القصة الكاملة لمنذر الحسن

أكملت “شعبة المعلومات” في قوى الأمن الداخلي، ما كان قد بدأه “الأمن العام” في فندق “دي روي” في الروشة ببيروت، عندما داهم الانتحاريين السعوديين عبد الرحمن بن ناصر الشنيفي وعلي إبراهيم الثويني، فنجحت القوة الضاربة التابعة للمعلومات في قتل المنذر الحسن الذي زوّد الانتحاريين السعوديين بالأحزمة الناسفة، وذلك بعد محاصرته والاشتباك معه في الشقة التي كان يختبئ فيها في الطابق التاسع من مبنى «سيتي كومبلكس» الملاصق لمجمع “سيتي كومبلكس” التجاري في طرابلس، عبر عملية أمنية نوعية ودقيقة أشرف عليها رئيس الشعبة العقيد عماد عثمان الذي كان موجودا في طرابلس لمتابعة كل التفاصيل.

وقد استعادت طرابلس أمس سيناريو أحداث تنظيم «فتح الإسلام» التي انطلقت في 20 أيار 2007 عندما حاصرت القوة الضاربة التابعة لشعبة المعلومات مجموعة من أعضاء التنظيم في إحدى الشقق السكنية في مجمع «روبي روز» في شارع المئتين.

ماذا في القصة الكاملة للمنذر الحسن؟

تشير المعلومات التي حصلت عليها “السفير” الى أنه بعدما كشف الموقوف السعودي من فندق “دو روي” خلال التحقيقات معه عن اسم المنذر الحسن وبأنه هو من زوده ورفيقه الذي فجر نفسه بالأحزمة الناسفة، غادر الحسن منطقة المنكوبين على عجل، ومنها الى جرود عكار، ومن ثم انتقل الى منزل ابن عمته الموجود في السويد ويدعى ف. م. والكائن في الطابق التاسع من مبنى “سيتي كومبلكس”، وتوارى فيه عن الأنظار، بعدما حصّن نفسه بكميات من الأسلحة والذخائر والقنابل اليدوية.

وتقول المعلومات إن عمة الحسن أخذت على عاتقها زيارته مرتين في الأسبوع لتأمين حاجياته من طعام وشراب وألبسة، وذلك بحجة تفقد وتنظيف منزل ابنها الموجود في السويد، وخلال كل تلك الفترة لم يشعر سكان المبنى بأي حركة مريبة أو بوجود أي شخص في المنزل.

وتضيف المعلومات: ان شعبة المعلومات علمت بوجود الحسن في شقة ابن عمته، وباشرت بمراقبتها بدقة، وضعت خطة محكمة لمداهمتها، آخذة بعين الاعتبار أنها تقع في مجمع سكني وفي منطقة تعج ليلا نهارا بالزوار، خصوصا خلال شهر رمضان، وقد حضرت القوة الضاربة الى طرابلس قبل أربعة أيام، وبدأت بتجهيز نفسها استعدادا للساعة الصفر التي حُددت عند الواحدة من فجر أمس.

وفرضت العناصر الأمنية طوقاً حول مبنى “السيتي كومبلكس” ومن ثم توجهت الى الطابق التاسع حيث يختبئ الحسن الذي شعر بالمداهمة، فسارع الى فتح النار على العناصر وحصل اشتباك عنيف استخدمت فيه الأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية واستمر زهاء ثلاث ساعات، حيث أفاد شهود عيان أنهم سمعوا دوي أكثر من عشر قنابل يدوية، وكانت الاشتباكات تعنف حينا وتتراجع أحيانا.

وقد هدد الحسن عناصر القوة الضاربة بتفجير نفسه بحزام ناسف قال إنه بحوزته إذا ما تقدم منه أي شخص، ما دفع بالقوة الأمنية الى التراجع وانتقلت الى مفاوضته لإقناعه بتسليم نفسه، وأكد الضابط المسؤول له أن لا مجال للمواجهة أو الهروب لأن الشقة والمبنى والشارع والمنطقة محاصرة، فطلب الحسن إحضار عمته الى المنزل، فتم الاتصال بها وحضرت على الفور، لكن حضورها لم يغير شيئا وتبين أنه كان لمجرد إضاعة الوقت، حيث استمر في رفضه تسليم نفسه.

إثر ذلك، تجددت الاشتباكات بين الحسن والعناصر الأمنية الذين حاولوا خلع الباب الحديدي للمنزل فلم يفلحوا في ذلك، فأحدثوا فجوة في جدار جانبي للمنزل، ودخلوا منها، لتصبح المواجهات الرشاشة ورمي القنابل اليدوية من غرفة الى غرفة، وصولا الى تحصّن الحسن أخيرا في حمام المنزل، فسارعت العناصر الأمنية الى رمي قنبلة يدوية باتجاهه، فحاول رفعها وردها باتجاههم فانفجرت به ثم انفجرت قنبلة كانت بحوزته ما أدى الى مقتله.

وعلى الفور عملت العناصر الأمنية على تمشيط المنزل وتفتيشه بدقة، وعثرت على كميات من الأسلحة، فضلا عن أغراض شخصية عائدة للحسن الذي كشف الطبيب الشرعي على جثته قبل أن تنقل بواسطة الصليب الأحمر اللبناني الى براد أحد المستشفيات.

كما حجزت شعبة المعلومات سيارة من نوع مرسيدس كحلية اللون تحمل لوحة لبنانية رقمها 196410 / ط، كان الحسن يستخدمها في تنقلاته، ويبدو أنه لم يستخدمها طيلة فترة إقامته في المنزل، نظرا للغبار المتجمع عليها ولسوء حالة إطاراتها.

وقد عثرت عناصر المعلومات بعد تفتيشها السيارة على شريحة اتصالات، ودفتر سوق باسم هـ . م (ابن عمة الحسن) وعلى ورقة تتضمن بعض الإثباتات الشرعية في تحريم التدخين، إضافة الى محبرة، وسكين وعطر، وأغراض شخصية.

وعند ساعات الصباح الأولى، خرج الأهالي لتفقد الأضرار، وغادر بعض المحاصرين منازل أقاربهم، فيما استمر الطوق الأمني مفروضا حول المبنى.

الأمن الداخلي: جرح 4 عناصر

أوضحت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي – شعبة العلاقات العامة في بيان أنه “بنتيجة المتابعة والرصد وفي مدينة طرابلس ـ طريق الميناء، حددت شعبة المعلومات مكان تواجد المطلوب بجرم إرهاب المدعو ـ م. ح.”.

وأضاف البيان أنه “بناءً لإشارة القضاء المختص، قامت قوة من الشعبة بمحاصرة المطلوب في الشقة، وبدأت بمفاوضة طويلة بمشاركة إحدى قريباته، لتسليم نفسه إلا أنه رفض الاستسلام، وقام بإطلاق النار والرمانات اليدوية باتجاه القوة التي ردت بالمثل، ما أدى الى مقتله وجرح 4 عناصر من القوة المداهمة بجروح طفيفة”.

سيدفن سرّه معه

أسدل الستار على قضية المنذر الحسن بعد شهر تقريبا على تردد اسمه على خلفية تزويده الانتحاريين السعوديين في فندق “دي روي” في بيروت بالاحزمة الناسفة، ليقفل معه ملف امني بغاية الخطورة، لكن من دون ان تكتمل كل عناصره التي بقيت سرا كبيرا بمقتله.. وسيدفن معه.

ولعل القدر اختار للحسن الموت بالطريقة التي كان سبقه بها أحد الإنتحاريين، والذي بادر بعد محاولة اعتقاله الى تفجير نفسه في الفندق، وهي الطريقة الشبيهة نوعا ما بمقتل الحسن الذي تردد ان وفاته كانت نتيجة انفجار قنبلة كان يحاول قذفها على العناصر الامنية خلال محاولتها توقيفه داخل الشقة.

الحسن الذي يحمل الجنسية السويدية، كان عاد الى مكان نشأته في المنكوبين قبل نحو ستة أشهر بعد مقتل شقيقيه معتصم وحسن في عملية مزدوجة كانا نفذاها ضد موقع للجيش السوري النظامي في محيط قلعة الحصن في ريف مدينة حمص السورية.

والحسن من مواليد 1990 في بلدة بزبينا ـ عكار متحدر من عائلة ذات فروع كان ذاع صيتها مؤخرا في الأعمال الأمنية، فهو بالاضافة الى شقيقيه، كان فقد ابن خاله ضمن مجموعة تلكلخ، وفقد قبل ذلك عميه من آل ديب اللذين قتلا أثناء معارك «فتح الإسلام» في طرابلس ومخيم نهر البارد، فضلا عن وجود عم له موقوف في ألمانيا بتهمة التخطيط لتفجير قطارات، وآخرين في سجن رومية بتهمة الانتماء لتنظيم “فتح الإسلام” وتهريب مناظير ليليلة عبر مطار بيروت.

وكان الحسن يتردد في كل عام الى لبنان قادما من السويد، لتمضية عطلة الصيف، قبل ان يستقر اخيرا بعد مقتل شقيقيه في المنكوبين، حيث ترددت معلومات انه توجه إلى قلعة الحصن، والتي كانت بإمرة زوج خالته “أمير جند الشام” خالد المحمود الملقب بـ”أبي سليمان المهاجر”، والذي تردد انه قتل بعد دخول الجيش السوري إلى القلعة وفرار من فيها باتجاه الأراضي اللبنانية.

السابق
خسائر حزب الله في جرود القلمون: الرقم الغامض  
التالي
خطاب الحريري بداية فك ارتباط بـ’القوات اللبنانية’