مؤتمر الديمان المسيحي يناقش هموم مسيحيّي العراق وسوريا والمنطقة

قبل أن يدعو البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى مؤتمر لبطاركة الشرق في الديمان الخميس المقبل، ينازع الفكرة رأيان.

الأول أن يعقد المؤتمر بدعوة من القادة السياسيين أو الدينيين المسلمين كما حصل في الدعوة إلى جلسة مجلس النواب حيال غزة، لأن التهجير في العراق عموماً والموصل خصوصاً كان فعل مجموعات إسلامية، ولو اختلفت عقيدة وأسلوباً ونظرة عن المسلمين عموماً.

والثاني يرى التريث قليلاً في الدعوة لسببين:
أ – إن عدداً من البطاركة موجود في زيارات لدول مؤثرة في الوضع أو أنه يصعب عليهم الوصول بالسرعة المرجوة إلى لبنان.
ب – إن مؤتمراً بهذه الخطورة يجب ألا يقتصر على المسيحيين، إنما يجب أن يشمل القادة الدينيين المسلمين أيضاً، بحيث يكون مؤتمراً وطنياً، لأن ما يحصل يصيب المسيحيين والمسلمين، وليكون لمقرراته التأثير الأكبر على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية.
وبين الرأيين، كان للبطريرك أن يقرر، لأن مسيحيي الموصل نزحوا إلى مناطق الحكم الذاتي الكردي مثل إقليم كردستان، أو إلى مناطق سيطرة حكومة نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي، وكلا النزوحين غير ثابت، وقد يكون محطة موقتة قبل الهجرة إلى دول أميركية وأوروبية في ضوء إبداء عدد من هذه الدول استعدادها لاستقبال المسيحيين العراقيين، وفي مقدمها كندا. علماً أن موقف مسيحيي البصرة يذكّر بالموقف الذي وجد المسيحيون اللبنانيون أنفسهم فيه في بداية الحرب اللبنانية عندما عرض الموفد الأميركي دين براون عليهم الهجرة إلى الخارج مبدياً استعداد بلاده لإجلائهم، ومؤكداً تأهب البواخر الأميركية لنقلهم إلى حيث يريدون من الدول التي عرضت استقبالهم. ولكن العرض الأميركي جُبه برفض ومقاومة لدى كل الأوساط المسيحية السياسية والدينية، وسقطت محاولة إنهاء النزاع اللبناني بإنهاء صيغة العيش المشترك والرسالة النموذجية.
صحيح أن الرأي الأول الداعي إلى الدعوة الإسلامية إلى مؤتمر وطني من أجل مسيحيي العراق لم يكتب له النجاح، إلا أن أوساطاً متابعة، وبعضها من الذين هم على علاقة مباشرة بمن طاولتهم الأعمال الإرهابية وتهديدات المسلحين في الموصل وغيرها، يعتبرون أن أسوأ ما يمكن أن يواجهه المرء، هو أن يدخل عليه غريب ويدعوه إلى ترك منزله وممتلكاته، وإذا أراد البقاء فإما أن يشهر إسلامه وإما ان يكون من أهل الذمة يدفع الجزية.
لذا يتوقع أن تأتي مقررات المؤتمر صريحة وستتضمن نداء إلى الشركاء في الوطن ليتحركوا قبل أن تفقد المنطقة مكانتها وصورتها الحضارية وتذوب تحت نظر المجتمع الدولي في مستنقع الحركات المتطرفة، وتصبح في عداد الدول الحاضنة للإرهاب والمصدرة له.

العراق وسوريا وماذا بعد؟
وتضيف الأوساط المتابعة نفسها أن القيادات الإسلامية اللبنانية تدرك جيداً أن المسيحيين هم أهل هذه الأرض قبل الإسلام، وبالتالي لا يمكنهم التخلي عنها. وبالنسبة إلى مسيحيي العراق فإن الموصل أو نينوى هي عاصمة الآشوريين الذين يصل عمرهم فيها إلى نحو أربعة آلاف سنة، وقد ساهموا في بناء حضارتها وحضارة العراق وبنوا أكثر الحضارات عراقة في تاريخ الشرق. وفي رأي المغالين في هذه الأوساط أنه لا يجوز أن يأتي “شذاذ الآفاق” ويقضوا على حضارة بين النهرين، ويدكـّوا آخر المحرمات بطردهم الأشوريين من أرضهم واقتلاعهم من تاريخهم بعدما طرد الكلدان من بابل. ويذهب هؤلاء إلى أبعد من ذلك ليقولوا: “ماذا بعد؟ هل يأتي دور الموارنة وينتهي الدور الحضاري المسيحي في الشرق؟ وهل ينتهي لبنان الرسالة ودوره كبوابة الشرق إلى الغرب؟”
وتعتقد أوساط مواكبة للتحرك الداعم لمسيحيي الشرق وبقائهم في أرضهم، وهي أوساط دينية وسياسية مسيحية واسلامية، أن ما يحصل في سوريا والعراق حالياً هو “انحطاط للفكر الإنساني أدى إلى ظهور تنظيم “داعش” وهو تنظيم من إفرازات رافضي النظامين السوري والعراقي الذين زجوا في السجون من أبو غريب والمزة وغيرهما، ثم أطلقوا خلال الحوادث في البلدين، فضلاً عن أن تنطيم “دولة الإسلام في العراق والشام” نما على تراكمات ممارسات وديكتاتوريات أنظمة رفضتها كلها ولم تقتنع بـ”وعود الربيع العربي” وكل “حداثة موعودة”، فإذا بها تحمل مساوئ القديم ومساوئ الجديد معاً، وإذا بهذا التنظيم الذي تعتبره الأوساط نفسها “كذبة مرحلية” ينطلق من رفضين للقيم الموروثة للمجتمعات العربية والديانات، وللحضارات الحديثة”.
وما دام الكلام على العراق والمسيحيين، فثمة ناشطون قريبون من الكنيسة، يتحدثون عن وعد أعطي للآشوريين بعد الحرب العالمية الثانية، بأن تكون لهم دولة، وقد أُعطوا هذه الدولة، وبات لنينوى ملك آشوري. وتطور المسيحيون في العراق وانتظموا في 14 مذهباً وكان الكلدان أكبر المذاهب ومقرهم بغداد، ثم الأشوريون في الموصل (نينوى) فالسريان والأرمن. كذلك كان لهم قانون يرعى أحوالهم الشخصية ولغتهم السريانية الرسمية في مناطقهم، و7 نواب، ثلاثة للأشوريين وإثنان للكلدان وإثنان للسريان. ولكن كل هذا لم يمنع جهات متطرفة سنية وشيعية من تهجير عدد كبير منهم بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 نتيجة تفجيرات استهدفت كنائس ومؤسسات مسيحية، واتباع ذلك بدعوة تنظيمات متطرفة النساء المسيحيات كما المسلمات إلى حسر الرؤوس، بعدما كان السريان الأرثوذكس تهجّروا في مجزرة سميل عام 1933 إلى سوريا وأميركا، وقبلهم تهجّر الكبوشيون من الموصل عام 1724، علماً أن المسيحيين في العراق كانوا معظم سكان البلد في القرن الأول الميلادي مع قلة من الطائفة اليهودية، وتضاءل عددهم بعد فرض الجزية عليهم.
كل هذا الواقع سيكون على طاولة بطاركة الشرق الأربعاء المقبل، فضلاً عن الحديث تفصيلاً عن دور المسيحيين في النهضة العراقية خصوصاً، باعتبار أن هذه النهضة “مسيحية النشأة”. ويتحدث مثقفون من الناشطين القريبين من الكنيسة عن الدور البارز للسريان والنساطرة في الترجمة والعلوم، إذ انهم تولوا الترجمة منذ أيام العباسيين من اليونانية والسريانية والفارسية إلى العربية. ويبرز في مجال الترجمة شمعون الراهب وجورجيوس أسقف حوران، بينما يبرز في الطب جبريل بن بختيشوع الذي ظلت عائلته معروفة في هذا المجال طوال ثلاثة قرون. وقد دفع النبوغ المسيحي في العصر العباسي الجاحظ إلى وصف النصارى بأنهم “متكلمون وأطباء ومنجمون، وعندهم عقلاء وفلاسفة وحكماء، ومنهم كتـّاب السلاطين وأطباء الأشراف والعطارون والصيارفة”.
كذلك برز في الترجمة يوحنا بن ماسويه وحنين بن اسحق وحبيش بن الأعسم، وقسطا بن لوقا الذي ترجم كتب أرسطو وأبقراط. كذلك ترجم المسيحيون العراقيون كتب الفيزياء.
هذا الواقع، بل هذه الحضارة المهددة بزوال يقضي على كل ما بناه المسيحيون في بلاد بين النهرين، وهذه التهديدات التي تصور الإسلام على غير ما هو بسبب ممارسات مجموعات متطرفة قد تلبس المنطقة لبوساً غير لبوسها وتقضي على صيغة العيش المشترك لأكثر من 1500 سنة بين مختلف الديانات، وباتت أعمالها الإرهابية تحت المجهر، كلها ستكون موضع نقاش يطلق على أثرها المؤتمر نداء إلى الشريك في المواطنية للتحرك كل وفق قدراته، وصرخة تهز الضمير العالمي ـ إذا كان ثمة ضمير باق.
ولكن هل يكفي ذلك؟
ماذا لو خلص المؤتمر إلى توجه وفد بطريركي إلى الأمم المتحدة لإلقاء كلمة توقظ المجتمع الدولي الراقد في سبات عميق، فيتحرك قبل أن يأتي تحركه متأخراً؟ أو ماذا لو حصلت مبادرة إسلامية فيحضر عدد من القادة الروحيين المؤتمر المسيحي، أو يتوجه وفد منهم إلى الدول الإسلامية المؤثرة لوقف ما يحصل ضد المسيحيين في العراق وسوريا، لأن تأثير ذلك أكبر بكثير على المنطقة وشعوبها وعلى صورة الإسلام؟

السابق
دعوة إلى مبارزة إعلامية بين عون وجعجع
التالي
مجلس النواب الأميركي اتخذ قراراً بملاحقة أوباما قضائياً