غزة: ضغط مصري لتوقيع الاتفاق

تضاءل التشاؤم الذي ساد في اليومين الأخيرين إثر تزايد الأنباء عن اتفاق أولي بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني حول الورقة المصرية بصيغتها النهائية.

وكانت إسرائيل قد أعطت إيحاءات بأنها ليست في وارد القبول بالورقة المصرية، التي تفصل بين مرحلتَي وقف النار وفتح المعابر وبين الحل النهائي لمسائل تطوير غزة ونزع سلاحها. وقد بدا أن النقطة الأشد حساسية في نظر الحكومة الإسرائيلية، التي أعلنت النصر على «حماس»، عجزها عن استعادة جثمانَي جنديَّيْها بسبب رفضها الإفراج عن أسرى فلسطينيين.
وفيما تحدثت أوساط فلسطينية متعددة عن التوصل إلى اتفاق أولي، ملأ الإسرائيليون أفواههم ماء ورفضوا التعليق على هذه الأنباء. ولكن الأحاديث تكاثرت عن عودة الوفد الإسرائيلي من القاهرة بعد توقيعه بالأحرف الأولى على الاتفاق، وعن اجتماع عُقد حتى وقت متأخر من ليلة أمس للكابينت لإعطاء الموافقة النهائية. ويبدو أن التبرير الوحيد الذي يحاول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عرضه أمام وزرائه هو الرغبة في عدم خسارة التنسيق مع مصر، وعدم تعريض إسرائيل إلى مزيد من الضغوط الدولية والأميركية.
وأشارت أوساط فلسطينية إلى أن الوسيط المصري لعب دورا مهما في تحقيق الاختراق، وأنه رفض المطالب الإسرائيلية الجديدة التي حاول من خلالها نسف الورقة المصرية. غير أن الحديث الفلسطيني عن الاختراق يظل محدود الضمان إلى أن تعلن إسرائيل وبشكل لا لَبْسَ فيه قبولها بالخطة المصرية.
تجدر الإشارة إلى أن الورقة المصرية تتحدث أساسا عن مرحلتين، تتضمن الأولى نقاطا بالتفصيل حول وقف إطلاق النار وتسهيلات إسرائيلية في المعابر وتنسيقا لإعادة إعمار القطاع. وتتضمن المرحلة الثانية التي تبدأ بعد شهر من الآن مفاوضات حول القضايا الأشد أهمية، وبينها مطلب الفلسطينيين إنشاء ميناء ومطار وممر آمن إلى +الضفة الغربية، ومطلب إسرائيل بالرقابة الدولية ونزع سلاحَي الصواريخ والأنفاق من غزة.
وقال منسق الأمم المتحدة في الشرق الأوسط روبرت سيري، أمام مجلس الأمن الدولي، إن المنظمة الدولية تقترح فرض رقابة على مواد البناء التي تدخل غزة من اجل تسريع عملية إعادة الاعمار، وذلك للتأكد من استخدامها سلميا.
وقبل ساعة من انتهاء التهدئة منتصف ليل أمس، أعلن مصدر في الوفد الفلسطيني المفاوض في القاهرة، لوكالة «فرانس برس»، انه تم التوصل إلى اتفاق يقضي بتمديد وقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة إضافية لاستكمال مباحثات ترمي إلى الوصول إلى هدنة دائمة، وقال رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض في القاهرة عزام الأحمد، لقناة «الميادين»، «لم يحصل أي تقدم في أي نقطة في مفاوضات القاهرة عكس كل ما نُشر».
وبحسب إشارات كثيرة صَعَّدَ نتنياهو ووزير دفاعه موشي يعلون من تهديداتهما بضرب غزة إذا ما عادت المقاومة إلى إطلاق الصواريخ. واعتبر مراقبون أن هذه التهديدات من ناحية، والتعتيم الإخباري من ناحية أخرى، يشهدان على أن نتنياهو يضغط على حكومته لقبول الورقة المصرية. ويشير خبراء إلى أن إسرائيل رغم التهديدات لا تريد العودة إلى حالة القتال لاعتبارات كثيرة، بينها التكلفة المالية العالية للحرب وأثرها الاقتصادي العام، والأهم أن المكاسب لا توازي الخسائر. والمكاسب الميدانية كما تبدت لا تقارن البتة بالخسائر المادية والبشرية والمعنوية وأيضا السياسية في الجانب الإسرائيلي.
وكانت الحكومة والجيش الإسرائيلي حاولا طوال يوم أمس وأمس الأول إشاعة أجواء بأن المفاوضات متجهة إلى أزمة، وأن فرص التوصل إلى اتفاق ضئيلة، بل ضئيلة جدا. وقال كثير من القادة إن الاحتمال الأكبر هو استئناف إطلاق النار، ولذلك ينبغي أن تكون قوات الاحتياط كافية، وأن يكون الجيش والجمهور مستعدين لذلك. وشدد قادة الحكم والجيش في إسرائيل على أنهم لا يمكن أن يقبلوا ما ينتقص من الأمن الإسرائيلي. لكن، كما سبق، كانت الأنظار منصبة بشكل أساسي نحو جثمانَي الجنديَّيْن شاؤول أورون وهدار جولدن لأسباب رمزية. فبقاء الجثمانَين لدى «حماس» يعني عجز إسرائيل عن فرض إرادتها في هذه القضية الحساسة، واضطرارها للدخول في مساومة طويلة حول تبادل الأسرى.
وذهبت أدراج الرياح الأحاديث الإسرائيلية عن وقف نار من دون اتفاق، وحتى عن تسوية من طرف واحد ومن دون اتفاق مع «حماس». وأعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، الذي زار برفقة وزير دفاعه قاعدة بحرية في أسدود، «اننا ندير سويا هذه المعركة المركبة بحزم ومسؤولية». وأكد نتنياهو أن الجيش الإسرائيلي يستعد لاستئناف القتال، و«اننا جاهزون لكل سيناريو، فالتعليمات أعطيت للطاقم الإسرائيلي في القاهرة بالإصرار على احتياجات إسرائيل الأمنية، والجيش الإسرائيلي مستعد لعمل هجومي شديد جدا إذا استؤنف إطلاق النار». وقدم للجنود خبرة حياته وحكمته، فقال: «في الشرق الأوسط العاصف ينبغي الجمع بين القوة وطول النفس».
من جانبه، أكد يعلون أن «عملية الجرف الصامد لم تنتهِ. وكما تعهدنا، فإننا لن نتوقف قبل أن نجلب الهدوء والأمن. ونحن بانتظار نتائج المباحثات في القاهرة، سواء قاد هذا إلى الهدوء أم إلى أن يحاول أحد أن يتحدانا بالتصعيد». وأكد أن الجيش الإسرائيلي «لن يسمح لحماس بجرنا إلى حرب استنزاف، وإذا حاولت فسوف تنال بدل الضعف ضعفين».
ومن المعروف أنه ليس في حكومة نتنياهو، ولا في مجلسه الوزاري المصغر غالبية تؤيد الاتفاق وفق الورقة المصرية. وقد رفع العديد من الوزراء أصواتهم ضد هذه الورقة، ولكن ذلك لا يعني استسهال رفضها، فالورقة باتت تحظى بتأييد أميركي وأوروبي ومن الأمم المتحدة فضلا عن «الدور الإقليمي» الذي كثيرا ما تغنى به نتنياهو خلال الحرب على غزة. ولذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية سَتُهَرِّب الموافقة على الورقة المصرية تهريبا، وتدعي أنها حققت لها المراقبة على ما يدخل إلى غزة من ناحية، وحرمت «حماس» من الميناء والمطار من ناحية ثانية.
وكان وزير المالية يائير لبيد، الذي يقف أمام مطالب من الجيش بتعويض تكلفة الحرب العسكرية أوليا بحوالي 2.5 مليار دولار، وبعدها بتوابع تصل إجمالا إلى 4 مليارات دولار، قد طالب بالإشراف على الأموال التي سوف تدخل إلى غزة لإعمارها. ودعا إلى مؤتمر إقليمي بحضور الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر والدول الخليجية والسلطة الفلسطينية لترتيب خطة لتجريد غزة من السلاح وإعمارها، وأن تشكل الأموال المقدمة لإعمار غزة وسيلة لفرض سيطرة السلطة الفلسطينية وضمان الهدوء للمستوطنين في جنوب إسرائيل.
ومعروف أن وزير الاقتصاد نفتالي بينت يصرخ ليل نهار مطالبا بوقف المفاوضات مع «حماس» وفرض حل إسرائيلي من طرف واحد على أساس «إنساني» يقوم على فتح المعابر من دون حدود والإشراف على كل ما ومَن يدخل. والمهم في نظره ألا تكون «حماس» شريكا وأن تمتلك إسرائيل طوال الوقت القدرة على مهاجمة الأنفاق والصواريخ في القطاع.

(السفير)

السابق
اغتيال نائب مفتي جمهورية اوسيتيا الشمالية بروسيا الاتحادية
التالي
الجنرال سليماني خرج من قيادة العراق الى سوريا