صواريخ لا تصيب

كان يعتقد ان الصواريخ التي اطلقت من جنوب لبنان قبل أيام في اتجاه المستوطنات الاسرائيلية لكنها اخطأت سبيلها، هي من تدبير جهة لبنانية او فلسطينية وثيقة الصلة ب”حزب الله”، سمح لها او طلب منها كما في مناسبات عديدة سابقة، ان تعبر عن تضامنها وتعاطفها مع الاهل في الداخل الفلسطيني، على هذا النحو الزائف.. لكن يبدو ، حسب الاعتقالات والتحقيقات الامنية، انه عمل مدبّر من طرف آخر.. ضيف جديد على الساحة اللبنانية يريد الالتحاق بالصراع او تغيير مجراه.
لم تحسم حتى اللحظة بشكل محدد هوية ذلك الضيف، الذي يفتقر الى الخبرة باطلاق الصواريخ كما هي حال حزب الله وحلفائه، لكنه من اهل السنة والجماعة المختلفين مع محور المقاومة والممانعة والراغبين في القضاء عليه. وهنا تطول اللائحة وتمتد من تنظيم”القاعدة” نفسه وصولا الى “داعش” و”النصرة” وعشرات بل ربما مئات غيرها من التشكيلات الاسلامية المحاربة التي انتجتها ساحات المعركة الشرسة مع النظامين السوري والعراقي في السنوات القليلة الماضية.
طبعا ، ليست المرة الاولى التي تنفذ فيها مثل هذه العملية من الجنوب. سبق ل”كتائب عبد الله عزام” ان تبنت ثلاث مرات على الاقل اطلاق صواريخ كاتيوشا على المستوطنات الاسرائيلية، بطريقة عشوائية تخلو ايضا من الدقة والاحتراف. لكنها اطلقت جرس الانذار في اسرائيل، من ذلك “الضيف” الذي يقدم اوراق اعتماده، ويتقدم نحو استرداد قيادة المواجهة على الجبهة اللبنانية الجنوبية من المحور السوري الايراني الذي يتولى حاليا مع “حزب الله” ادارة تلك المواجهة.
غالبا ما كانت تلك العمليات توصف بالمشبوهة، باعتبار انها تهدف الى استدراج اسرائيل من جهة ومحور المقاومة والممانعة من جهة اخرى الى حرب لا يريدها الجانبان.. اللذان لم يقعا يوما في الفخ، ولن يقعا فيه هذه المرة ايضا، لا لانهما ، كما يقال ، يركزان جهودهما العسكرية حاليا في قطاع غزة الذي يحرقه الاسرائيليون هذه الايام بمن فيه، او في سوريا التي يقاتل فيها “حزب الله” بتصميم شديد، بل لان ثمة تحولا جذريا في مجرى الصراع، وفي تعريف الجبهة اللبنانية الجنوبية ووظيفتها، وبالتالي في تحديد هوية القوى والادوات التي سترث تلك الجبهة.
لم يثبت ذلك التحول من خلال قرار الحزب بان يجعل من قتال أهل السنة أولويته المطلقة، بل اساسا من التوجه الاسرائيلي نحو تعديل النظرة الى الشيعة اللبنانيين والجنوبيين خاصة، بوصفهم قوة واقعية عازلة لا يجوز التفريط بها او حتى التخلي عنها ، لانها لن تسمح باي حال من الاحوال لشبكات القاعدة وخلاياه في التسلل الى المناطق الشيعية لا سيما المنطقة الحدودية . وما كتبه الاسرائيليون في الفترة الماضية لا سيما منذ انفجار الازمة في سوريا، وكان فيه الكثير من الحرص او العطف على نظام بشار الاسد ، لا يدع مجالا للشك في ان هذا المنطق ينسحب على لبنان، ويتكهن في ان الجبهة الاسرائيلية الشمالية ستكون اكثر هدوءا واستقرارا من بقية الجبهات العربية القابلة للاختراق من قبل الاسلاميين السنة.. الذين يظهرون الان اهتماما باولويات محلية سورية او عراقية او اردنية، لكنهما متجهون حتما نحو الحدود مع الكيان.
رد الفعل الاسرائيلي، الميداني والسياسي، على عملية اطلاق الصواريخ الاخيرة، كان يعكس بوضوح ذلك التوجه الجديد، ويستخدم لغة ودودة في التعاطي مع الجنوبيين، بل وحتى مع حزب الله، سبق ان صاغها بدهاء عدد من كبار المسؤولين والباحثين الاسرائيليين، الذين وصفوا بدقة متناهية المخاطر التي تواجه دولتهم في المرحلة المقبلة، وحددوا سبل مواجهتها.. وخلصوا بالمناسبة الى تقدير يعتبر ان قطاع غزة بات مارقاً، ويمكن ان يشطب من الجغرافيا السياسية للشرق الاوسط. وهو ما يحصل الان.

السابق
قوى الامن تعمم صورة موقوفين
التالي
صورايخ كفرشوبا اليتيمة: لا أحد يريد قتال إسرائيل!