الأولوية… للإنسان الفلسطيني

لا قيمة لأرض أو لدولة، ولا لحجر مهما علا شأنه، ولا لشجر مهما بلغ عمره، دون الإنسان، سواءً كان هذا الإنسان لاجئاً أو أسيراً، مجاهداً أو مناضلاً، مُشتتاً أو مُهجَّراً أو مقيماُ..، ولهذا كان ولا زال وسيبقى الإنسان الفلسطيني يمثل جوهر الصراع مع الإحتلال الصهيوني، ولا عجب، وأحد مرتكزات المشروع الصهيوني، قتل وطرد الفلسطيني وعدم السماح بعودته الى مسقط رأسه وأجداده ومحاولات حثيثة لا تتوقف لتذويبه في أماكن اللجوء والشتات، وفي المقابل استجلاب ملايين المستوطنين الصهاينة من مختلف دول العالم، ويمارس عملية تطهير عرقي منهجي، وينفذ مشروع إحلالي ممتد منذ أكثر من قرن من الزمان حتى قراءة هذه السطور، فقد قال ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية في العام 1904، “يجب أن تتم عملية طرد الفلسطينيين والتخلص منهم بحذر وسرية”، وكذلك قال صامويل رايد في العام 1940 وهو المسؤول عن الاستيطان الصهيوني في فلسطين آنذاك “يجب أن يكون واضحاً في أذهاننا أنه ليس هناك من مجال لأن يعيش الشعبين معاً في نفس البلد، لذا فان الحل الوحيد يكمن في أن تكون فلسطين خالية من العرب، وليس هناك من طريقة لتنفيذ هذا المخطط، سوى طردهم جميعا الى الدول المجاورة”..

وليس من الغريب بأن ما دَئِب عليه الإحتلال وأعوانه، ومنذ وعد بلفور والإنتداب البريطاني على فلسطين حتى يومنا هذا بأن يحاول أن يزوِّر الحقائق في محاولة إثبات أن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب استحقها شعب بلا أرض، ولهذا يمارس ألاعيب إغراء المهاجرين، سواءً بالعمل أو الحقوق المدنية والاقتصادية والسياسية والرواتب المرتفعة، لاستجلاب المزيد من المهاجرين للسكن والإستقرار، سواءً في الداخل الفلسطيني المحتل عام 48، أو في مستوطنات الضفة الخالية، وليس من المستغرب أن يسانده في تحقيق هذه الرؤية المزيفة الإدارة الإمريكية وأعوانها، فمن ساحة البيت الأبيض قال بوش لشارون في 14/4/2004 “لن يكون هناك عودة للاجئين“، وقد أُطلق عليه حينها بأنه وعد بلفور الثاني، وليس ببعيد حين زار جوزيف بايدن نائب الرئيس الأمريكي دولة الإحتلال ومن خلال مؤتمر صحفي عقده هناك في 11/3/2010 قال “تاريخ إسرائيل قصة إنجازات رائعة في منطقة من الصحراء الخالية”، متناسيا أكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني في دول اللجوء والشتات والمنافي عاشوا في فلسطين لهم جذور وتاريخ يمتد لآلاف السنين ولم تكن يوماً خالية، وأن فلسطين كانت جزءٌ من حضارات عربية عريقة تعلم منها الغرب التجارة والرياضيات والعمارة والكهرباء والفنون..، ألم يطمع بها الغزاة فجاؤوا اليها بالجيوش كالرومان والصليبيين والصهاينة..، أما المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية نيوت جينغريتش وفي محاولة لإسترضاء الإحتلال والحصول على التأييد، قال في تصريح عنصري فيه مغالطات تاريخية في 12/12/2011 بأن الشعب الفلسطيني”مجموعة من الإرهابيين وشعب مخترع ليس له وجود”. وفي آذار من العام 2004 اعترفت اسبانيا بأنها توافق على أن تكون “دولة اسرائيل” للشعب اليهودي، أي أنها توافق على تهجير من تبقى من الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة عام 1948.

أما ما يقلق الإحتلال أكثر ويقض مضجعه ليل نهار، ازدياد الهجرة المعاكسة الى خارج فلسطين، وتُعتبر “الهجرة” اليهودية إلى فلسطين تاريخياً واستراتيجياً، حجر الزاوية في مخطط الحركة الصهيونية لإنشاء وتطوير وتقوية “الدولة اليهودية”، فقد قدرت بعض التقارير الإسرائيلية في نيسان 2007، إلى أن حوالي ربع الإسرائيليين يدرسون إمكانية “الهجرة” المعاكسة، ونحو نصف الشباب الإسرائيلي “يفكرون” في الهجرة من (إسرائيل)، وتشير الإحصاءات الإسرائيلية الى معدل هجرة عشرين ألف يهودي سنوياً منذ العام 2000 حتى عام 2009، وذلك بسبب “الوضع الأمني غير المستقر وانعدام الثقة بالسلطة الإسرائيلية الحاكمة والنظام الإقتصادي المنهار”.

القلق الاستراتيجي للمشروع الصهيوني يكمن في سلاح الديموغرافيا والجغرافيا الذي يتشدق فيه الإحتلال ويعتبره خطراً استراتيجياً على استمرار وجود هذا الكيان وبان فلسطين لا تتسع لاصحاب الارض الاصليين من اللاجئين..!، في المقابل، فقد الذي أحسن الفلسطينيون إتقان استخدام هذا السلاح، إذ على الرغم من مرور 66 سنة على النكبة، فلا يزال 88% من اللاجئين الفلسطينيين يقيمون في فلسطين التاريخية ودول الطوق (48% في الضفة وغزة وفلسطين المحتلة عام 48) و40% في لبنان وسوريا والاردن، وفي هذا أكبر دلالة على إلتصاق اللاجئين بالأرض والتمسك بالوطن والحفاظ على الهوية، ولا يوجد خارج منطقتنا الجغرافية إلا 6% في البلاد العربية البعيدة، و6% في البلاد الأجنبية، ناهيك أن عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية سيتساوى مع عدد اليهود في فلسطين في العام 2015 كما يشير العديد من مراكز الدراسات المتخصصة، ولهذا في كل فترة يطلع علينا الاحتلال بقوانين جديدة إما تساهم في الحد من النسل لدى الفلسطينيين، أو منع الزواج بين الداخل الفلسطيني المحتل عام 48 وأراضي الضفة أو غزة، ومنع لم الشمل وممارسة سياسة الترحيل والإبعاد خاصة عند الاسرى، وربما نموذج مبعدي كنيسة المهد في 10/5/ 2002 أبلغ دليل، إذ بناءً على الصفقة التي أبرمت بين الإحتلال والمبعدين برعاية وضمانات أوروبية ينبغي أن يعود 39 فلسطينيا الى بيت لحم بعد سنتين من الإبعاد، وحتى هذه اللحظة لم يتم تطبيق الجزء الثاني من الإتفاق على الرغم من مرور 12 سنة دون أي ضغط وتدخل جدي من قبل الإتحاد الأوروبي..

لذلك شعلة الجهود يجب أن تبقى متقدة، وغير مرتبطة بمناسبة هنا أو حدث هناك، سواءً بهدف عودة اللاجئين أو حرية الأسرى، أو تثبيت المقدسيين، والفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة عام 48 المهددين بالأسرلة، أو تمكين الفلسطينيين من العيش بكرامة..، فالأولوية للإنسان الفلسطيني.. فهو المحور وهو الجوهر..

السابق
كيري وعد المالكي بدعم ’مكثّف ومستمرّ’ في مواجهة ’داعش’
التالي
«داعش» يقيم محاكم شرعية في الموصل