مصر لم تَعُد… فهل سننتظر طويلاً؟

هل مصر قادرة إقليميا على منافسة الدور القيادي لتركيا وإيران وإسرائيل والسعودية وقادرة على تسجيل مساحة تحرّك فعّالة على المستوى الدولي؟

أكثر ما يلفت – بل يريح – في خطاب الرئيس المصري الجديد هو هذا الوعي الطافح بالحاجة إلى قوة الدولة المصرية وتأكيده وبدون التباس ولا عقدة ذنب على أن الدولة في مصر، بما هي الجسم العريق تاريخاً وحاضرا، هي قائدة كل تحوّلٍ منشود لا أحد غيرها.
قالها الرئيس المصري للمرة الأولى أو النادرة التي يعبِّر فيها بهذا الوضوح: لقد منعت الدولة المصرية الحرب الأهلية.
هذا إنجازٌ كبير في زمن انهيار الدول في محيط مصر المباشر. ولهذا وقفت أكثرية الشعب المصري بثقافته السلمية العريقة وراء الجيش لمنع الانهيار… ونجح الرهان.
لكن منع الحرب الأهلية شيء وعودة مصر شيءٌ آخر.
أولاً في مفهوم “العودة”:
يحاول الرئيس السيسي في خطابه أمس الأول وقبل خطابه، بوضوح بل وتكرار، أن يقول أنه لا عودة إلى ماقبل 25 يناير 2011 من خلال تأكيده على أن عهده هو حصيلة ثورتي ميدان التحرير المشار إليها و30 يونيو 2013. يجب أن نصدِّقه وأن تشجّعه النخبة المدنية وخصوصاً الشبابية ليكون التحوّل في هذا الاتجاه وليس، كما اعتبر كثيرون وخصوصاً في الغرب، أن ما يحصل هو ارتدادٌ عن ثورة 25 يناير وعودة لـ”الدولة الأمنية” بمعناها السلبي وليس الإيجابي. وهذا ما سيتوقف على عهد الرئيس السيسي أن يدحضه لصالح مستقبل مصر.
ثانياً إذن، العودة، عودة مصر، إلى ماذا؟
المتفَق عليه أن المقصود هو عودة مصر قوية داخليا وخارجياً. لكن أيضاً هذا الكلام لا يكفي بسبب عموميّته الشديدة، وهو لا يكفي للتوضيح حتى عندما يتعلّق الأمر بدولٍ أكبر تأثيراً وحضورا كفرنسا أو الولايات المتحدة الأميركية فكيف في عالمنا المعاصر حين يتعلّق الأمر بدولة محاصرة بالكثير من المشاكل وسبق أن ضُرب من الداخل والخارج مشروع ضخم لبناء مصر جديدة وذات تأثير خارجي بمفاهيم الخمسينات والستينات الوطنية لا الديموقراطية. لكن تلك مفاهيم انقضى زمنها ومصر القرن الحادي والعشرين تحتاج طبعاً لنمط مختلف.
بهذا المعنى وإن كانت إرادة الإصلاح والتغيير واضحة جداً في خطاب الرئيس السيسي إلا أن مشروع التغيير ليس مختٓبراً على المستوى الداخلي ويحتاج إلى وقت لقياس فعالية وسائله وما إذا كان قادراً على الاختلاف الجذري عمّا سبقه كما أنه ليس واضحا على المستوى الخارجي وهذا ما يعنينا في العالم العربي بل هذا ما تعنيه النوايا الحسنة المطالِبة في أصقاع هذا العالم العربي بـ”عودة” مصر.
هل هذه الـ”مصر” قادرة على “العودة” بالمعنى الذي تريده النخب العربية أي مصر قائدة في المنطقة وللمنطقة دولةً ونخباً ثقافية واقتصادية وسياسية ودينية؟ هل مصر هذه تستطيع “العودة” أم أنه علينا أن نبدأ بالتعوّد على أن مصر التي نعرف، لم تعد معادلة لتوقعاتنا؟ هل هذه الـ”مصر” بكلامٍ آخر قادرة إقليميا على منافسة الدور القيادي لتركيا وإيران وإسرائيل والسعودية وقادرة على تسجيل مساحة تحرّك فعّالة على المستوى الدولي ضمن حقائق العالم المعاصر التي تجعل من “الجيو – اقتصادي” هو الذي يدير” الجيو – سياسي” وليس العكس؟
حتى إذا وقعنا على معنى آخر أقل صعوبة من المعنى القيادي لـ”العودة” وهو المعنى الاستقلالي عن القوى الإقليميّة رغم ترابط المستويٓيْن… فهل مصر قادرة على ممارسة هذه الاستقلالية الإقليميّة فكيف بالدوليّة؟
كلها أسئلة حيوية وخطيرة بالنسبة للمنطقة ولمصر… لكن أيا تكن الإجابة عليها مبكرة أو ممكنة من اليوم، فإن الأمر الأول والحيوي الذي يجب أن نتحسّس به “عودة” مصر هو أن تبدأ قيادتها الجديدة بمساعدتنا على ما فعلت هي لمصر: بناء سياسة إنقاذ أو المساهمة في إنقاذ دولنا من الانهيار الذي أصابها وإيقاف حروبها الأهلية.
هذا هو المعنى الأول والأكثر نبلاً وفعالية لاختبار “العودة”.
تبقى ملاحظة على “الهامش”: تابعتُ خلال حفل تسلّم الرئيس الجديد إحدى القنوات المصرية وصدمني المستوى الهابط لممالأة أحد المذيعين للرئيس. أرجو أن لا تنطلي على أحد وخصوصاً الرئيس؟

 

السابق
البرلمان اللبناني يفشل للمرة السادسة في انتخاب رئيس
التالي
باؤلي في رد غير مباشر على نصرالله: ندعم الدستور كما اتفق عليه في الطائف