اندفاعة إيرانية ـ أميركية لاحتواء ’داعش’

سباق بطيء، إقليمي – دولي إلى احتواء اندفاعة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، و«جيش النقشبندية» في العراق.

ذلك أنه من الصعب أن تتبلور بالإيقاع السريع نفسه، لـ«الغزوة الموصلية»، خطة تجمع في إطارها الإيرانيين والأميركيين والأتراك، وكل المتضررين من تصدع المنظومة التي نشأت بعد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، رغم تقاطع الحديث إيرانياً وأميركياً عن تهديد مصالحهما في العراق.
فبعد ساعات من سقوط الموصل، عرض الإيرانيون، على لسان الرئيس حسن روحاني المساعدة على «التصدّي للإرهاب» قبل الذهاب إلى اجتماع للمجلس الأعلى للأمن القومي، وتحديد الخطوات المقبلة. وقدم الرئيس الأميركي باراك أوباما عروضاً مشابهة، معلناً عن «تحركات عسكرية قريبة قصيرة المدى وفورية، ينبغي عملها في العراق، ونحن نبحث كل الخيارات»، فيما سارع البيت الأبيض إلى الإعلان انه لن يتم إرسال قوات أميركية إلى العراق.

 
ويملك الطرفان على الأرض ما يكفي من قوات أميركية وخبراء في المنطقة، أو حلفاء عراقيين، وعناصر من الحرس الثوري الإيراني، لترجمة العروض أفعالاً في الساعات المقبلة. وذكرت صفحة الحرس الثوري الإيراني أن «إيران ستتدخل وبقوة متى اقتضت الحاجة للحفاظ على أمنها القومي من جهة، ولدعم ومساعدة العراق من جهة أخرى».
ويبدو الموقف التركي ملتبساً في الساعات الأخيرة، خصوصاً مع تأكيد معارضين سوريين أن المئات من المقاتلين الأجانب، خصوصاً السعوديين منهم، عبروا في اليومين اللذين سبقا الهجوم على الموصل، بوابات الحدود السورية – التركية.
ويقول مصدر سوري في المنطقة إن الاستخبارات التركية كانت على علم بوصول المئات من المقاتلين العرب والأجانب، وإن التعليمات صدرت بتسهيل انتقالهم. وساد الاعتقاد أن هؤلاء يتجهون إلى تعزيز أرتال «داعش» التي كانت تحشد المزيد من القوات، لحسم معركتها في دير الزور، وطرد ما تبقى من تحالف عشائري «جهادي» حول «جبهة النصرة»، وبسط سيطرتها على المناطق النفطية فيها، وربطها بالرقة المجاورة.. والأنبار.

 
وقد يواجه الطرفان اللذان استنفرا إعلامياً وسياسياً لمواجهة «داعش»، خصوصاً الأميركيين، ضرورة جلاء موقفهما بسرعة، من الحدود التي ستتوقف عندها غارات طائراتهم من دون طيار، التي ستقوم بضرب أرتال «داعش» وغيرها في الشمال العراقي، وما إذا كانت ستتوقف عند حدود «سايكس بيكو» العراقية – السورية، أم أنها ستشن حرباً مفتوحة على «الدولة الإسلامية» في كل مكان، مع ما يترتب على ذلك من تغييرات كبيرة من موقفها من المعارضة السورية «الجهادية». كما أنه ليس من الواضح ما إذا كان من المقبول تغيير قواعد اللعبة في المنطقة، وأن تتقدم إلى المعركة قوى، لن يكون بوسع أحد أن يسيطر عليها، وفي حيّز شديد الأهمية نفطياً للولايات المتحدة، يشكل عمقاً استراتيجياً لإيران، وحاجزاً أمام تقدم الجماعات «الجهادية»، لتهديد الكويت أو غيرها.

 
ولا يبدو أن العراقيين سينتظرون نضوج الرد الأميركي أو الإيراني، إذ تشي نداءات رئيس الوزراء نوري المالكي للعراقيين بالتطوّع في جيش رديف، بأن الصيغة المفترضة للمقاومة، تستنسخ النموذج السوري لاستيعاب الهجوم على الموصل وصلاح الدين. وهكذا تساند قوات من المتطوعين، غالبيتها من الشيعة والعشائر، الجيش العراقي، للدفاع عن بغداد، واستعادة ما يمكن استعادته في الشمال.

 
أما قرار نقل المعركة من سوريا إلى العراق، فقد اتخذه «داعش» وعناصر من بقايا الجيش العراقي السابق، و«جيش النقشبندية» بزعامة نائب الرئيس العراقي السابق عزة الدوري، بعد إخفاقها في إحراز أي انتصار سريع في سوريا. كما تؤشر «غزوة الموصل» إلى قرار دول خليجية دعمت الحرب في سوريا، من قطر أو السعودية بشكل خاص، إلى طعن الهلال الممانع في قلبه العراقي، الحلقة الأضعف فيه.
وبدا التصدع كبيراً وسريعاً، بسبب فشل السياسات التي اعتمدت خلال عقد كامل، في بناء دولة يهيمن عليها المكوّن الشيعي، ونزعة استبعاد المكوّن السني، وتحجيمه، والتباطؤ في تسليح الجيش العراقي، ومده بالأسلحة الضرورية لحماية الدولة الجديدة. وبخلاف الساحة السورية ، تظهر المفاجأة الموصلية، مرونة زعيم «داعش» ابو بكر البغدادي، وعودة الدوري مع «النقشبندية» للعب دور كبير، في المعركة ضد بغداد، لا يشكلان فيها، سوى واجهة لتحالف عريض من أبناء العشائر، وبقايا «البعث»، تعبر عن انتفاضة سنية، أكثر منها غزوة «جهادية». ويقيم «داعش» والبعثيون تحالفاً قوياً، عبر الدور الذي يلعبه الضباط السابقون في قيادة «داعش»، إذ من بين 20 عضواً في «مجلس شورى داعش» يحتل ضباط الجيش السابق 13 مقعداً، من بينهم سمير الدليمي (حجي بكر) عقيد الاستخبارات العراقية السابق والذي قتل في ريف حلب، أو عبد الرحمن الببلاوي، المقدم السابق في الحرس الجمهوري، الذي قتل في الموصل، وكان قاد «داعش» في دير الزور وقبلها في الأنبار.

 

 
ولن تكون «غزوة الموصل» من دون ارتدادات في سوريا نفسها، وفي المنطقة الشرقية منها. ومع ارتسام «دولة» البغدادي من الأنبار حتى بادية الشام، لن يكون ميزان القوى في حرب «الجهاديين» أولاً بمنأى عن الانقلاب مع ارتفاع أعلام «داعش» من دير الزور غرباً نحو بغداد شرقاً. فبعد ساعات فقط من سقوط الموصل، تدفقت عربات «الهامر» الأميركية، وذخائر الجيش العراقي وأسلحته الى جبهات «داعش» في الحسكة والرقة. ولن تتأخر كثيراً نتائج «الغزوة الموصلية» في تغيير وجهة الصراع، في ساحات القتال بين اخوة «الجهاد» في الشرق السوري .

 
فمن دون استعادة الموصل، قد يجد إعلان «الدولة الاسلامية في العراق والشام» أضعاف ما يحتاجه من الموارد المالية، والجغرافية، والبشرية الكافية لإحياء «دولة الخلافة في بادية الشام». فالموصل تضاعف قدرته على تجنيد الآلاف من المقاتلين في الخزان البشري العراقي الجديد، بعد ضمّ نينوى الواسعة، كل ذلك معطوفاً على تحالفات عشائرية، تمتد من الأنبار حتى دير الزور، ومصادر نفطية لا تنضب توفرها السوق التركية لتسويق النفط السوري المنهوب بأرخص الأسعار عبر تل أبيض، مستفيداً من قرار الاتحاد الاوروبي بتسهيل بيعه لتمويل المعارضة. كما يستفيد «داعش» من مستودعات ذخيرة وأسلحة وصواريخ وقواعد عسكرية، ومعدات متطورة، تمثل جزءاً من صفقة بأربعة عشر مليار دولار بين واشنطن وبغداد. وخلال يومين تحولت الشدادي جنوب الحسكة القريبة من معبر الهول مع العراق، الى نقطة تجمع وتوزيع الغنائم العسكرية العراقية، التي بدأت تتدفق على الجبهات بإشراف ابو عمر الشيشاني.

 
وتخول العناصر الجديدة «داعش» الذهاب نحو حسم المعارك في دير الزور، صلحاً او قتالاً، بعد أن فشل تحالف الفصائل «الجهادية» الملتفة نحو زعيم «النصرة» ابو محمد الجولاني، في احتواء تقدمه في وادي الفرات، وانتزاع كامل الريف الغربي، ووصله بولاية الرقة، في معارك كلفت الطرفين 700 قتيل في 40 يوماً من القتال.
وتقول معلومات من المعارضة السورية في المنطقة، إن الجماعات «الجهادية» والعشائر، وقيادة الجولاني في الشحيل، قد توصلت الى هدنة غير معلنة مع «داعش»، لدعمه في «غزوة الموصل». وكلفت «كتيبة البتار»، التي تضمّ ما يقارب ألف مقاتل ليبي بايعوا «داعش»، بمراقبة الطرق شمال دير الزور والحفاظ على الهدوء فيها. وسلمت الحواجز في المنطقة، لضمان حيادها، الى «المهاجرين والمقاتلين العرب»، وسحب أبناء العشائر منها، تفادياً للصدامات.

 
وليس رمزياً أبداً أن يجرف «داعش» الحاجز الرملي الحدودي، وخطوط «سايكس بيكو» مع قوافله العائدة من الموصل، اذ توحد منطقة الجزيرة الشامية والعراقية للمرة الأولى منذ خروج العثمانيين منها قبل قرن مضى، ولكنها تلوح ايضاً بقيام دويلات وإمارات «جهادية» تمتلك عناصر وموارد بقاء، وموارد كافية لنشر الفوضى في المنطقة، سنوات طويلة.
ولم تكن الطريق الى الموصل وتكريت وصلاح الدين في العراق عملية انتحارية، فقد انسحب «داعش» منذ ستة أشهر من الريف الحلبي وادلب، وتخلى عن القتال في ارض لا عمق استراتيجياً له فيها، واستند الى قاعدة مشروعه في الأنبار، ليتوسع في الرقة ودير الزور وجنوب الحسكة.

 
وأبعد من الرمز، سيأمر البغدادي المؤمنين في دولة من عمقها الاستراتيجي يحاذي الفرات من الحدود التركية، حتى مشارف بغداد. وسيكون للبغدادي أن يفتح جبهات متعددة في سوريا والعراق، وفي دول أخرى مجاورة إذا لم يتم احتواء تقدم «جهادييه». أما افتتاح ما تبقى من «الجيش الحر»، و«الجبهة الإسلامية»، و«النصرة»، معارك في الشمال في بلدة الراعي، لطرده من معقله الأقرب إلى تركيا، فليست سوى معركة لاستعادة ماء وجه «الجهاديين»، وتخفيف الضغوط عن جبهات تترنّح في دير الزور.

السابق
اغلاق 20 مليون حساب على ’وي شات’
التالي
’بي ان سبورتس’ تقرر نقل 22 مباراة من المونديال مجانا