الابعاد الاستراتيجية للحرب على غزة

قاسم قصير

ركزت معظم وسائل الاعلام والمواقف تجاه الحرب الوحشية التي يشنها الجيش الصهيوني على قطاع غزة على الجانب الانساني وحجم الدمار وعدد الشهداء والجرحى والطبيعة الوحشية لهذا العدوان وكل ذلك يعتبر امرا مهما لكشف همجية العدو الصهيوني ووحشيته وكذلك من اجل استنفار الرأي العام العالمي للتعاطف مع الشعب الفلسطيني وخصوصا ابناء قطاع غزة.
لكن اضافة لهذه الابعاد الانسانية وللوجه الوحشي للعدوان، فان هناك ابعادا استراتيجية ومستقبلية للحرب على غزة ينبغي الالتفات اليها ودراستها وان كان ذلك يتطلب بعض الوقت وانتظار نهاية الحرب وما ستسفر عنه ان الصعيد الميداني او السياسي او العسكري.
ويمكن، ان نسجل الملاحظات الاولى:
اولا: ان فترة هذه الحرب(حوالي الشهر) هي من الفترات الطويلة للحروب التي يشنها الصهاينة على الدول العربية، وقد تمتد هذه الحرب الى فترة اخرى كما حصل خلال العدوان الصهيوني على لبنان في تموز 2006 (33 يوما)، ورغم كل اشكال القصف والتدمير وكمية المتفجرات التي استخدمت والقوة النارية وعدم التكافؤ بين الجيش الصهيوني والمقاومين، فان هذا الجيش لم يستطع التقدم الا الى مسافات قليلة نسبيا في قطاع غزة حتى اليوم، كما لم ينجح باحتلال سوى مساحات قليلة من الجنوب اللبناني عام 2006 بعكس الحروب التي حصلت سابقا.
وهذه النقطة تحتاج لدراسات معمقة ان لجهة واقع الجيش الصهيوني او على صعيد الاستراتيجيات الحربية ودور المقاومة في الصراع على خلاف دور الجيوش النظامية العربية.
ثانيا: ان التكتيكات العسكرية التي اتبعتها قوى المقاومة، سابقا في لبنان، واليوم في قطاع غزة، تجمع بين اسلوبين، الاسلوب الاول هو اسلوب الجيوش النظامية من حيث اطلاق الصواريخ والمواجهة المباشرة واعتماد المحميات او الانفاق للقتال والاسلوب الثاني هو اسلوب حرب العصابات عبر شن الهجمات السريعة وان كان تكتيك انتظار قدوم الجيش الصهيوني والانقضاض عليه قد اعتمد ايضا ن مما يعني اننا اصبحنا اليوم امام مدرسة قتالية جديدة تجمع بين الحروب النظامية وحروب العصابات وهي مدرسة بدأت تدرس في عدد من الاكاديميات العسكرية بعد حرب تموز 2006 وستكون موضع اهتمام ودراسة حاليا بعد حرب غزة.
ثالثا: ان الكيان الصهيوني لم يعد يمتلك اية شرعية اخلاقية او سياسية او قانونية في حروبه ضد العرب او الفلسطينيين، فهو في كل الحروب السابقة كان يخترع الاسباب او المبررات التي تبرر له شن الحروب وهي مبررات غير صحيحة، لكن للاسف كان بعض الرأي العام العالمي والجهات الدولية يتعاطف مع الكيان الصهيوني ويبرر له جرائمه ويقدم له المساعدات العسكرية والاعلامية والسياسية، لكن اليوم لا يبدو ان الرأي العام العالمي يصدّق ما يقوله الصهاينة وبدأنا نشهد حملة اعلامية ضد ممارسته ، وان كان للاسف فان الانظمة العربية والرأي العام العربي لم يتعاطف مع الفلسطينيين بالمستوى المطلوب، بل ان بعض الاعلام العربي وبعض الانظمة العربية تشن حربا ضد الفلسطينيين وقوى المقاومة.
رابعا: ان اية مواجهة مستقبلية مع العدو الصهيوني لم يعد بالامكان فيها الاعتماد على الجيوش النظامية والتقليدية لان هذه الجيوش مكشوفة امام العدو حيث يمكن قصف مراكزها وثكناتها وجنودها، ولذا لا بد من الاستفادة من قوى المقاومة والتي تحظى بدعم شعبي، اي العودة الى معادلة: الشعب والجيش والمقاومة تحت سقف الدولة، اذن نحن امام تغير استراتيجي على صعيد الحروب وخصوصا مع العدو الصهيوني، وطبعا يجب ان تكون قوى المقاومة تحت سقف الدولة لكنها تعتمد تكتيتكات خاصة بها مثل المحميات والانفاق والصواريخ والمجموعات المقاتلة السريعة، وفي لبنان يمكن الاستفادة مما جرى في الحرب على غزة عند مناقشة الاستراتيجية الدفاعية.
خامسا: ان الحروب المقبلة مع العدو الصهيوني اذا حصلت ينبغي ان تجري على ارض هذا العدو وداخل الكيان الصهيوني، لان الجيش الاسرائيلي لم يعد مطلق اليدين بشن الحرب البرية على الاراضي العربية في حال كانت هناك قوى مقاومة مجهزة للحروب الجديدة، بل ان نظرية الهجوم على الجليل او خلف خطوط العدو لن تعد صعبة او مستحيلة وخصوصا عبر استخدام الانفاق وسيكون حزب الله والمقاومة الاسلامية في لبنان معنيان بالاستفادة من دروس الحرب على غزة في اي حرب مقبلة.
سادسا: على قوى المقاومة والدول الداعمة لها ان تعيد النظر على صعيد العلاقة فيما بينها وان تستفيد من اخطاء المرحلة الماضية والبحث عن ادارة جديدة للازمات القائمة بحيث يمكن اعتماد النظرية التي تجمع بين خياري الديمقراطية والمقاومة بدل اعتماد نظرية الظلم والمقاومة او الديكتاتورية والمقاومة او ان صوت المعركة يعلو على كل صوت.
سابعا: ان التعاون بين السلطة والمقاومة او وحدة الموقف الداخلي في اي بلد يواجه عدوا مثل العدو الصهيوني هي مسألة اساسية في المواجهة وهي تساعد على دعم قوى المقاومة ان خلال الحرب او خلال المفاوضات ويجب الابتعاد عن سياسة التخوين والاتهامات.
ثامنا: ان العدو الصهيوني لم يعد لديه سلاح فاعل سوى ارتكاب المجازر الوحشية بحق المدنيين وهذا السلاح ينعكس سلبا عليه دوليا وانسانيا وقد لاحظنا حجم التفاعل الاعلامي والانساني والدولي مع الشعب الفلسطيني ولم يعد هذا العدو قادرا على اخفاء جرائمه او تبريرها وعلينا الاستفادة من كل وسائل الاعلام الجديدة لكشف جرائم العدو والوصول الى الرأي العام العالمي.
اخيرا، لقد كرس العدوان على غزة وقدرة المقاومة والشعب الفلسطيني على مقاومته والصمود في وجهه حقائق استراتيجية ومستقبلية جديدة على صعيد الصراع مع العدو الصهيوني وعلينا دراستها بعمق والاستفادة منها على الصعيد المستقبلي فنحن نشهد ولادة انسان عربي جديد في مواجهة العدو الصهيوني وفي مواجهة قوى التخلف والتطرف التي تنتشر في المنطقة والتي يمثل تنظيم “داعش” احد وجوهها الفاضحة والسيئة.

السابق
هيئة التنسيق موحّدة بمواجهة بوصعب
التالي
لماذا ضرب مارادونا صحافياً على وجهه!