رسالة ديبلوماسية لمسيحيّي لبنان

يسود تشاؤم شديد صفوفَ عدد من الأميركيين، بعضُهم يتولّى مسؤوليات تنفيذية، وبعضهم يشكّل وزناً مهمّاً لدى الرأي العام الأميركي. تتخوّف مصادر أميركية من أن تطول فترة تأليف الحكومة العراقية الجديدة في ظلّ المحاولات القائمة لتأجيج النزاع المذهبي عبر عمليات القتل الجماعي التي تتنقل بين المناطق السنّية والشيعية والكردية منذ أيام.

وتعتقد أنّ خلطاً للأوراق يجري على قدَم وساق بين القوى الداخلية والإقليمية، في الوقت الذي تتسابق فيه التوتّرات المتنامية بنحو غير مسبوق في أكثر من بلد. وفي تقديرها أنّ الردّ الإيراني على ما يحدث منذ شهرين، بدأ يأخذ طريقه إلى التحوّل “أمراً عملياتياً”، مسرحُه العراق وسوريا ولبنان واليمن. وتتخوّف تلك المصادر من أن يتكرَّر في العراق بعد استبعاد نوري المالكي، مشهدُ لبنان بعدما استقالت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، فبقيَ بلا حكومة لنحو عام، في ما يشبه بدءَ مرحلة مقايضة مديدة بين طهران والآخرين. وإذ تعتقد المصادر أنّ الوضع في اليمن والذي يُنذر بانفجار، قد يكون هو الآخر على الأجندة التي ناقشَها مساعد وزير الخارجية الإيراني عبد الأمير اللهيان في الرياض، يسود اعتقاد آخر بأنّ إيران قد تقدِم على عملية سياسية في لبنان تشبه الإنقلاب “الرمادي” وليس الأبيض، من أجل حسم الأمور فيه قبيل استحقاقات سياسية ونووية وأمنية داهمة عليها وعلى المنطقة. وتؤكّد المصادر أنّ “الخيار الكونفيدرالي” في العراق الذي أعيدَ طرحه مجدداً على لسان نائب الرئيس الاميركي جو بايدن، يحمل في طيّاته دلالات سياسية واستراتيجية عدّة، فيما كان الحديث يدور عن إعادة توحيده في مواجهة خطر “داعش” “الداهم”! وتنقل تلك المصادر عن مسؤولين أميركيين تأكيدهم أنّ إدارة الرئيس باراك اوباما تُجري في هذه المرحلة تقويماً شاملاً لما يمكن أن تُقدم عليه، سواءٌ في العراق أو في سوريا، أو في لبنان، مع تراجع وتيرة القصف الجوّي الأميركي فوق العراق، بعد النجاح في إعادة رسم الحدود الفعلية على الأرض لجميع اللاعبين. فإعلان وزارة الدفاع الأميركية أمس الأوّل عن موافقة اوباما على بدء تسيير طلعات جوّية فوق سوريا، كشفَ عن مسار جديد يطمح إلى الموازنة بين التعامل بواقعية مع المعطيات الميدانية والسياسية الجديدة في سوريا، وعدم التورّط الكامل في حربٍ لا أحد يعرف مآلها في هذا البلد والمنطقة عموماً.

وتتوقّع المصادر أن تشهد المرحلة المقبلة في سوريا ما يشبه العملية الجراحية لاستيلاد حالٍ تشبه ما يعيشه العراق، بلا استبعاد ما أطلِق عليه الخطة “ب” بالنسبة إلى مستقبل العلويين فيها! في هذا الوقت، كشفَت أوساط اميركية أخرى أنّ اجتماعاً “كنَسياً” عُقِد في لبنان أخيراً، ناقشَ مضمون رسالة “ديبلوماسية” لبعض الدول، بينها الولايات المتحدة وفرنسا وأستراليا وكندا، تُبدي فيها استعدادها لقبول أيّ طلب هجرة مسيحي، في الوقت الذي يستشعر فيه الجميع أن لا إمكانية حقيقية لتأمين أيّ حصانة للمسيحيين، سواءٌ أكانت سياسية أو أمنية أو حتى عسكرية، مع التبدّل الديموغرافي الذي طرأ على لبنان، في ظلّ هذا الانفجار الكبير الذي تعيشه المنطقة بين مكوّنَيها السنّي والشيعي. وقد شهدَ الاجتماع استفاضةً في شرح أوضاع لبنان والمنطقة، والأخطار الجدّية التي قد يتعرّض لها المسيحيون عموماً والأقلّيات المذهبية الأخرى. وخلص بعضهم إلى رفض أنّ يحلّ بمسيحيّي لبنان ما حلّ بمسيحيّي العراق، فيما الفرصة لا تزال سانحة للاحتفاظ على الأقلّ بقيمة أملاكهم. وتحدّث البعض عن اتّجاهٍ إلى عدم الاعتراض على أيّ عملية بيع لممتلكات المسيحيين الراغبين في الهجرة، طالما إنّ الأفق لا يشجّع على التفاؤل بإمكان تأمين حصانات للأقلّيات ووعدها بالحفاظ على مقوّمات تضمن لها البقاء في أرضها، مثلما كان الحال على امتداد المئة عام الماضية. وتقول الأوساط الأميركية: “إنّ الوضع في لبنان ربّما دخل في مرحلة الخطر الشديد، في الوقت الذي يستشعر فيه الجميع أنّ “المظلة” المَحكيّ عنها والتي لا تزال تؤمّن له حدّاً أدنى من الاستقرار، قد تراجعَت كثيراً، في ظلّ معلومات عن نيّة البعض الإطاحة سياسيّاً بما تبقّى من هذا الاستقرار عبر محاولته إسقاطَ كلّ الأوراق التي كان يمكن أن تضمن للمسيحيّين التمثّل في صيغة حكم مقبولة عبر الإتيان برئيس قوي.

ومن هنا تأتي الحملة الشعواء على قيادة الجيش اللبناني، فيما الاصطفاف السياسي المستجد لقياداتٍ لبنانية أقلوية وانحيازها إلى جانب هذا البعض يأتي ضمن حسابات قرأت أنّ الخطر الذي تمثله “داعش” عليها، لا مجال لردّه إلّا بالاستقواء بأقلّية كبرى قوية ومسلحة”. لذلك، تحذّر تلك الأوساط “من أنّ عودة زعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري قد تطول، على رغم إمكانية قيامه بزيارات “خاطفة”، بعد تبلُّغه بالأخطار التي يمكن أن يتعرّض لها هو وغيره من الأطراف المحسوبة عليه، عقب إنهاء مفاعيل “الانتصار” الذي حقّقه الجيش في معركة عرسال الأخيرة. فيما تؤكّد المعلومات أنّ جولات جديدة وموجة من الاغتيالات قد تحصل، على خلفية قرار إيران الرد على “هزيمتها” في العراق بحروب شاملة في الإقليم.

السابق
إيلي كفوري.. ذلك ’الآدمي’ ضحيّة الفلتان
التالي
هل كان المشككون المسيحيون في الربيع العربي على حق؟