة التي «ينعم» بها المواطن لا تتعدى ما بين 8 أو عشر ساعات، ينقطع التيار خلالها ما بين خمس وست مرات.

«اشتر كهربا» من الوزارة والبلدية

يدفع المواطن فاتورتي كهرباء؛ واحدة رسمية، تحدد قيمتها وفق المصروف الشهري. والثانية غير محددة تخضع لمشيئة تجار وأصحاب المولدات، ولما يقرره أصحاب المولدات لاستعادة ثمن المولد وثمن المازوت والربح الفاحش.
ارتفعت قيمة اشتراك المولد الخاص من 130 إلى 140 ثم 150 ألف ليرة في الشهر لكل 5 أمبير، وتتعدى في بعض الأحياء لتبلغ 225 ألف ليرة، وفق سكان في مناطق حارة حريك وبرج البراجنة والشياح وغيرها من المناطق. واذا تجرأ أحد الزبائن وساوم لفظاً على الاسعار التي تضعها وزارة الطاقة، وتراقبها وزارة الاقتصاد، وتوزعها البلديات كل في نطاقها، يكون الجواب: «روح على الوزارة والبلدية وخذ كهرباء ارخص». أو إذا كرر أمام أصحاب المولدات ضرورة الالتزام بسعر الوزارة، يكون الجواب: «اذا مش عاجبك وقِف الاشتراك». واذا حاول ايقاف الاشتراك يخسر المشترك ثمن شريط الكهرباء من محطة المولد الى البيت، زائدا ثمن «الديجنتار»، عدا أن الـ5 أمبير اذا كان البيت يبعد حوالي المئتي متر، تصبح أربعة وما دون، وتكون الكلفة ما بين 75 ومئة دولار.

التعليق على الشبكة

في هذا السياق، ونتيجة انقطاع التيار المتواصل، يلجأ بعض المواطنين في هذا الحي أو ذاك القريب منه لاستجرار التيار، وبالعكس، أو التعليق على الشبكة، ما يحمّل الشبكة أكثر من طاقتها، فينقطع التيار ولا يكاد يعاد وصله، وفي أحسن الأوقات يستمر القطع ساعة أو ساعتين، أما في حال تحميل المحطة أكثر من طاقتها الطبيعية، فتكون النتيجة احتراق المحول وانتظار فترة طويلة تمتد الى ما لا يقل عن عشرة أيام لتركيب محول آخر.. وكثيرا ما أدى استجرار التيار الى احتراق المحطات بالكامل.

مولدات.. محميات

هذه حال التيار في الضاحية، وحال المولدات التي تبيع الطاقة. علما ان البعض يشيع أن اصحاب المولدات محميون سياسيا، وباتوا يشكلون مافيا، فما على المواطن إلا ان يدفع مجبرا الأموال من جيبه، مقتطعا إياها عن أفواه أبنائه، أو يلجأ الى تقنين المصاريف الاخرى، ليؤمن ثمن الضوء لأولاده في فصول الدراسة، وليقي عائلته حر الصيف كما هو الوضع حاليا، فيلجأ الى مروحة تغير أجواء الغرفة، إلا اذا كان ميسورا ويشترك بأكثر من 5 امبير لتشغيل مكيف. لكن هناك فئة لا تستطيع الاشتراك في المولدات، فيتفق جاران متقاربان على تقاسم الـ5 امبير بالتساوي ويدفعان ثمنها مناصفة.

أعباء كبيرة

يكبد التقنين القاسي وارتفاع أسعار اشتراكات المولدات المواطنين أعباء مالية كبيرة، جراء تلاعب الكهرباء، وانقطاعها ثم عودتها، أو ارتفاع «الفولتاج»، وانخفاضه بصورة مفاجئة، ما يؤدي الى تعطيل الأدوات الكهربائية المنزلية مثل البراد والغسالة والمكواة وغيرها، والتي يفوق ثمنها أحيانا، مئات الدولارات، عدا تلف الأطعمة يومياً في البرادات، خصوصا في طقس حار ورطب كالذي تشهده البلاد منذ شهرين تقريباً.
أزمة الكهرباء المزمنة تبقى مقيمة في لبنان، في ظل غياب المعالجة الجدية من قبل القيمين على وزارة الطاقة ومؤسسة الكهرباء، وغض الطرف عن مافيا المولدات، وسيبقى المواطن ضحية التقصير في تأمين الخدمات العامة، فيما تضيع المسؤوليات بين المسؤولين عن الكهرباء، وجلهم يستقيل من مسؤوليته، عندما يتعلق الامر بحق المواطن في الكهرباء والماء وغيرهما من الخدمات.

العتمة ترافق العطش

لا يتوقف التقنين القاسي على التيار، بل ينسحب على المياه، بشكل أقسى. فلدى انقطاع التيار يعجز المواطنون عن ضخ المياه الى المنازل عبر»الموتورات».
ويؤكد مواطنون في الضاحية الجنوبية لـ«السفير» أنهم «لم يروا المياه في خزاناتهم منذ شهور»، وإذا حصل أن أنعمت عليهم شركة المياه بساعة أو ساعتين في الأسبوع، فلا تصل إلا لمن يضع مضخة لسحب كميات كبيرة من المياه حارما الآخرين منها، مع الاشارة الى انها غير صالحة للشرب. وكيفما اتجه الناس في الضاحية الجنوبية خلال تجوالهم في الأحياء، يسألون عن مصادر المياه التي تضخها «صهاريج» بائعي المياه، بثلاثة آلاف ليرة للبرميل الواحد من المياه الحلوة، وألفي ليرة للمالحة، أي ان أي مواطن يحتاج يوميا الى برميلين، معدلهما الشهري ما يوازي ما بين 150 الف ليرة شهريا أو 180 ألفاً للمياه الحلوة، عدا ما يدفعه لأصحاب شركات المياه ثمن مياه الشفة.

ثمن هواء

أخيرا لجأت بعض البلديات الى حفر آبار ارتوازية في بعض أحياء حارة حريك، ومددت شبكات مستقلة عن شبكة شركة المياه الرسمية، من أجل توزيعها على من يرغب من المواطنين، الا ان البدل لم يحدد بعد، علما ان مياه آبار الضاحية في معظمها مالحة. وهنا يسأل الكثير من المواطنين عن جدوى دفع فواتير المياه، فيما لا تحمل الشبكات سوى الهواء.
وفي هذا السياق، يؤكد أحد المواطنين لـ«السفير» أنه دفع ما يترتب عليه من اشتراكات مكسورة (حوالي ألفي دولار)، لكنه لم يستفد من المياه، موضحا أنه مثله مثل الكثير من المواطنين، لجأ الى الاستدانة بعدما هددت مصالح المياه بقطع المياه المقطوعة أصلا.

السابق
المشنوق من الرابية: العسكريون المخطوفون أمانة في أعناقنا
التالي
الجيش كرم وسائل اعلام لبنانية وعربية