اسلاميون ام مسلمون؟

لاحظ أحد الأصدقاء، وهو يكتب عن الأحداث وداعش في العراق وسوريا  ” كيف أن الشيعة يحكمون العراق منذ 2003، وخصوصاً منذ انتخابات 2005، وكيف أن العلويين يحكمون سورية منذ 1963… وكيف أن السنة حكموا العراق وسورية منذ نشأة الكيانين في شكلهما الراهن في النصف الأول من القرن الماضي، وكيف أنهم مثلوا جميع المسلمين في لبنان ونابوا عنهم، وبصفتهم هذه كانوا شركاء الموارنة والمسيحيين في حكم البلد وتسييره.” ليس مفاجئا حجم الشحنة الطائفية والمذهبية في الصراعات القائمة في لبنان منذ استقلاله، وفي المشرق العربي منذ عقود ، ولا مفاجئا حجم التحليل الذي ينطلق من هذه الفرضية ، إذ لم يكن يخلو بحث في مجلة ولا مقالة في صحيفة ولا تقرير سياسي لحزب يساري أو علماني  من تحميل المسؤولية للطائفية في الأزمة اللبنانية .

 

لكن هذا التشخيص لم يكن مخطئا فحسب بل تضليلياً . فقد طال تصويبه ولم يصب . ما يفاجئ في هذا التحليل هو أولاً إغفاله ما تراكم من دروس أكدت بما لا يدع مجالا للشك بأن المشاعر والغرائز المذهبية المتفشية في الوعي العام هي ضحية هذا الصراع وأداته وليست سببه ، وخصوصا بعد أن انجلى الغبار وانكشف زيف الأنظمة التي نادت بالعروبة العلمانية ، أي تاجرت بها ، لا بهدف الفصل بين سلطة الدولة و سلطة رجال الدين ، بل للتغطية على طبيعتها كأنظمة استبدادية ، فظهرت الطائفية ( لبنان) والمذهبية ( سوريا والعراق ) أداة تستخدم  للتمويه على أعطال نخرت جسد الأنظمة ، ولم تصب القوى الحاكمة وحدها بل سائر القوى والأحزاب المعارضة ، المتشابهة بانتمائها كلها إلى جذور أصولية واحدة ، وإن تعددت أسماؤها وتباينت إيديولوجياتها . في الحروب المندلعة في المشرق العربي كثير من الطائفية والمذهبية ، بيد أن نعت هذه الأنظمة بالطائفية أوالمذهبية لا يصوب على العطل ولا يشخص المرض ، بل إن مثل هذه النعوت تنطوي على تضليل أشد ما تكون الأنظمة حاجة إليه لتأبيد تسلطها.

 

وما تستحقه هو وصفها بأنظمة الاستبداد ، خصوصاً و أن المستبد يمارس استبداده على أهل ملته كما على سواهم ، فلا ضحايا الاستبداد البعثي في سوريا هم من أهل السنة فحسب ، ولا ضحاياه في العراق هم من أهل الشيعة فحسب ، ولا ضحايا الاستبداد ” المالكي ” اليوم هم من السنة فحسب ، ولا ضحايا الاستبداد القومي ” في ليبيا أو السودان أو تونس أو اليمن كانوا من ملة واحدة ، ولا ضحايا الاستبداد اليساري التقدمي، من ستالين إلى جبهة التحرير البوتفليقية كانوا من “الرجعيين”، بل إن الوطن كله غالبا ما يكون هو الضحية ، ولا سيما حين يحصر المستبد الخيارات أمام شعبه : أنا أو الحرب الأهلية . ما يؤكد وجهة نظرنا هو صدور فتاوى متناقضة من مرجعيات دينية ولكل فتوى سندها في النصوص ، دعوات إلى الجهاد من جهة ، و أدانة الدعوات من جهة أخرى ، مرفقة بحث العلماء ورجال الدين على ” … تطوير الخطاب الديني … ومنابذة أية حركة أو مشروع يستخدم العنف الديني أو يحرض عليه بتسويقه أو تبريره ” . (بيان ملتقى الأديان والثقافات المنشورة مسودته في الصحف ) الأزهر الشريف بدوره أعلن اختلافه الفقهي (الحجاب والنقاب) والسياسي( الدين والدولة) مع الجماعات الاسلامية المتشددة . كما كفرت فرق إسلامية فرقا إسلامية أخرى ، وكم من سجال دار حول التفسير والتأويل والاجتهاد، في أمور تتعلق بالعنف والاعتدال والعدالة و تطبيق الحد ، ما بيّن بوضوح أن الأمر لا يتعلق بالنص الديني بل بالتوظيف السياسي للنص ، وما يعني أن الفهم البشري للدين، وليس الدين، هو الذي يقدم للمتسلط على طبق من فضة مبررات كافية لتسلطه . بهذا المعنى ، الانتماء إلى دين أو مذهب شيء والانتماء إلى توظيف سياسي للنصوص الدينية شيء آخر، ومن هنا يصبح التمييز بين المسلم المنتمي إلى الدين ، والاسلامي المنتمي إلى حزب سياسي أمرا ضروريا في نقاش هذه الظاهرة ، وكذلك التمييز بين المذهب السني والسنية السياسية، وبين المذهب الشيعي والشيعية السياسية.

 

فالسنة مذهب ديني، أما السنية السياسية فهي مشروع سياسي ، والشيعة مذهب بينما الشيعية السياسية مشروع سياسي . الخلط بين المصطلحات حاجة للمستبد يضلل به الوعي العامي للدين ، وفي مصلحة المستبد تصوير الحروب ونعتها بالمذهبية والطائفية والدينية تسهيلا لمهمته بتجييش جمهور المتدينين بعد تضليلهم ، تماما كحاجته لتقديم نفسه على صورة مناضل ضد الإرهاب . لكن ، ما هي حاجة أهل الثقافة والاعلام  للخلط بين السياسي والديني ؟ ألكي يساعدوا المتسلطين على التسلط والمستبدين على الاستبداد ؟ تطبيقا لهذه النظرية ، ما يجري في المنطقة هو حروب ، طرفها الأول مستبدون وأنظمة مستبدة ، وطرفها الثاني خليط من قوى بعضها لا يقل استبداد عن الأنظمة ، وقد يكون من صنعها . أجل ! هي حروب على السلطة لا في سبيل الدين .  هي  حروب الاستبداد السياسي والديني ، والمتدينون وقودها .

السابق
كل فلسطين.. لكل الفلسطينيين
التالي
إيران.. من الصحوة إلى الصدمة