هل ينجح ضبط المساجد والخطب الدينية في لبنان؟

دخلت دار الفتوى اللعبة مجدداً، لا كمشاركة عادية، بل باتت رأس الحربة في مواجهة التطرف وبسط الاعتدال والوحدة الاسلامية واللبنانية على أراضي الجمهورية. مهمة ليست سهلة سيقودها المفتي الجديد عبد اللطيف دريان الذي أصبح بوصلة السنّة في لبنان، وسط موجة التشدّد التي تضرب المنطقة.

أمام المفتي الجديد مهمات صعبة، النجاح فيها سيكون أحد أسباب انقاذ لبنان من أي حال شاذة قد تتطور لتصبح ظاهرة تكفيرية تحمل أجندة خارجية ارهابية. وقد يكون المساعد الاول في انجاح هذه المهمة أن لبنان ليس فيه بيئة حاضنة للتطرف، وعلى دار الفتوى تحصين البيئة المعتدلة. ومن الوسائل الجماهيرية ضبط الخطابات الدينية في نحو 1000 مسجد، موزّعة من اقصى شمال لبنان إلى اقصى جنوبه.
من المهم أيضاً مراقبة مضمون الدروس الدينية التي من شأنها سلب عقول الشباب ودفعهم نحو طرق غير اسلامية في اعتقادهم انها توصلهم إلى الجنة، فضلاً عن تحويل البعض المساجد معسكرات يجرّد المواطن فيها من وطنيته، وتحضه على ضرب المؤسسات والخروج عن القواعد، والمثال الأكبر على ذلك الحركة “الأسيرية” وخطابات الشيخ أحمد الأسير الفتنوية. وهناك أئمة يحرّضون المصلين على حمل السلاح أو قطع الطرق ومواجهة الدولة والقوى الأمنية. أمر لا ينحصر بالطائفة السنية فحسب بل يطال الشيعية والمسيحيين أيضاً.

“اقتراح خطبة”
“دعم ركائز العيش المشترك والوحدة الاسلامية واللبنانية والاعتدال”، هو ركيزة تعمل الدار على دعمها منذ ايام المفتي حسن خالد”، بحسب ما يقول المدير العام للأوقاف الإسلامية هشام خليفة الذي بدأ منذ توليه منصبه العمل على ضبط المساجد.
يوزّع خليفة أسبوعياً قبل يوم الجمعة “اقتراح خطبة الجمعة” على كل الائمة، مراعياً عنصر الخصوصية في عدم فرض القاء الخطبة على الخطيب. ويقول خليفة لـ”النهار”: “رغم خاصية حرية الرأي والتعبير في لبنان، ترفض دار الفتوى أن تكون الحرية على حساب المصلحة الوطنية الجامعة أو ان تكون متفلتة أو خاضعة لمزاجيات”.
وتتضمن الخطبة موقف المرجعية الدينية من أهم الاحداث اللبنانية والمسائل الدينية وتهتم باللحمة الوطنية ودعم القوى الأمنية. ولاقى خليفة قبولاً لفكرته من البعض بعدما أوضحت المراجع أن الخطبة ليست لفرض سياسة معينة على الخطيب بل للاطلاع على موقف المرجعية والاستناد اليه، فيما هناك جماعات وأئمة لا يتلزمون الخطوط الحمر. ويرى خليفة أنه “يجب أن يكون هناك تعاون وجهد كبيران بين دينيين وسياسيين وامنيين لضبط الخطاب الديني، فنحن مع حرية الخطيب لكن ليس على حساب الوحدة الاسلامية والوطنية أو نشر خط التكفير”.
ما العقاب لغير الملتزم؟ يجيب خليفة: “لدينا آلية للمحاسبة ضمن القوانين، لكن تركيبة لبنان وحصول البعض على دعم من مسؤولين يصعّبان المعاقبة، وعندما يتوافق الجميع على وجود خطوط حمر، يكون حينها لدينا من الاجراءات القانونية والادارية”.

خطة للانفلات
لا يخفي الأمين العام للمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الشيخ خلدون عريمط أن ظاهرة التطرف والانغلاق الموجودة لدى أكثر من فريق لبناني “لا تبشر بالخير وتشوّه دور الاسلام والمسلمين في لبنان”، ويشدد على أن “دار الفتوى ستؤدي دورها الاسلامي المعتدل، وسيكون للدار عبر المفتي دريان خريطة طريق لاظهار الوجه الحقيقي للاسلام”.
المفتي دريان سيوعز بالتعاون مع المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى ودوائر الاوقاف إلى المؤسسات والدوائر الوقفية من أجل الانطلاق بخطة لضبط “الانفلات على الساحة الاسلامية، سواء على صعيد المساجد أو المعاهد التي تخرج مجموعات من هنا ومن هناك”، بحسب عريمط الذي يؤكد ان “وضع المساجد سيضبط وسيعاد النظر في الخطاب الديني ليكون منطلقاً من التزام لكتاب الله وسنة الرسول محمد الذي دعا إلى احترام الانسان وتكريمه واحترام الرأي الآخر والحرية في العبادة”.

“مجلس استشاري”
الجميع يتفق على ضرورة مواجهة التطرف، فإمام مسجد القدس في صيدا الشيخ ماهر حمّود وضع على رأس لائحة مهمات دار الفتوى “التصدي للتطرف والارهاب والجهلة الذين يسخّرون الاسلام وفقاً لاهوائهم وانحرافهم”.
حمّود يريد التوازن في دار الفتوى، فهو لا ينسى أن المفتي السابق محمد قباني “كان في فترة ما مائلاً بشدة إلى تيار المستقبل ووضع نفسه تقريباً في تصرف مواقفه السياسية، ثم عندما اهانه التيار وتسبّبوت له بأذى بات شديد الخصومة تجاهه”. ويطالب حمود المفتي الجديد بـ”البقاء على الحياد، خصوصاً انه يتخذ من المفتي حسن خالد قدوة له”.
ويتفق إمام مسجد القدس مع فكرة أن ضبط الخطابات الدينية من واجب دار الفتوى، لكن في رأيه “يد واحدة لا تصفق، واذا لم يبدأ الجميع بالتعاون مع الشيخ دريان فالامر يصبح صعباً، لأنه في الاسلام لا اكليروس بالمعنى الموجود لدى اخواننا النصارى كمرجعية واحدة بل هناك اجتهادات ومنابر متعددة، وفي الأزهر، وقبل قانون التحديث عام 1958 كان يُدرّس المذهب الشافعي والحنبلي والمالكي، وهناك حرية للطلاب”.
ويرفض حمود فكرة توزيع الخطبة والتزامها، ويعتبرها “اهانة للخطيب والمصلين، لكن هذا لا يمنع الاتفاق على خطوط حمر عبر التشاور”.

السابق
هبة الـ3 مليارات للجيش مهدّدة!
التالي
هيئة التنسيق تمنع الاساتذة من التصحيح