العراق وخطورة اللعبة الإيرانية

خيرالله خيرالله

هناك اعادة رسم لخريطة الشرق الأوسط انطلاقا من العراق.

من العراق بدأ المشروع التوسّعي الإيراني الجديد، أو المتجدد. وفي العراق توقف، وإن موقتا، هذا المشروع القائم على فكرة التوظيف في المذهبية احيانا واستغلال القضية الفلسطينية تحت شعاري «المقاومة» و«الممانعة» في احيان أخرى كثيرة.

سعت ايران، من خلال شعاري «المقاومة» و«الممانعة» إلى خطف القضية الفسطينية من العرب والفلسطينيين. أقامت، حتّى، يوماً أسمته «يوم القدس» في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان للمزايدة على العرب والشماتة بهم.

استطاعت اختراق «حماس» وعطّلت من خلالها أي تقدّم كان يمكن أن يتحقّق على الصعيد الفلسطيني، وذلك في ضوء لجوء «حماس» إلى العمليات الإنتحارية التي أدّت في مرحلة معيّنة الغرض المطلوب منها ايرانيا…وسوريا.

الجديد حاليا، أتّه تبيّن أن العراق ليس لقمة سائغة لا لإيران ولا لغيرها، على الرغم من كلّ الجهود التي بذلت من أجل تغيير التركيبة السكّانية في المدن الكبرى، خصوصا في بغداد.

تبيّن أنّ في العراق، إلى اشعار آخر، بقايا روح وطنية تجمع بين السنّة والشيعة فيه. لعبت هذه الروح الوطنية دورا كبيرا في صدّ الهجمات الإيرانية على الجنوب العراقي طوال الحرب التي دارت بين العامين و وهي حرب، كان في أساسها خطأ فادح في التقدير، بل جريمة إرتكبها صدّام حسين عادت بالويلات على العراقيين وعلى أهل المنطقة. إعتقد صدّام أن ايران ستكون هدفا سهلا بعد الثورة التي أطاحت الشاه في العام وأنّه يكفي الهجوم على ايران كي تستسلم وتتوقف عن التدخل في الشأن الداخلي للعراق. لم يدرك أنّه، بإقدامه على هذا العمل المتهوّر، سيوقظ الروح الوطنية لدى الإيرانيين وأنّه سيسمح بذلك لآية الله الخميني بتحقيق هدفه المتمثل بابعاد الجيش الإيراني، الذي لم يكن متأكدا من ولائه، عن المدن والمراكز الحيوية.

ولكن في السنة ، تدفع ايران ثمن رهانها على ضعف العرب عموما من جهة وعلى قدرتها على تشكيل، أو شراء، قوّى سنّية قادرة على التحرّك لخدمة أهدافها من جهة أخرى. اتكّلت، في جانب مما تقوم به، على المذهبية. ركّزت على الشيعة في البحرين ولبنان والعراق وعلى النظام العلوي في سوريا. وعملت على تغيير في الأوساط الزيدية في اليمن. وقد نجح هذا التغيير في خلق «الحوثيين» الذين باتوا يسيطرون على مناطق واسعة في شمال اليمن.

كذلك، اتكلت على اختراقات في صفوف أهل السنّة، أكان ذلك في لبنان أو فلسطين…أو مصر والسودان. وإذا كانت ايران حققت نجاحا في مصر، فإنّ سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر شكّل نكسة كبرى لها. فطوال السنة التي كان فيها محمّد مرسي رئيسا لمصر، كان الغزل بين طهران والقاهرة دائرا. لا اعتراض مبدئيا على مثل هذا الغزل لولا أنّه كان يصب في احتواء ايراني لمصر المطلوب تعطيل دورها على الصعيد الإقليمي.

كان العراق الجائزة الكبرى التي حصلت عليها ايران. كان العراق الذي سلّمه الأميركي إلى ايران على صحن من فضّة منطلقا للتمدد في الإقليم. زادت الطموحات الإيرانية في لبنان إلى درجة بات معها في الإمكان التخلص من رفيق الحريري بصفة كونه زعيما سنّيا تتجاوز حدود زعامته حدود لبنان، علما أن رفيق الحريري كان زعيما وطنيا لبنانيا ساعد في دعم المؤسسات التي يقوم عليها الوطن الصغير بغض النظر عن الإنتماء الطائفي والمذهبي. ثمّة ثلاثة امثلة، بين العشرات، بل المئات، يمكن سوقها في هذا المجال. أوّلها دعم الحريري لجريدة «النهار» كي تظلّ على رجليها. و«النهار» جريدة وطنية معروف من يوجّهها ويشرف على سياستها. المثل الثاني كان دعم الجامعة الأميركية في بيروت ومستشفاها. والثالث دعم المؤسسة العسكرية اللبنانية التي كانت في كلّ وقت مؤسسة وطنية فوق الطوائف والمذاهب.لا داعي بالطبع إلى التذكير بعدد اللبنانيين الذين علّمهم رفيق الحريري وهم من كل الطوائف والمذاهب والمناطق والطبقات الإجتماعية.

استفادت طهران إلى أبعد حدود من العراق. ربّما جاء وقت تتذكّر فيه أن السياسة التي اتبعتها والتي أوصلتها إلى مرحلة تستطيع فيها تشكيل حكومة عراقية وتسمية الشخص الذي سيكون على رأس الحكومة وتعيين وزراء ايرانيين، أو من أصول ايرانية، يتولون حقائب في غاية الأهمية تتعلّق بالتربية والتعليم، لا يمكن أن تتجاوز سقفا معيّنا.

اسم هذا السقف هو التركيبة العراقية حيث هناك سنّة وشيعة واكراد. بين الشيعة عرب ما زالوا يؤمنون بالعراق أوّلا وهؤلاء في مقدّمة من يرفض الإستعمار الإيراني لبلدهم وتغيير طبيعة العاصمة بغداد. هؤلاء يرفضون التحكّم بالبلد بواسطة الميليشيات المذهبية التي ترّبى عناصرها وتدربّوا على السلاح في ايران…

من هذا المنطلق، لا يمكن للإيرانيين الإدعاء أنّهم شركاء في الحرب على الإرهاب التي تخوضها الولايات المتحدة منذ العام والتي كان من نتائجها احتلال العراق ووضعه في عهدة إيران.

كذلك، لا يمكن لحكومة نوري المالكي الهرب من الوضع الداخلي للعراق ومن ممارسات ذات طابع مذهبي متزمّت، عن طريق توجيه اتهامات من النوع المضحك ـ المبكي إلى المملكة العربية السعودية التي سبق ووضعت «داعش» على لائحة الإرهاب. فعلت السعودية ذلك في وقت كانت هناك جهود حثيثة يبذلها النظامان الإيراني والسوري لدعم تنظيمات من هذا النوع. كان الهدف من ذلك اظهار النظام السوري في مظهر من «يحارب الإرهاب» وأن حربه ليست على الشعب السوري كما هو واقع الحال.

يتبيّن يوميا أن لعبة الإستحواذ على أوراق إقليمية للتفاوض مع المجتمع الدولي، على رأسه الولايات المتحدة، لعبة لا أفق لها. بل هناك أفق واحد وحيد لهذه اللعبة. يتمثّل هذا الأفق في اثارة الغرائز المذهبية. هذه الغرائز سلاح ذو حدّين. تستطيع ايران أن تستخدمه ولكن لا يمكن إلّا أن يرتدّ عليها في نهاية المطاف. تاريخ المنطقة مليء بالأمثلة التي تشير إلى أن ليس في استطاعة أي طرف التحكّم بردود الفعل الناتجة عن استثارة الغرائز المذهبية والإستثمار فيها، اللهمّ إلّا اذا كان الهدف النهائي تفتيت الدول وازالة الحدود القائمة لمصلحة الدويلات المذهبية. هل ايران نفسها في منأى عن هذا الخطر؟

السابق
الأحذية الملوّنة تحتل كأس العالم
التالي
كل فلسطين.. لكل الفلسطينيين