يوم البطاركة في أربيل: بكاء ورجاء

تقسو الدنيا على العراقيين. من نزح منهم الى أربيل لم ترحمهم شمس آب. وتحت درجة حرارة تصل الى الخمسين، يعيشون في الخيم ويفترشون الحدائق العامة والشوارع أو باحات الكنائس والمطرانيات. في لهيب نزوحهم هذا جاءت الزيارة البطريركية التي رمت بقطعة ثلج صغيرة ذكّرتهم بأن المسيحية هي «دين الرجاء». علامات الحزن الكبير بدت على وجوه النازحين. يرحبون بالدعوات الى الصلاة ولكنهم يحملون الدولة، وعلى وجه الخصوص الحكومة الاتحادية، المسؤولية في عدم احتضانهم. بكى البطاركة مع النازحين. امرأة يعاني زوجها من مرض مزمن ولا دواء متوافر، وابنتها مرضت ايضا وابنها الصغير في الشارع طوال الوقت تحت الشمس. 5 حالات وفاة بين الأطفال سجلت في مطرانية الكلدان الكاثوليكية في عينكاوا، القرية الاربيلية التي لا يسكنها إلا مسيحيون، نتيجة الجفاف والتعرض للشمس. كل هذا المشهد حضر في لقاء الوفد البطريركي، الذي ضم الى بطريرك الموارنة بشارة الراعي كلا من: بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريس الثالث لحام، بطريرك السريان الكاثوليك اغناطيوس يوسف الثالث يونان وبطريرك السريان الارثوذكس اغناطيوس افرام الثاني، مع رئيس اقليم كردستان مسعود البارازاني ورئيس الوزراء نجيرفان البارازاني. وفق أجواء المجتمعين «الزيارة كانت ناجحة وواعدة». الجانب الرسمي الكردي أوصل رسالته الى الوفد بأن «ليس علينا أن نعيش في الخيال، فالإقليم يمر بأزمة كبيرة ويحتاج الى مساعدة دولية، لان داعش ليس تنظيماً أو مجموعة عصابات بل هو دولة إرهابية.

الإقليم لا يملك الأسلحة الكافية، وخصوصا الجوية، لكي يتمكن من صد الاختراقات الداعشية». الوفد البطريركي شكر الجانب الكردي الرسمي على جهوده وناشدوه «العمل على مرحلتين: الأولى العمل أقله على تحرير سهل نينوى والقرى التي يضمها لكي يتمكن الشعب من العودة. والمرحلة الثانية السعي معنا لطلب الحماية الدولية التي تتبلور بمشاركة الدفاع الجوي الأميركي بالغارات ضد داعش، على غرار ما حصل في كوسوفو البوسنة». الوفد البطريركي لن يكتفي بتحركه في أربيل. وعلمت «السفير» أنه سيواصل جهوده ومن ضمنها «عقد اجتماع خاص بالعراق لمجلس بطاركة الشرق في موعد مبدئي هو 27 من الجاري في الصرح البطريركي في بكركي». لسان حال معظم النازحين: «الهجرة الى أي مكان في العالم. أستراليا أو ألمانيا أو أي بلد، المهم الرحيل من هذه الارض».

أمام «يأس» الناس، يبدو خطاب الكنيسة واقعياً. يتوافق البطريرك الراعي وبطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق والعالم روفائيل الاول ساكو في القول: «لا يمكن للكنيسة أن تفرض على الناس البقاء أو الرحيل. فهذا القرار لكل فرد أن يتخذه بحرية. ولكن الكنيسة من واجبها أن تنشر الوعي في صفوف أبنائها لكي لا ينجح المخطط في إفراغ هذه الأرض من سكانها الأصليين. الدفاع عن النفس حق مقدس، وأما تسليح المسيحيين فهذا شأن يتقرر مع المسؤولين في كل مقاطعة». الوفد البطريركي إلى أربيل ضم لفيفاً من المطارنة والكهنة ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام الاب عبدو بو كسم، الامين العام للحوار المسيحي الإسلامي حارس شهاب ورئيس جمعية الصناعيين السابق جاك صراف ومسؤول مكتب الإعلام في بكركي المحامي وليد غياض وشخصيات سياسية وروحية. المحطة الأولى كانت في كنيسة مار يوسف في مطرانية الكلدان الكاثوليك. متحدثاً باسم الوفد البطريركي قال الراعي والى يمينه بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق والعالم روفائيل الاول ساكو: «جميعنا نتألم معكم ولكننا أبناء الرجاء. نكرر صرختنا للمجتمع الدولي والجامعة العربية ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية، ومعنا صوت بابا الفاتيكان وجهوده من أجل وقف هذا الظلم». وتابع: «لسنا طارئين على هذه الارض ولسنا أقليات، وانما نحن في صلب هذه الارض المقدسة، والشعب العراقي يحمل صليب الفداء عن كل العالم العربي». «أنا أفخر بأن أكون مواطنا عراقيا». صفق الحضور في كنيسة مار يوسف لعبارة البطريرك الراعي. قالها تزامناً مع دخول قاعة الكنيسة وكيل أمير الايزيديين حازم تحسين.

«المصيبة الداعشية» جمعت الديانتين. وضع الأخير الوفد في جو المعاناة الايزيدية وقال لـ«السفير» إن «ما يمر به الايزيديون انما يعد إبادة جماعية»، مناشدا المجتمع الدولي التحرك. مشاهد الذل والمعاناة ذاتها عاينها البطاركة في تفقدهم لأكثر من مجمع للنازحين في عينكاوا. محطة مع «البارازانيين» ليعقدوا في الختام مؤتمرا صحافيا مشتركا في فندق روتانا. بدا البطريرك ساكو فرحاً بالمشهد الجامع للكنيسة لأن «المطلوب تجاوز الخصوصيات، وهذا ما حصل في هذه الالتفاتة الاخوية». البطريرك الراعي رد: «جرحكم جرحنا جميعا». وأوضح أنه لم يدع الى محاورة «داعش» وانما عنى تعرية التنظيم أمام واقعه بأن «فقدت كل شيء ولم يبق إلا الإنسانية نتمسك بها لكي نصلي لكم لكي تتخلصوا من الأرواح الشريرة». «قلبنا يدمي للمشاهد التي رأيناها»، قال البطريرك يونان، «لا توصف الكلمات، ونحن نتألم لأن المجتمع الدولي، لسوء الحظ، منشغل عنا بأحداث غزة واوكرانيا وسوريا ولو بشكل أقل، فضلا عن العطلة الصيفية للكثير من الدول، ولكننا سنبقى نسير عكس التيار لأنه لا يمكن القبول بإبادة جماعية لأي جماعة إنسانية الى أي عرق انتمت». مذكرا الغرب بأنه «دعم بشكل خفي الجماعات التكفيرية، واليوم يأتي للفلفة الأمور». وفي مناشدة شخصية للامين العام للامم المتحدة، دعا البطريرك افرام بان كي مون لزيارة أربيل، مطالبا بدور أكبر لبابا الفاتيكان «لأن الناس فقدت الثقة بقدرات البشمركة على إنقاذهم». أما البطريرك لحام فكشف عن سلسلة تحركات للبطاركة في أكثر من اتجاه للمزيد من الضغط على المجتمع الدولي من أجل مساعدة العراقيين، بما يتيح لهم الدفاع عن أنفسهم والبقاء بكرامتهم في أرضهم بعيداً من دعوات الهجرة الى الدول الغربية. خاتماً باسم الوفد: «يا عراق.. لك القيامة».

السابق
انطلاق فعاليات الجمعية العمومية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
التالي
تجربة حزب الدعوة الاسلامية في حكم العراق وضرورة المراجعة النقدية